نُـبذةٌ عن حياةِ المُراسلِ و بيشمركةِ ثورةِ أيلولَ أحمـــد يوسـف عمر

أمـل حَـسَــن

من آهاتِ قسوةِ الظلم و أنينِ حسراتِ الألمِ ، و من حُـرقةِ دُموعِ اليتامى ، و الشوق إلى حنينِ الوطنِ ، نتصفَّحُ صفحاتِ التاريخِ ، لكي نملأَ السطورَ بما تبقَّى من قصَّـةِ الحُلم و قصيدةِ الأمل بقلم الرجاءِ و الصفاءِ و لسان العطفِ و الأمل .
نجدِّدُ لمساتِ التاريخ ، و نرقدُ خلفَ الذاكرةِ باحثينَ عن قناديلِ الحياةِ ، من خيالِ ذلكَ الماضي الأليم ، و في ظلِّ هذا الحاضر الجريحِ ، نجمعُ الكلماتِ و ننسجُ العباراتِ عن سيرةِ المُراسلِ و المناضلِ بيشمركةِ ثورةِ أيلولَ الطفلِ اليتمِ أحمـــد يوسُـف عُـمر الذي لم يتذكَّـرْ شيئاً عن ماضيه الحزينِ سوى اسمهِ ، و اسم أخيهِ ، و هما في بداية عمرِهما ، حـرَّمَهما القدرُ أنْ يكونا مثلَ غيرهم من الأطفال ، و أنْ يعيشا حياةَ الطفولةِ في ظلِّ حنانِ الأمَّـهاتِ و كنفِ الآباء ، و على أرضِ الأجدادِ لتبتسمَ لهم الحياةُ .
حقيقةً لا أعرفُ من أينَ أبدأُ ؟ و ماذا أكتبُ ؟ و كيفَ أعـبِّـرُ عن هذهِ الملحمةِ الوطنيةِ المُمتلئةِ بروح العُنفُوانِ في رحابِ مهدِ أصالة التاريخِ ، و أسطورةِ تراتيلِ الحزنِ و الشقاءِ لكثرةِ وجودِهما في هذهِ الحكايةِ و السيرةِ الذاتيةِ لنضال هذا الطفلِ المُشـرَّدِ و الرجلِ النبيلِ و المراسلِ الشجاعِ .
أذاً ، وحدَهم همُ الأبطالُ و السائرونَ على نهجِ البارزانـيِّ الخالـدِ يستحقُّونَ منا أن نكتبَ عنهم .
الاسمُ : أحمـــد يوسُـف عمر .
المواليدُ : تركيا ( باكور كُـردسـتان) من قرية مهمدية التابعةِ لجزيرةِ بوطانَ من عشيرة خورسيا .
ناهز الخامسةَ و الثمانينَ من العمر ( ٨٥ )
و حسبَ أقوالِ المناضلِ أحمـــد يوسف ، فقد تمَّ تهجيرُهم من تركيا ؛ بسببِ الحرب ، و لم يتذكَّر معَ عائلةِ صالح شعرو هو وأخاهُ شيئاً عن ماضيهم ، و كانَ عمرهُ سبعَ سنواتٍ ، و أخاهُ في الخامسةَ عشرَ من عمرهِ ، و اتَّجها معاً نحوَ سوريا ، و عاشـا مع تلكَ العائلة لمدةِ سنةٍ في قرية موزلانية ،
و بناءً على الطلبِ من السيّدةِ عزيمة زوجة السيّدِ صالح شعرو ، فقد تمَّ تبـنِّـي الطفلَينِ أحمد و مُحمَّـد ، و كانَ أحمد يحرثُ الأرضَ ، و أخاهُ يذهبُ إلى الحصاد ، و مضى عليهم عامٌ ، و هما على هذهِ الحالِ من حياتِهما .
و في ذلكَ الوقتِ ، كانتْ زوجةُ الآغا عُـمر مُـحـمَّــد مُختار قرية ( بانه شكفته) ابنة صالح شعرو ، و تُدعى وضحة صالح شعرو ، و على هذا الأساس فقد انتقلتْ عائلةُ صالح شعرو من قرية موزلانية إلى قرية بانه شكفته برفقة هذَينِ الطفلَينِ الجميلَينِ أحمد و مُحـمَّـد .
