ا . د . قاسم المندلاوي
تميزت فلسفة الكورد التربوية و الرياضية في العصور الغابرة ” بناء قوة جسدية عالية ” لمجابهة قسوة الحياة وصعوبة الظروف الطبيعية والمناخية و تغيراتها المفاجئة وكان لابد من تعليم الرماية و المبارزة والفروسية و الصيد والمجازفة بالحياة خلال تسلق و اجتياز الجبال الشامخة و الهضاب الوعرة بحثا عن الطعام تارة ومجابهة الاعداء في الاخرى، وكانوا يمارسون العاب رياضية ايضا خلال الطقوس الدينية و الاحتفالات الشعبية و الاعياد و حفلات الزواج وفي مناسبات اخرى ” 1 ” الفروسية و الرماية و المبارزة و الصيد كانت من التقاليد القديمة التي اهتموا بها منذ قديم الزمان و ان مثل هذه الالعاب تحتاج الى قوة بدنية ومهارة فنية عالية، مما دفع الكثير من المستشرقين الرحل الاجانب يطلق على الكورد ” فرسان الشرق ” 2 ” .
لقد اشتهر الكورد في المبارزة بالسيف و التي كانت تقام خلال الحفلات و المناسبات الخاصة و اشتهروا بالصيد وكانوا يذهبون الى الجبال بملابس خاصة لتسلق القمم العالية، وكانوا يمارسون تمارين الانبطاح و الجلوس و الزحف على الارض و المشي لمسافات طويلة وتمارين الجري السريع، لان الطبيعة و المناخ التي تتميزت بها جغرافية كوردستان قد منحت الكورد حالة خاصة من بين امم المنطقة حيث كانوا يتمتعون بالاستجابة السريعة للتحديات الطبيعة و المناخ و الاوضاع الحياتية و المعيشية و الاجتماعية الصعبة الذي ساد في كوردستان منذ اقدم العصور ” 3 ” و نظرا لموقع الكورد الجغرافي اهتموا ايضا الى تعليم فنون القتال واساليب الدفاع عن النفس و كيفية مواجهة الغزاة الاعداء الطامعين خلال الزحف عليهم، و في تلك الحقبة من تاريخهم اعتمدوا ايضا على قدراتهم الجسدية و الفنية في البناء والزراعة و تربية الحيوانات و غيرها ” 4 ” ولم يهمل قدماء الكورد التربية الخلقية و النفسية ” كالشجاعة و الجرئة و الارادة و الصبر و الاحترام و الاحسان و الانسانية ” يقول المستشرق الانكليزي هنري فيلد ” 5 ” البشرية الارية 1987 بيروت ” الاكراد يمتازون بالقوة الجسمانية و روح الصبر و المقاومة، وكانوا ذوي اخلاق وطبائع حسنة … ويتفق على ما جاء انفا كل من المستشرق ” دوخا نيكوف ” و ” دانيلوف في كتاب ” القبائل الكوردية ” يقول البريفسور” كارل استرانايا ” 6 ” لقد امتاز الشعب الكوردي منذ اقدم العصور التاريخية بالتفوق البدني وكانوا ابطال المنطقة ” اما بالنسبة للمؤرخ اليوناني الشهير ” كزينفون ” يذكر في كتابه المشهور” اناباس ” 401 ق. م ” عن شجاعة الكورد الخوريين او الكاردوخيين اي الاكراد الذين يعيشون في الجبال بانهم اناس شجعان اقوياء البنية لن يرضخوا لسلطة الملك ” كركس ” ولا لحكم الارمن .. ثم يصف هذا المؤرخ بالتفصيل الحرب التي خاضها معهم وهو على راس ” عشرة الاف ” جندي يوناني كان يقودهم في طريق العودة من بلاد الفارس عبر جبال كوردستان الى يونان وعندما شعر الاكراد بان عدد من مقاتلينا عبرواالنهر فانهم زحفوا الينا