اجرى الحوار : نصر محمد – المانيا
نصوصه منسوجة من وحي خيال خصب وتجربة فريدة لا تعرف الاستقرار وتتجدد فيها الروح الشعرية بأستمرار . يمكن للقارئ
ان يعيش حالة الإغتراب والتنقل من لون شعري الى اخر . قصائده تخلق في داخلنا احساسنا بالرغبة الفارغة المفرطة . انه الشاعر فواز قادري
يعد الشاعر السوري فوز قادري ابن عامودا الذي فتح عينيه منذ طفولته في مدينة ديرالزور ليمضي فيها عقود سنواته الأولى، تنضج رؤاه ويتفتح وعيه ويتخذ موقفه الحياتي ليحوز على احترام جمهوره الواسع كأحد الأسماء الأكثر حضورا في ديرالزور وسوريا: إبداعا وموقفا ، وليكتب أول قصائده على ضفاف الخابور ويتعرف على كثيرين من أقرانه من شعراء الوطن وخارجه، ويحوز على احترامهم وتقديرهم، ثم يضطر بسبب الضغوط التي تمارس عليه للهجرة إلى خارج وطنه ويقيم في ميونخ ويكون أحد الأصوات البارزة لاسيما بعد أن أبدع عشرات المجموعات الشعرية التي طبع أكثرها وصدر عن دور نشر مهمة حيث تلقى قصيدته العناية والقراءة. حول تجارب ومحطات مهمة من حياته التقيناه في زيارة له إلى كولن ومن ثم إيسن وكان الحوارالتالي:
* لتكن البداية بتعريف القراء بكم وسرد أهم المحطات البارزة في مسيرتكم الأدبية ؟
لنبدأ من الطفولة ماذا عن طفولة فواز قادري؟
– طفولة الأحلام التي لا تتحق، الأعياد التي لاتفرح، الكدح المبكر لطفل ساحر صنع المعجزات من القهر والعوز.. شقاء بأشقى معانيه،
الشقاوات الحب العكاز أسقف مثقوبة تطل عل أجمل سماء، التقاط الأحرف من الحارات كالطيور.. كتابة الشعر بلا مدرسة، لا عصا المعلم ولا أسوار الدين.
* لو تحدثنا عن أهم محطات شبابكم؟
– استمراراً لشقاء الطفولة مع خيارات واعية؛ إلى جانب الشعر، العمل في حزب سري، رؤية العالم بألوانه المتعددة، الاصطفاف إلى جانب الخير والجمال والعدل، الوقوف ضد الطغاة والقتلة مع قضايا الإنسان وحريته بلا تردد مهما كان الثمن.
* بداية تشكل الوعي لديكم كيف بدأت؟
– كان لا بد لطفل مثلي، خرج من رحم الحارات الفقيرة إلى العمل، ولم يدخل المدرسة العادية، كما يجب ان يكون عادة، إنما دخل مدرس الحياة بمعناها الشامل والواسع، ومدرسة العمل هذه مدرسة الشحم والزيت، سجن الطفولة، قمع حريّة الصغير، وصلب جسده المليء بالحيوية والحركة، على أعمدة الملل والتثاؤب الموجع، مدرسة لم تعلمني القراءة فقط، أتاحت لي أن أقرأ بعض الشعر الجاهلي والتاريخ وحتى الشعر والأدب العالمي المترجم، هذا ما جعلني أتقدم خطوات على مجايلي من الأولاد. ساعدتني الصدفة في محل لصيانة الأجهزة الالكترونية، كان صاحب المحل “أحمد كرماني” رساماً مهتماً بالتمثيل وينتسب إلى: “نادي الفنون” الذي يظم مجموعة من المثقفين والفنانين في مدينة دير الزور، هذ ما أتاح لي أن أعرف عن الشعر والمسرح والفن بشكل عام ما لا يعرفه إلّا القليل ممن هم في عمري، وكنت أستعذب سماع حواراتهم وأصغي بكل حواسي لهذا العالم السحري الجديد!. فصرت مذهولاً بالكلام الذي انتشل روح الصغير من حبسها، كل اجتماع للمجموعة أو لقاء في محل الصيانة هذا، عيد وفرح، أجنحة ترفرف ووعي يتسع.