هنا و في غمرةِ زخَّات المطر و قطراتِ الندى على رحابِ سهولِ و كهوفِ بانه شكفته نكتبُ أيقونةَ أصالة الروحِ .
بعدَ أن وصلَتْ عائلةُ صالح شعرو إلى أحضانِ بانه شكفته معَ هذَينِ النجمَينِ ، و معَ مرور الوقتِ تمَّ الاجتماعُ من قِـبَـلِ وجهاءِ القرية من أجل إيجادِ الحلِّ لذلكَ الطفلَينِ ، و بمشيئةِ الـلّٰـــهِ تعــالى و قدرهِ فقد تفرَّقَ الأخوانِ أحمـــد يوسُـف و مُحمَّد يوسُـف عن بعضهم البعضِ ، ثمَّ تبنَّى شاهين علي الطفلَ أحمد و حمزة خليفة تبنَّى الطفلَ مُحـمَّـداً .
و هكذا تمَّ تغييرُ نسبهما من أحمد يوسف إلى أحمد شاهين ، و من مُحمَّد يوسف إلى مُحمَّد حمزة. يا إلهي هل هذهِ هي الحقيقةُ ؟! هل أكتبُها أم أنَّها مجرَّدُ حكايةٍ من حكايات الماضي التي عاشَها الشعبُ الكرديُّ ، و لكنْ مع الأسفِ إنَّـهُ الواقعُ من قلبِ الحقيقة التي عاشَها المراسلُ الكرديُّ أحمد يوسف ( أحمد شاهين) في زمن النضالِ الحقيقيِّ .
و بعدَ أنْ تبنَّاهُ السيّدُ شاهين علي ، فقد كانَ عمرهُ يُناهزُ عشرَ سنواتٍ ، و كانَ أحمد يعملُ راعياً لديهم ، و لم يكنْ لشاهين علي سوى ابنةٍ وحيدةٍ تُدعى عائشة .
و بعدَ مرور عدَّةِ سنواتٍ ، فقد تمَّ عقدُ قِرانِ أحمد شاهين على ابنة شاهين علي عائشة شاهين ، بشرط أنْ يبقى أحمد راعياً لديهم لمدَّة سبعِ سنواتٍ ، و على هذا الأساسِ فقد تمَّ الاتفاقُ ، و أصبحَ أحمد الوريثَ الوحيدَ أيَّ وليَّ العهدِ لعائلةِ شاهين علي بعدَ وفاتهِ .
و بعدَ كلِّ هذهِ المعاناة التي عاشَها أحمد يوسف منذُ ولادتهِ ، فقد استقرَّ معَ زوجتهِ في قفصِ الحياةِ الزوجيَّةِ ، و أنجبَ الزوجانِ سبعَ أولادٍ ، ثلاثةَ فتيانٍ و أربعَ فتياتٍ .
أذاً ، كما يقولُ المثلُ : لا شيءَ يجعلُ منَ الإنسان عظيماً سوى الألمِ العظيمِ ، و ربَّـما يكونُ الإنسانُ الذي استمدَّ قوَّتَـهُ من النزوحِ و التشرُّدِ من أجل العيشِ و البقاءِ تهونُ عليه التضحياتُ .
هكذا تعلَّمنا من سيرةِ المناضلِ أحمد يوسف ، و رغمَ كلِّ المآسي التي مرَّ بها ، فقد بقيَ صامداً و صابراً في وجهِ العقباتِ ، و تجاوزَ كلَّ الصعوباتِ بعزيمتهِ و إرادة كيانهِ العظيمِ .
