لا أشبهني مع الدكتور أديب حسن محمد

كمال جمال بك

هجّرتنا الحرب ولم تفرقنا المنافي. بعد خمسة عاما وربما أكثر، التقيته خلال زيارتي بعضا من الأهل والأصدقاء في الإمارات، كما لو أننا تواعدنا البارحة، ذاك أن القلوب المحبة لا تكترث بالزمن، وجئنا لنستكمل حُسن حواراتنا، وطيب ذكرياتنا وجسارة نكاتنا، سخرية وموقفا وتمردا. 
الصديق الشاعر السوري الكردي أديب حسن محمد جمعتنا أجمل سوانح الحياة بين الجزيرة والفرات وبين شرفات دمشق الشام، عرفته إنسانا في الشعر والأدب والطب وفي المواقف العامة، وجريء الرأي في الدفاع عن المظلومين، وفي مواجهة الاستبداد والاحتلال والظلاميين. 
ولأن أجمل الهدايا مايتبادله الأصدقاء بينهم كتبهم، فقد حظيت بمجموعتين شعريتين هما ملك العراء( قصيدة) ولا أشبهني، ورواية الخزاف الطائش والتي امتدت زمنيا من 2014 إلى 2019 ومكانيا من القامشلي إلى دبي وأبو ظبي. وفي هذه المراجعة الأولية نقارب أجواء المجموعة التي حملت عنوان قصيدتها ” لا أشبه نفسي” وهي أطول قصيدة من حيث وحدتها، تتقدمها “طرقات على باب الحياة” مع اعتمادها أسلوب المقاطع بفاصل ثلاث نجمات، حيث يأخذ المقطع تشكيله من خلال الصفحات التي يفرد عليها:
“أنا والغادة الحسناءْ
يتامى الروح بالصدفهْ
نراود فتنةَ الأشياءْ
لنوقظ عاشقاً أغفى
فكلُّ حبيبةٍ بيتٌ 
وكلُّ قصيدةٍ منفى”
وجاء هذا المقطع أيضاً كتوقيع على الغلاف الأخير للمجموعة إلى جانب صورة الشاعر. 
ويشكل الشعر والقصيدة والقارئ بالنسبة إلى أديب حسن محمد مثلث اهتمام رئيسي، وليست مصادفة أن تكون الجملة المفتاحية في القصيدة  الأولى “خذ قلبي يا قارئ هذا الحزن وغنّ”  ثم يتبعها بقصيدة ذات شجن خاص ” كأن حياتك تعني سواك” وهي الأقرب من حيث الرؤيا إلى جوهر  معنى ” لا أشبهني”، وتبدأ ببث الشاعر شكواه للشعر، قبل أن تتأنسن القصيدة ولا تخيّب ظنه:
تقول القصيدة قبل الفناء:
أيا شاعري قد جعلت فداك
لماذا ارتداؤك ثوب الذهول
إذا ما استدار الأمام وراك
تهجّي البلاد لكي لا تموت،
عساك ترد الحياة.. عساك!
بشعرك خنت الحياة مرارا 
كأن حياتك تعني سواك”
ويواجه المرء في محن الحياة خيارات قد تودي بالنفس إلى التهلكة، معنويا أو ماديا، وتبقى آثارها هاجعة في مهب الغياب، مع اشتداد الفقد، واغتراب البيوت، وانطفاء النار في تنانير الأمهات والأمهات:     
  “كل الرفاق على يأسي هنا اجتمعوا
يا حادي اليأس خذ قلبي إذا رجعوا
كأسي تدل على ميثاق صحبتهم
وخمرة الكأس حرّاس إذا هجعوا
أقلّب الكأس في كفّي أسائلها:
بالله أنت زجاج الكأس أم وجع؟
في سبع وتسعين صفحة صادرة عن دار فضاءات في عمان الأردن، تتوزع اثنتا عشرة قصيدة موقعة بأسلوبي القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة، بنبرة غنائية شجية، وتتنوع في تركيبتها اللغوية والفنية والجمالية. أما في الفضاء الإنساني فتحضر الأم والعاشقة والأصدقاء والبيوت والحارة والمدينة مبثوثة في روح القصائد جميعها تلميحاً أو تصريحاً:     
“لحزني قصّة أُخرى
سأسردها لـ ” قامشلي”
فوشم غبارها في الروحْ
حنين الخلّ للخلّ
تدوم بعشقنا أبدا
دوام الشمس للظلّ”
أديب حسن محمد شاعر وكاتب وطبيب أسنان مواليد مدينة القامشلي 1971 صدرت له المجموعات الشعرية: إلى بعض أشيائي الفائزة بالمركز  الأول جائزة د. سعاد الصباح 1999، موتى من فرط الحياة الفائزة بجائزة البياتي 1999، ملك العراء، وثامنهم حزنهم، سبابة تشير إلى العدم، البرية كما شاءتها يداك، لا أشبهني، أسفل ومنتصف الحياة بالاشتراك مع محمد المطرود. ودراسة القصيدة الومضة بالاشتراك مع د. هايل الطالب. ورواية الخزاف الطائش. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أ. فازع دراوشة| فلسطين

المبيّض أو كما يلفظ باللهجة القروية الفلسطينية، ” المبيّظ”. والمبيض هذا كريم الذكر لا علاقة له قدّس الله سره بالبيض.

لم أره عمري، ولكن كنت في أوائل الابتدائية (الصف الاول والثاني) وكان يطرق سمعي هذا المسمى، علمت أنه حرفي ( صنايعي) يجوب القرى أو يكون له حانوت يمارس فيه حرفته. يجوب القرى، وربما…

مسلم عبدالله علي

بعد كل مناقشة في نادي المدى للقراءة في أربيل، اعتدنا أن نجلس مع الأصدقاء ونكمل الحديث، نفتح موضوعاً ونقفز إلى آخر، حتى يسرقنا الوقت من دون أن نشعر.

أحياناً يكون ما نتعلمه من هذه الأحاديث والتجارب الحياتية أكثر قيمة من مناقشة الكتب نفسها، لأن الكلام حين يخرج من واقع ملموس وتجربة…

أحمد جويل

طفل تاه في قلبي
يبحث عن أرجوحة
صنعت له أمه
هزازة من أكياس الخيش القديمة……
ومصاصة حليب فارغة
مدهونة بالأبيض
لتسكت جوعه بكذبة بيضاء
……………
شبل بعمر الورد
يخرج كل يوم …..
حاملا كتبه المدرسية
في كيس من النايلون
كان يجمع فيه سكاكرالعيد
ويحمل بيده الأخرى
علب الكبريت…..
يبيعها في الطريق
ليشتري قلم الرصاص
وربطة خبز لأمه الأرملة
………
شاب في مقتبل العمر
بدر جميل….
يترك المدارس ..
بحثا…

مكرمة العيسى

أنا من تلك القرية الصغيرة التي بالكاد تُرى كنقطة على خريطة. تلك النقطة، أحملها معي أينما ذهبت، أطويها في قلبي، وأتأمل تفاصيلها بحب عميق.

أومريك، النقطة في الخريطة، والكبيرة بأهلها وأصلها وعشيرتها. بناها الحاجي سليماني حسن العيسى، أحد أبرز وجهاء العشيرة، ويسكنها اليوم أحفاده وأبناء عمومته من آل أحمد العيسى.

ومن الشخصيات البارزة في مملكة أومريك،…