هذه بداية تشكل وعي الشاب الذي تعلّم القراءة من لا فتات الطريق، إلى أن سرقته جنيّة الشعر الفاتنة! وظنّ أنه يشارك بتغيّير العالم حتى يصبح كقصيدة حب!.
* من الشعراء الذين أثروا في تجربتكم؟
– في البدايات، جذبتني قصيدة التفعيلة، برموزها المعروفين: السيّاب، نازك، بلند، البياتي، عبد الصبور، الحجازي، نزار قباني يوسف الخال، أدونيس وبعض الشعراء اللبنانيين والسوريين، آلى آخره.
هذا قبل أن يتاح لي أن أقرأ قصيدة النثر، وهنا حصلت النقلة النوعية في تجربتي، بعد أن قرأت بحذر، أغلب شعراء قصيدة النثر المكتوبة بالعربية، من بول شاوول، إلى أدونيس، سليم بركات أنسي الحاج، وليس انتهاء سليمان عواد محمد الماغوط، رياض صالح الحسين. للأسف لم يتح لي أن أقرأ سوى القليل من شعراء المغرب العربي وشعراء الخليج، لا أستطيع أن أقول بشكل دقيق، بمن تأثرت من هؤلاء، ولكني أستطيع أن أقول: في بداياتي تأثرت بشعراء عالميين: “والت وايتمان” “يانيس ريتسوس” مع انبهاري بكثير من تجارب الشعر العالمي المترجم، على الأخص الشعر الفرنسي, وأكيد هناك الكثير من أسماء الشعراء الذين يستحقون الذكر.
* هل يمكن القول أن لفواز قادري مدرسته الشعرية؟
– أنا لا يمكنني أن أقول ذلك، ولكنني أنوّه بعد عشرين كتاباً مطبوعاً، والتي لم تقرأ ولم يكتب عنها الذي تستحق، هناك مشاريع كتابة عن منجزي، من نقاد وشعراء أحترم تجاربهم: “إبراهيم يوسف”د. خالد حسين”وآخرين، عشرون كتاباً تشكل أقل من الثلث، ثلثا منجزي الشعري مازال طي الحسرة! وهذا تصريحي الأول عن المخطوات النائمة.
* ماسر هذه الغزارة في نتاجاتكم منذ بدايات الثورة؟
– هذا حصل فعلاً، الثورة حلمي الدائم، كانت وما زالت، على “وزن الثورة الدائمة”* كأن هناك في روحي عشرات السدود، وجاء طوفان الثورة وحطمها، وصرت أكتب العيش: القصيدة هي الشاعر، والشاعر هو القصيدة (العيش أن تملأ حيزك الزمني والمكاني بمعناك) كأنني على بحيرة من الشعر تلتف حولي، أينما استدرت، غرفتُ حفنة من القصائد، بين موجة سائلة وأخرى هادرة، التي تحلق والتي تنهمر، ومنذ وقت أحاول أن أتوقف ولا أستطيع، عندي مشروع كتابة مختلفة.
* لماذا قصيدة النثر؟
– لأنها تشبهني.. حرية وحب، شوارع وبيوت، ناس وثورات، طيور وسماوات، قلق مزمن يتقاسمه الشاعر مع الخسائر، شتائم أنيقة تبلل وجه كل الطغاة بالبصاق، سهلة كقبلة أولى، شهوة عاشق خجول.. زفاف بمزامير شعبية، رقص في العرصات، شاعر ضال يستدلَ على نهر، يد تقطف النجوم وتوزعها على ليل البشر وعلى الأبد.
* ما رأيكم بقصيدتي التفعيلة والعمود ؟
– توقفت عن كتاب التفعيلة منذ زمن طويل، ولم أكتب القصيدة العامودية مطلقاً، وعليك أن تستنج يا عزيزي! لدي وجهة نظر قاسية، لا أريد أن أقولها لكل شاعر حرية اختيار الشكل الذي يكتب به!.
