عامودا الشهيدة

فدوى حسين

ارتديت ابتسامتي ككل صباح . أحمل حفنة من أمنيات، وباقات من أمل، في حقيبة قماشية،. واستقبلت وجه الحياة، أقايض الفرح بالحزن. حملتني الخطا هذه المرة نحو عامودا الغافية في حضن تلالها الثلاث( موزان,,، شرمولا،  جاغر بازار) الطريق الوحيدة السالكة إليها كانت عبر مقبرتها، حيث يقيم من سقطوا من شجرة الحياة . كان لا بدّ  من المرور بالموت لأصل إلى الحياة. وما أن وطأت قدماي المكان ! التفت حولي أرواح قاطنيها. أتعبهم طول أنتظار مروري، يسألون السكينة، إلا ستة منهم، اقتربوا ينشدون الأماني.
(سعد،  برزاني،  علي ،  أراس ، نادر،  شيخموس)  
عرفتكم أنتم من قتلتكم الحرية ؟!
لا نحن من قُتلنا لأجل الحرية !
طلبوا مني أمنية أحققها لهم.  أمنية واحدة جمعتهم. أرادوا العودة للحياة والموت بطريقة أخرى .
سألت سعدا: لما تريد العودة للحياة ؟!
رد قائلا :”أمي لا تزال تنتظر عودتي من المدرسة لم تصدق مقتلي، عيناها لا تزالان معلقتين بنهاية الطريق”. 
وأنت برزاني لما تريد العودة ؟هل اشتقت للحياة ؟!
“لا لكن أريد الموت بطريقة أخرى! فالرصاصة في رأسي تؤلم روحي حتى وهي مفارقة لجسدي .
دنا مني علي يرجوني الاستعجال بتحقيق أمنيته :”اطفالي لازالوا جياع بدون فطور ينتظرون عودتي برغيف الخبز الذي خرجت لإحضاره، 
قتلتني رصاصة من مئذنة يُكبر فيها اسم الله، تبكيني كلما أُذّن  للصلاة  فيها . أريد أن أحررها من شعورها بالذنب ، لأنها لم تمنع الرصاصات من اختراق روحي .
قاطعه نادر : وأنا أمي كانت تحلم برؤيتي أكبر أمامها ،وتفرح بي ككل الأمهات، يكفيها البكاء.
وأنا أتابع الاستماع ،إليهم ضج المكان بأرواح صغيرة، وبدأت تقترب مني،  تحوطني، أرواح أطفال محترقة مشوهة، أطفال ! أطفال كثر تئن، تصرخ، تبكي، تستغيث، وتتجه نحوي كسيل جارف .!!!
من أنتم؟  ما أين أتيتم؟! ..أجل أنتم من أحرقتكم الثورة. 
لا نحن من حُرقنا لأننا كنا نشاهد فيلما عن الثورة، الخوف من الثورة أحرقنا، نريد العودة للحياة لنحرق من حرق روح الثورة فينا .النار لا تزال تشتعل في أرواحنا، الأموات يشتكون من رائحة شواء أجسادنا بينهم، نريد العودة للحياة، والموت بطريقة أخرى.
 واصلوا الاقتراب يمدون أياديهم الصغيرة نحو حقيبة الأماني ،يشدونها بكل قوة، مصرين على العودة . فانقطعت الحقيبة وتناثرت الأماني والآمال،  وأنا أركض صوب المدينة،  تتساقط ابتسامتي مني لأرتمي بحزني الذي قايضت به الفرح في حضن عامودا …عامودا الشهيدة الغافية في قلبي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيرين خليل خطيب

في أيِّ مجال إبداعي، أو أي حرفة تعتمد على الحس والموهبة، يظهر أشخاص يظنون أن بإمكانهم اقتحام هذا العالم لمجرد أنه يعجبهم أو أنهم يحلمون بالانتماء إليه. لكن الحقيقة المُرَّة التي مهما حاولنا تجميلها، هي أن بعض الطرق لا تُفتح لكل عابر، وأن بعض الفنون تحتاج إلى موهبة أصلية أو حد…

خالد بهلوي

اختُتمت الدورة الإلكترونية لتعليم كتابة سيناريو السينما الكردية، التي أُنجِزت بإشراف الدكتور جاسمي وزير سَرهَدي، البروفيسور في المسرح والسيناريو (الدراما الهوليوودية)، والمدرّس السابق في جامعة صلاح الدين في هولير، والحاصل على عدة جوائز دولية في كتابة السيناريو السينمائي.

قدّم الدكتور الدورة على مدى عشرة أسابيع، تناول فيها موضوع الدراماتورج وبنية القصة الدرامية، إضافة إلى محاور…

ا. د. قاسم المندلاوي

في هذه الحلقة نقدم للقارئ الكريم نبذة مختصرة عن فنانين آخرين، احدهم من غرب كوردستان، الفنان الشهيد يوسف جلبي، الذي تعرض الى ابشع اساليب الاضطهاد والتعذيب من قبل السلطات السورية الظالمة، وخاصة بعد سيطرة نظام البعث سدة الحكم عام 1966. فقد تعرض الكثير من المطربين والملحنين والشعراء الكورد في سوريا…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…