لم يقفْ يوماً مكتوفَ اليدَينِ من أجل حقوقِ الشعبِ الكرديِّ بل ناضلَ ببسالةٍ ، و تمَّ انتسابُـهُ إلى صفوفِ ريبازا كوردايتي في عام ١٩٦٤م ، من قِبَلِ أحد أعضاءِ اللجنةِ المركزيةِ و يُدعى مُـلَّا محمود نيو ، و كانَ يرأسُهم عثمان صبري سكرتيرُ حزب اليسارِ الكرديِّ في تلك الفترة ، و على مبدأ الروح الوطنيةِ و التمسُّكِ العميقِ بنهج البارزانيِّ الخالدِ ، فقد جاهدَ السيرَ على نهجِ المقاومة معَ الكثير من الشخصياتِ الوطنيةِ مثلَ الحاجِّ دهام ميرو و مُحمَّد مُصطفى نذير ،
و تمَّ تعينُـهُ مُراسلاً سياسيَّاً مثلَ ساعي البريدِ من قِبَلِ القائدِ العسكريِّ عيسى سوار ؛ لأنَّهم كانوا بحاجةٍ إلى شخصٍ مناضلٍ مثلَ أحمد يوسف لكي يعملَ لديهم كمراسلٍ حربيّ و سياسيّ على الساحة بينَ جميع المدنِ و المحافظاتِ الكرديةِ لمدَّةِ أحدَ عشرَ عاماً ، و ذلكَ بينَ عامي ١٩٦٧م و ١٩٧٥م ، و هو يعملُ لدى لقى (١) في دهوك نينوى ، بقيادة نُعمان عيسى الذي كانَ مقرَّاً في كلناسك و جرانه .
و حينَ تمَّ إصدارُ بيان الحكم الذاتي من قِبَلِ الرئيس العراقي أحمد حسن بكر في :١٩٧٠/٣/١١م ، قامَ أحمد يوسف بمهمَّةٍ خاصةٍ سيراً على الأقدام لمدة أحدَ عشرَ يوماً من كلناسك إلى حاجي عمران ، و عندَ وصوله إلى حاجي عمران كانَ اليومُ التاريخي يومُ( ٢١ أذار)، و حضرَ مهرجانَ عيد نوروز بحضور الرئيسِ مسعود البارزانيِّ و صبري بوطاني عضو اللجنة المركزيةِ في ذلك الوقت .
و كما ذكرَ لنا البيشمركةُ أحمد يوسف في عام ١٩٧٣م ، فقد ذهبَ إلى بغدادَ ، و التقى بالوزير صالح يوسف ، و بناءً على طلبٍ من مراسل المُـلَّا مُصطفى البارزانيِّ مير مصطفى بك ، فقد اجتمعَ المراسلُ والبيشمركة أحمد يوسف معَ سياسي الحركة القومية إدريس البارزاني تحتَ خيمتهِ و رحَّبَ به إدريس البارزانيِّ ترحيباً حاراً ، و قالَ له : ماذا تريدُ أنْ نقدِّمَ لكَ ؟ قال له أحمد يوسف : لا أريدُ سوى أنْ أقابلَ الأبَ الروحي المُـلَّا مُصطفى البارزانيِّ ، قال له إدريس البارزانيِّ : سأوصلُ إلى البارزانيِّ كلَّ ما تريدُهُ ، و بعدَها قدَّمَ إدريس البارزانيِّ مبلغاً من المال كهديةٍ له من أجل نضالهِ و شقاء عملهِ في سبيل خدمة نهجِ البارزانيِّ و حقوق شعبهِ الكرديِّ .
و بقيَ أحمد مُـتَّجهاً من مكانٍ إلى آخرَ يحملُ سلاحَ الشرف و الكرامة ، و مخلصاً لعملهِ حتى تراجعَ العراقُ عن عهودهِ للكورد ، حيثُ انسحبَ المُـلَّا مُصطفى البارزانيِّ من المدن ، و اتَّجهَ نحوَ الجبال قبلَ مؤامرة الخيانةِ الدولية في : ١٩٧٥/٣/٦م ، و بموجب اتفاقية الجزائر المشؤومةِ بينَ كلّ من العراق و إيران في الجزائر ، حيثُ تنازلَ العراق عن شطِّ العرب لإيران مقابلَ تخلِّي شاه إيران مُـحــمَّــد رضا بهلوي عن الكرد و قطعِ المساعداتِ عن الحركة التحرُّرية الكرديةِ في كردستان الجنوبية ، و إسكاتِ الكُردِ عن المطالبة بحقوقهم المشروعةِ .