* كيف تتشكل القصيدة لدى فواز قادري . انفعال .عزلة . انكسار أم لحظات صفاء ؟
– لكل قصيدة زلزالها، أكتبه في كل الحالات التي ذكرت، هي قصيدة العيش عندي، قصيدة الزمن المائل، قصيد الأعمدة التي تحمل هواء، قصيدة الضجيج والزحام، قصيدة التوتر والهدير الداخلي، قصيدة الصفاء والسكينة، عزلة بأجراس توقظ الظلال من نومها..
هي بالمحصلة فوز القصيدة على الفناء المثابر.
* ماذا يعني لك الشعر في الوقت الراهن ؟ ماذا أعطاك ؟ وهل عبرت قصائدك عبر اعمالك الشعرية عن شخصيتك
وتجربتك ورؤيتك الإبداعية ؟
– كل شي، حياتي والأيام التي تعاندني.. حزني الآفل، حدودي التي تقفز من فوقها أرانب الخيال، قصيدة يداها فارغتان، وتخفي كنوزها في الشمس.
* صياغة الآداب لايأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات زمانية ومكانية . حدثنا عن ديوانك ( أناشيد ميونخ المؤجلة) كيف كتب وفي أي ظرف؟
– عشرين وهما حتى اكتشف الشاعر دين ميونيخ عليه، يستطيع الشاعر أن يعشق أكثر من مدينة في آن، هذا لا يبخس عشقه الأول، عشق آخر هذا يعني نهر يفتتح نهراً مع كل نفس، ليس هناك من ضرائر، علاقات حرة وأولاد شرعيون يتراكضون في الشارع، كتبت: “أناشيد ميونيخ المؤجلة” حتى أسجل دين الحب على الغياب.
* كيف ترى تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي ؟
ـ جميلة كل وسيلة لا تشبه العتمة وتقوم بايصال القصائد إلى مبتغاها.
* ماذا كنت ستغير من حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ؟
– لن أغير شيئاً، ولكني سأدل الولد الذي كنت، على أمكنة تتكرر فيها الفصول مرتين في العام الواحد.وفيها حصاد الحب وفيراً.
* هل يعيش الوطن داخل المبدع المغترب أم يعيش بأحلامه داخل وطنه ؟
– مرة هكذا ومرة أخرى بشكل آخر.
* العنوان عتبة النص كيف يكتشف فواز قادري عتباته النصية ؟
– يأتي في سياق القصيدة ويجد مكانه بنفسه ويجلس على العرش.
* قصيدة ( خراب في خارطة النهر ) من مجموعتك الشعرية
( بيتها على النهر )
تقول فيها :
خراب في خارطة النهر
خراب في سماء البيت
خراب في اعشاش الحمام
في الأجنحة والمدى
كسور في خط سير المطر
جنوح في دم الكلام .. الخ
لوتكمل لنا هذه القصيدة وتحدثنا بإيجاز عن مجموعتك الشعرية هذه ؟
– أترك لك حرية اختيار بقية القصيدة يا صديقي.
القصيدة الديوان هي قصيدة حبيبتي وقصيدة بيتها وقصيدة النهر الغيّار الذي أحبه كثيراً، والذي سرق خاتم عرسي ولم أزعل منه.
* من سهول دير الزور ، من ضفاف نهر الفرات العظيم..
إلى عمق القارة الأوربية العجوز ..
هل تتغير الاليات السردية، هل لكل مكان لغته الشعرية..؟
وكيف يتنفس الشاعر فواز قادري الغربة شعراً؟
– نعم تتغير، سيطرأ الكثير على لغة الشاعر، ستصبح أكثر ثراء وأكثر شاعرية.
* الشاعر فواز قادري كيف يقيم المسافة بين الشعر الكردي و الشعر العربي،؟ وإلى أية درجة يمكن للترجمة الأدبية أن تمارس دورها كجسر بين ضفتي لغتين جارتين دورها في نقل حقيقة الشعر؟ وهل تؤمن بترجمة الشعر؟
– للأسف أنا لا أملك الإجابة، للأسف مرة أخرى، لا أعرف إلّا العربية
ولكن أظن ينطبق على المسافة بين اللغتين، ما ينطبق على جميع اللغات.
