غريب ملا زلال
سمكو أحمد فنان تشكيلي من كردستان العراق، شاءت الصدف أن يكون عمله في اليابان كمهندس و هناك درس الفن في معهد الفنون الجميلة بطوكيو عام 1998، و منذ ذلك التاريخ و هو عضو في مركز جالا الفني ( مجلس الإدارة اليابانية للفنون الدولية / اليابان و آسيا و افريقا و امريكا اللاتينية / ) الذي يضم في عضويته حسب قول سمكو أكثر من ( 600 ) فناناً و فنانة و من مختلف دول العالم، و في هذا المركز صالة خاصة أو جناح خاص بالفنانيين التشكيليين الكرد بإسم كردستان يتم العرض فيه سنوياً ما بين / 50 – 60 / عملاً للفنانين الكرد ذاتهم و يبدو أن لسمكو الدور الأكبر في ذلك، فهو المسؤول عن الإعتناء و الإختيار للأعمال الفنية من الشرق الأوسط و امريكا اللاتينية.
سمكو يبرز العلاقة ما بين اللوحة كعمل فني و البعد الرابع كفاعل يثير القول البصري عفوياً بوصفها لا كتقليص لزاوية النظر بل كإتصال معرفي منه ينبثق قواعد القراءة و التأويل و يرسي حالاته على حالات باتت مألوفة في إنتاج المعطيات الحسية التي تخص هويته و التي تتصل بفضاءاته ذات ملامح تدل على قدرته في إستشراف المجرد و المدهش من عوالم محشوة بالتاريخ و الألوان .
سمكو يأخذ على عاتقه دراسة مجموعة علامات قد تكون أبجدية حياة داخل حياة، فالوحدات اللونية عنده منطوقة بسلسلة من التجاورات تحكمها بدورها مجموعة علاقات تؤدي حتماً إلى تدعيم سياقاته بإعتبارها مضمون زمني مرتبط على نحو كبير ببداية و نهاية إدراكه لفضائه كواقعة بصرية يفترض قراءتها في اللحظة ذاتها، فرائحة إرسالياته حينها تكون متفاعلة جداً مع الأبعاد كلها / العمودية المرتبطة بألوان خاصة في زاويتها المنفرجة، المائلة الباردة التي تنتقل بنفس روحاني، الأفقية الحارة التي تجمع دلالات في حالتي السعادة و التعاسة، …..إلخ فهو وأقصد سمكو يمنح الصمت ألواناً قادرة على توليد حقول لا متناهية من الدلالات بإعتباره تعبير تشكيلي، و كلاماً لا ينتهي، فالتركيز على مشهده البصري يبدأ من الطواف في الحواف أولاً، ثم الإنعطاف نحو مركز العمل أو ما يسمى بؤرة العمل، و هنا يكون الإنفجار العذب الذي يجنح بدوره إلى الإرتباط بالممارسة الإنسانية بوصفها حالة إبداعية في حالتها القصوى .
سمكو يروي لنا حكايته البصرية بشغف زائد أشبه بشغف الجائع لطريدته، فيفتح قوسين من لون بينهما بياض عليه يروي حكايته البصرية تلك، حكاية فيها من الحزن و السجال الشيء الكثير، فيقدم نماذج بشرية لا تكفي آلاف المقالات الصحفية في رصدها و سردها، إلا أن سمكو يفعلها باللون و يلخصها بالبرتقالي و السر الذي يقف وراءه و هو يحصدنا، حكايته هي حكاية البسطاء على هذه الأرض، الصائمون عن الكلام و الهواء، فثمة مستحقات عليه، محفوظة في السجل الطويل، و هذا ما يدفعه لمراقبة الضوء و هو يتشظى في أسطحه فارضاً عليها الصياغة بتفاعلية زمكانية / روحية و بإنقياد نحو إنتاج المشهد ذاته للقبض على المجمرة التي ترتادها المغامرة و رموزها، فسمكو و بنبرة المتحمس للرغبة اللامتناهية ينتج أشكالاً من التعبيرية المختلفة ترتبط إلى حد كبير بحقول تيارات متعددة بتناقضاتها الكثيرة و المتغيرة، و يمكن القول في هذا الجانب بأن مستوى تكويناته بعناصرها المجردة قد تتحول إلى حامل لدلالاتها تسهل عليه تحديد البؤرة و رصد تموجاتها و هي تنتقل من دائرة ضيقة إلى تنويعات ممكنة، وفق إستراتجية تمليها عليه تلك الفرضيات التي تنتج عبر أنامله و يثير إهتمامه و إهتمامنا معاً و التي تستند على قيم جمالية يسعى جاهداً لتحقيقها أولاً و ترسيخها ثانياً، وفق إستراتجية قابلة للإشتغال عليها من خلال إستعمال عناصر منسجمة إجرائياً، متناظرة إنتقائياً، تبعاً لإستثمار المضامين و تجديدها، بل توليدها مع الإنحياز التام لمقولاته التي ستشكل منطق بناء لوحته / عمله، و عليها يعلق الكثير من محاوراته الصامتة .
سمكو لا يتجاهل مايجري حوله من خراب الإنسان و تدميره، فكل ما يجري هي سيريالية على نحو ما و هذا ما دفعه إلى التعبير عن ذلك بذات اللغة، بسيريالية تمس عمق العلاقة ما بين الإنسان و الإنسان، فلا يكتفي بإحصاء العلامات التي تتسرب من الذهن إلى بياض العمل بل ينتج تقابلات تفضي بالزمن المتحول في الجسد الفائض بالمعنى إلى جزيئات الحياة و هي عارية إلا من لحظة موتها و هذه قد تكون جوهر حكاية سمكو التي يمسك بها كواقعة دالة و التي سردها لنا و ما يزال .