و في تلكَ الأثناء قالَ رئيس الجزائر “هواري بومدين ” لصدام حسين الذي كانَ نائباً للرئيس العراقي آنذاكَ : لقد تنازلتَ كثيراً لإيران ، و الذي قدمتَهُ لإيران لو قدمتَهُ للأكراد لكانَ أحسنَ بكثير لكم ، و للشعب العراقي ، و ردَّ عليه صدام حسين بجواب قاسٍ مُمتلئٍ بالحقد و الكراهيه للشعب الكرديِّ بقولهِ : إنْ كانَ الأكرادُ إصبعي الوسطى لقطعتُها ، و تمَّ الاتفاقُ و أصيبَ الكردُ بنكسة سياسيةٍ ، مقابلَ بيع صدام حسين أرضَهُ و شرفَهُ لإيران .
و بعدها اشعلتْ نيرانُ ثورة أيلولَ في كافَّةِ المدن و المحافظات الكرديَّةِ من شرقها إلى غربها، و من جنوبها إلى شمالها ، و اتَّجهَ المُـلَّا مُصطفى البارزانيِّ ورفاقهُ إلى إيران ، و استشهدَ القائدُ عيسى سوار ، و سلَّمَ البيشمركةُ أحمد يوسف و مجموعةٌ من رفاقهِ المناضلينَ سلاحَهم ، و عادوا إلى بيوتهم في كردستانِ سوريا .
و ما زالَ يتنفَّسُ هواءَ الحُـــرِّيَّـــةِ من أفواهِ بندقيتهِ و شموخِ جمادانيته الحمراء و يفتخرُ بقولهِ المميَّزِ : كورد ، بارتي ، سروك بارزاني .
و أثناءَ أداء واجبهِ الوطني و النضالي تعرَّضَ البيشمركةُ أحمد يوسف إلى العديد من العقباتِ و الكثير من المشاكل من قِبَلِ النظام البعثي ؛ لأنهُ كانَ يحملُ في جعبتهِ الرسائلَ الخاصةَ و المهامَ الحزبيةَ ، و ذكرَ لنا أهمَّ الأحداثِ التي حدثتْ معه ، و هو يجاهدُ من أجلِ إيصال المهمةِ و تنفيذ الأوامر ، و من أهمّها : حيثُ قالَ المراسلُ أحمد يوسف ، و كانَ في ذاتَ يوم يحملُ الرسالةَ في جيبه ، فتعرَّضَ لكمين من نظام البعث ، و لم يبقَ أمامهُ خيارٌ سوى أن يبلعَ الرسالةَ و يأكلها مُجبراً ، و هذا ما فعلهُ بالذات ،
و قالَ أيضاً : كانَ في إحدى المراتِ يحملُ بندقيتَهُ على كتفهِ ، و سارَ على الدرب فوصلَ إلى مكانٍ مليء بالأفاعي ، و لم يكنْ باستطاعتهِ المرورَ ، و لم يصلْ إلى الطريقَ إلَّا بعدَ إطلاق النار على الأفاعي ليتخلَّصَ منها و يسلكَ دربه .
و قالَ أيضاً : أنهُ كانَ دائماً يضعُ الرسائلَ في أطراف ثيابه ، ثمَّ يخيطُها لكي يوصلَ المهمةَ بأمان ، و ما زالَ هناكَ الكثيرُ و الكثيرُ ممَّا لم نذكرهُ ؛ لأنَّ سيرتهُ مليئةٌ بالمغامرات السياسيةِ و التضحياتِ الوطنيةِ .
ما أعظمَ صلابةَ قلبكَ و قوَّةَ إيمانكَ ! فلتنحنِ لكَ الهامُ إجلالاً و تكرمةً ، و لتخشعْ لنضالِ تاريخكَ العريقِ ، و إيمانكَ الصادق كلُّ الأقلام الواعدةِ و الهاماتُ الصاعدةُ بكلّ إجلالٍ و تقدير . نعم إنهُ المراسلُ الحقيقي و البيشمركةُ المجاهدُ في زمن الجهاد الحقيقيِّ .
لكَ المجدُ و السلامُ يا مَنْ كانَ و سيبقى عاشقاً للوطن و حاملاً شعاعَ الأملِ من رسائلِ الولاءِ و الوئامِ في كردستانَ الأبيَّةِ .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…