ـ الترجمة توأمة الشعر بين لغتين، مهمة بقدر أهمية الشعر نفسه.
* دفعني فضولي أن أبحث قليلا بين أروقة صفحة الشاعر فواز قادري و أنا أتابع من هنا وهناك وجدت قصيدة بعنوان
( إلى سعاد )
يداها نهران يلتقيان ويصبان علي
انا عطش مترحل والصحراء أمامي
عيناها واحتانٍ حنونتان تلحقاني
خارج حساب الهزائم والذاكرة
وأنا على ذمة الرحيل والحب
حبذا لو تكمل لنا القصيدة وتحدثنا عن مناسبة هذه القصيدة ومتى كتبت ؟
– من الصعب أن أجيب على سؤالك الجميل هذا، بعد أن أكتب القصيدة، أنسى فعلا أنني كتبتها.
* كثيرون كتبوا الشعر . لكن هذا ليس، كافياً لولادة شاعر . من هو الشاعر برأي فواز القادري وهل يولد الإنسان شاعرا ؟
– الشاعر هو الذي يكتب الشعر ويعيش كشاعر، لا أظنه يولد شاعراً.
* الشاعر فواز قادري له مكانته وموقعه في الساحة الثقافية .
كيف يقرأ المشهد الثقافي في سوريا بشكل عام وفي دير الزور بشكل خاص ؟
– هذا السؤال يحتاج إلى لقاء آخر، هو ملتبس إلى درجة كبيرة، الطاغية محى المدن من الوجود، فمن الصعب الحديث عن مشاهد ثقافية، الأسهل الحديث عن مشاهد القبور
وأماكن دفن ضحايا المجازر!
أشكرك يا صديقي بالحديث عن مكانتي في الساحة الثقافية
ما زلنا نحتاج إلى الكثيرمن أرواح الحيّة حتى يستقيم أمر اهتمامنا بمن يستحق الاهتمام! مازلنا نستعير أدوات الطاغية بالتعبير عن من يستحق التقدير ولو بكلمة.
* الشاعر فواز قادري كثر الحديث وطال عن قصيدة النثر
ماهي رؤيتك للالتباس الحاصل في هذا المجال ؟ أم أن المثابرة على النهل من بحر الشعر تصنع شاعراً ؟
– هذا هو الأمر الطبيعي، إذا كان المقصود الكلام الكاشف المحفّز على معرفة ما يطرأ على قصيدة النثر.
* ماذا عن قصيدتك القادمة؟
– الصعب القول كيف يتكوّن الشاعر، أرى الاحتمالات مفتوحة، ما دمنا لا نعرف كيف يتكوّن.
* كلمة أخيرة تقولونها ؟
– الكثير من الجمال المحفّز في أسئلتك يا صديقي المبدع
أتعبتني وأخرجتني من كسلي.. تقدير ومحبة.
الكتب المنشورة:
1 _ وعول الدم
2 _ بصمات جديدة لأصابع المطر الكتابان طبعا في سورية
3 _ لا يكفي الذي يكفي. دار شمس.. مصر
4 _ نهر بضفة واحدة.. دار التلاقي. مصر
5 _ لم تأت الطيور كما وعدتكِ. دار الغاوون.. لبنان
6 _في الهواء الطلق. الغاوون لبنان
7 _قيامة الدم السوري. دار نون الأمارات
8 _ أزهار القيامة. دار الحضارة. مصر
9 _ كتاب النشور. الحضارة. مصر
10 _ مزامير العشق والثورة. دار الف ليلة وليلة مصر
11 _ شرفات. دار أوراق مصر
12 _ أناشيد ميونيخ المؤجلة دار الدراوياويش بلغاريا
13 _ مختارات شعرية. تفتّح قرنفل في ليل شعرها.
14 _ شاعر يقف في الشارع
15 _ آيات الحب العظمى
16 _العالم واقف على بابي
17 _ بيتها على النهر
18 _ شوق خفيف
19 _معجزات صغيرة
20 _أحد العصاة المبشرين بالجنة
21 _ قبل الحريق كانت الأشجار تثق بالمطر