بيتها على النهر

كمال جمال بك


إلى نجمة ثانية يأخذني الفرح مع أصدقائي الذين أتواصل معهم محبة وإبداعا في فضاءات الأدب والفن والموسيقى. وأحس بغبطة كل نتاج جمالي حر كما لو أنه لي. 
ويكرمني بعضهم بمنشوراتهم قبل الطباعة في حوارات ثقة متبادلة ومسائل تقنية، ويشرفني بعضهم بإهداءاتهم الغالية.
” بيتها على النهر” واحدة من مجموعات جديدة وغزيرة للصديق الشاعر فواز قادري، أدخلت البهجة إلى قلبي حال هبوطها البريدي إلى السويد، من منبعها دار الدراويش للطباعة  والنشر في ألمانيا. فالكتب أصدقاء، والبيت والنهر يبعثان الدفء في النفوس والذكريات والمنافي البعيدة. والمتابع لما ينشره الشاعر في صفحته الشخصية في الفيس بوك، يلحظ المجرى الإنساني المتدفق بنصوص يومية، عفوية خبرها منذ بدايات تجربته خارج أطر المدرسة والتعليم، وتضفي مفردتا بيت ونهر المؤتلفتان مع حرف جر مكاني وضمير مرتبط بالبيت غشاوة مليحة على المعنى:
“خاتم عرسها نائم في الفرات” 
فاتحة أولى تليها إزاحة ستارة عن  الضمير في العنوان وفي النصوص المتسلسلة كقطوف منذ الصفحة الأولى حتى الصفحة 110:
“إلى سعاد:
يداها نهران يلتقيان ويصبان علي
أنا عطش مترحّل والصحراء أمامي 
عيناها واحتان حنونتان تلحقاني
خارج حساب الهزائم والذاكرة
وأنا على ذمة الرحيل والحب”
 موجة.. موجة تصير المرأة بيتا، تكبر مع العيش مدينة، تتوسع بالعشق مملكة. ومع انكشاف ستارة ثانية يصحو الشاعر مذعورا من كابوس النأي عن مدينته، فلا يجد إلا عتمة الغربة فيصرخ مقهوراً: ” بيتها ينام ويصحو على الفرات … مَن سحب النهر بعيدا عنه يا الله؟” ولأن السؤال مقفل بعجزه، ينثر أسئلته، ويعقد المقارنات بين بيتين وبين نهرين وبين مدينتين،  وتصبح القصيدة بيتا، والشارع خلوة للكتابة والشاعر مع النهر يدون أصدقاءه رفاق الخطوة الأولى وحلم الثورة المستمرة  وأضحياتها  والأمل بالحرية:
 
” خراب في خارطة النهر
خراب في سماء البيت
خراب في أعشاش الحمام
في الأجنحة والمدى
كسور في خط سير المطر
جنوح في دم الكلام
الشام أم الدير؟
الأموي أم الفرات؟
رصاص أم هلاهل؟
القصيدة أم ربطة خبز؟
المنفى المزين بالأضواء والسحر 
أم الحارات المتربة؟
الحب أم الكراهية؟
الرصاص أم زغاريد الولادة؟ 
فواز قادري من مواليد ديرالزور 1956 مقيم في ألمانيا. صدرت له منذ أوائل التسعينيات: وعول الدم، بصمات جديدة لأصابع المطر، لا يكفي الذي يكفي، نهر بضفة واحدة، لم تأت الطيور كما وعدتك، في الهواء الطلق، ثلاثية القيامة ثلاثة أجزاء، قيامة الدم السوري، أزهار القيامة، كتاب النشور، مزامير العشق والثورة، شرفات، أناشيد ميونيخ المؤجلة، مختارات شعرية إلى الألمانية، شاعر يقف في الشارع، آيات الحب العظمى، العالم يجلس على بابي، وله عشرات المخطوطات وبعضها تحت الطبع.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

لَيْسَ الاستبدادُ حادثةً عابرةً في تاريخِ البَشَرِ ، بَلْ بُنْيَة مُعَقَّدَة تَتكرَّر بأقنعةٍ مُختلفة ، وَتُغَيِّر لُغَتَهَا دُونَ أنْ تُغيِّر جَوْهَرَها . إنَّه مَرَضُ السُّلطةِ حِينَ تنفصلُ عَن الإنسانِ ، وَحِينَ يَتحوَّل الحُكْمُ مِنْ وَظيفةٍ لِخِدمةِ المُجتمعِ إلى آلَةٍ لإخضاعه .

بَيْنَ عبد الرَّحمن الكواكبي (…