وهاجمونا وهم يغنون ” 7 ” و رغم الجبال الوعرة و الشاهقة و برودة الجو كان اعداد وتهيئة الجيش لدى ” الكاردوخيون ” ذات الطابع الجبلي، وكانوا يتدربون على الاقواس بطول ثلاثة اذرع وعلى نهايتها علامة ” + ” يضعون اقدامهم اليسرى اثناء استعمالها، وكان طول سهامهم ذراعين تخترق الدروع والقمصان المعدنية، و كانوا يتدربون ايضا على القلاع كسلاح، و دحرجة الصخور الثقيلة على العدو اثناء سيطرتهم على المواقع، و كانو يتدربون على الاناشيد و الاغاني عند الهجوم السريع وذلك لزيادة الحماس لدى المقاتلين ” 8 ” لقد اشار المؤرخ جوزيف كليما ” 9 ” كان للكورد نوع من الاعداد البدني الرياضي مرتبطة باسلوب الفروسية و المبارزة وفنون القتال و التي كانت من الامور المهمة عند ملوك الحكم الميدي وذلك لتربية الشباب على قساوة و مخاطر الحياة، اما الكبار فكانوا يمارسون صيد الحيوانات و يساهمون في حلقات الرقص خلال الحفلات الدينية و المناسبات الاخرى، فضلا عن التدريب على المشي وقطع المسافات الطويلة ” يقول الكاتب ” كاظم حيدر” 10 ” عن شجاعة الكورد وقدراتهم البدنية ” بانهم شعب متكبر مستقل رفض منذ فجر التاريخ الخضوع مدة طويلة لاي فاتح او اية دولة ” و يقول احمد فوزي ” 11 ” الكوردي الى كونه مقاتلا لا يهمل الحب، فهو غالبا ما يغني الاغنيات الغرامية و يتغزل كما انه يفني بحياته من اجل حبه ” هنالك ادلة كثيرة تثبت على قدسية ” الحب و الحياة العاطفية ” لدى الكورد منها على سبيل المثال قصة العاشقين ” فرهاد و شرين ” و خلاصة هذه القصة .. كان فرهاد بطل زمانه اتصف بالشجاعة و القوة العالية و كان يحب ” شرين ” الى درجة الجنون والموت من اجلها وكان من شروط الزواج بها، اخراج الماء من جبل ” بيستون ” الذي يبعد عن مدينة كرماشان حولي 30 كم، و بالفعل استطاع هذا البطل الشجاع حفر الجبل و اخراج الماء منه، ولكن قتل نفسه بمجرد سماعه بوفاة شرين، والى يومنا يتدفق الماء من هذا الجبل وهناك اغاني و قصائد جميلة من قبل المغنين و المغنيات و شعراء الكورد حول هذه القصة الحزينة .. عن سعيد ئاكام ” 12 ” كانت فلسفة التربية لدى قدماء الكورد شبيهة باليونانية والرومانية في كثير من الجوانب و المظاهر، واذا كان ” الاسبرطيون ” قد اباحو نوعا قاسيا من التربية البدنية والرياضية يجمع بين الملاكمة و المصارعة وهو اقرب الى الوحشية، اذ كان يسمح للمقاتلين ان يستخدموا اي وسيلة للتغلب على الخصم ولو ادى الامر الى قطع جزء من اجزاء الجسم، الكورد ايضا مارسوا العاب وفعاليات بدنية معقدة وصعبة خلال الفروسية و المبارزة و المصارعة والملاكمة و كانت تؤدي الى اصابات كبيرة وخطيرة وفي الكثير من الاحيان و الحالات الى فقدان الحياة، وهناك ايضا تشابه في الجوانب العاطفية والحب بين الرومان والكورد وعلى سبيل المثال فان اغنية الحصادين حول ” فرهاد و شرين ” تذكر الرحالة ” ريج ” بابيات من قصيدة ” تآس ” التي كان يغنيها البحارة البنادقة في زوارقهم .. و ” تآس ” هو الشاعر الغنائي و الحماسي الايطالي الذي نال من اضطهاد الكنيسة و عنتها وعذابها الشيء الكثير حتى مات وهو في حالة اشبه ما تكون بالمجنون .. وهناك تقارب واضح في وسائل اللهو بين الرومان و الكورد .. و يؤكد المستشرق الروسي ” مينورسكي ” مجلة كوران 1943 ” ان وسائل اللهو عند الكورد عدا الموسيقى و الرقص و نظرا لان بلاد الكورد كانت معرضة دوما لظروف طارئة , اخذت تستخدم الخيول لاغراض عسكرية و قتالية وايضا لاغراض التسلية، وقد اشتهر العشائر الكوردية التي كانت تقطن ” زاكروس ” بالفروسية و فنونها و بتربية الخيول .. و تشبه الخيول الكوردية الخيول العربية الا انها اصغر منها حجما و اكثر منها قوة بالمقابل ” و اشتهر الكورد بالصيد و خاصة في صيد الغزلان و الاسود و النمور البرية وغيرها ” ئاواز زه نكه نه وحمه سعيد كريم ” 13 ” ويعد الكورد بوجه عام فرسانا مهرة … و الرحاله الذين زاروا المناطق الكوردية التي تربى فيها الخيول لم يكفوا عن الاشادة بقدرة وكفاءة الكورد في الفروسية ” 14 ” وفي مراحل اخرى من حياتهم مارسوا الرياضة اما بهدف اكتساب قوة جسدية او لاجل التسلية وملئ اوقات الفراغ وكانت الاعداد البدني و الالعاب جزء مهما من نظام حياتهم كما ان الرقص الفولكلوري والموسيقى الجزء الاخر والمتمم للترويح النفسي وكانت الالعاب يتجسد في نفوس الكرد لانهم كانوا يمارسونها خلال المواسم و المناسبات الوطنية و الاعياد والافراح وغيرها .. لقد سلك الكورد طرق واساليب مختلفة بهدف تطوير المجال الرياضي الملائمة لبيئة ومناخ بلادهم كوردستان، وعلى مر العصور ارتبطة الرياضة في كوردستان بالهدف الانساني و الحضاري وخاصة اهميتها في اكتساب لياقة بدنية عالية كوسيلة لاعداد ” مقاتلين بيشمركة ” للدفاع عن كوردستان، فضلا عن ممارسة الرياضة لبناء لياقة عالية للفرق الرياضية للمشاركة في السباقات الرياضية .
المصادر و المراجع
1- قاسم المندلاوي ” مرة اخرى عن الحقائق الانسانية ” مجلة السياسة العالمية – 1969 براغ 2 – باسيل نيكيتين ” الاكراد ” 1975 بغداد 3 – قاسم المندلاوي ” مشاكل النمو الثقافي في العراق ” مجلة السياسة العالمية 1968 براغ 4 – بوهسلاف هروزني ” اقدم تاريخ اسيا الوسطى والهند والكريت 1949 براغ 5 – هنري فيلد ” معرفة الاجناس البشرية الارية ” 1987 بيروت 6 – كارل استرانايا ” تاريخ التربية البدنية ” 1962 براتسلافا 7 – عثمان شار بازيري ” كنز الاغاني الكردية ” 1985 بغداد 8 – مجلة المؤتمر العلمي العراقي ” جماعة الاكراد ” 1983 بغداد 9 – جوزيف كليما ” المجتمع والثقافة القديمة في ميزوبتاميا ” 1963 براغ 10- كاظم حيدر ” الاكراد من هم والى اين ؟ ” 1959 بيروت 11 – احمد فوزي ” التاريخ الكردي ” 1962 القاهرة 12 – سعيد ئاكام ” كورد له ميزووي دراوسيكايندا ” 1969 ” 13 – ئاواز زه نكه نه وحمه سعيد كريم ” الحياة الاجتماعية للاكراد ” 1980 بغداد 14 – محمد امين زكي ” تاريخ كرد وكردستان ” 1961 بغداد