الصحفية ناريمان شقورة| منصة الاستقلال الثقافية
يدٌ ظهرت عليها التجاعيد تحمل وردةً أطلَّت جذورها من بين الأصابع، ويخرج منها برعم زهرة. بينما يطل رأسها الوردي وهو يحمل رصاصةً مستعدةً للانطلاق، والخلفية جنودٌ مدجَّجون بالسلاح، قادمون من بعيد، تعلوهم سماء زرقاء.
إنها ليست تابلوه ولا لوحة فنية تستحق الدراسة، بل هي خلفية لرواية “الحياة كما ينبغي”، أحدث روايات الروائي الفلسطيني أحمد رفيق عوض. وبما أن الغلاف هو أول ما يقع عليه نظر القارئ، وهو ما قد يدفعك بعنوانه للقراءة أو التصفح السريع كخطوة أولى، فحُقَّ لنا وصفه، مع الإشارة إلى أن لوحة الغلاف للفنان الفلسطيني عماد أبو اشتية، والغلاف من تصميم الفنان والشاعر زهير أبو شايب.
وهذه العناصر القليلة الكثيرة لها في كل عين تفسير خاص، فقد توحي لك تلك اليد الجعداء بالتقدم بالسن وما دامت تحمل وردة فقد توحي بالتمسك بالأرض، وفي ذات الوقت تحمل رصاصة، ما قد يعزِّز أيضاً التشبُّث بالأرض والدفاع عنها، وقد تراها عينٌ أخرى يدَ المزارع الملتصق بالأرض. أما أولئك المدجَّجون بالسلاح فإنهم جنود الاحتلال الذين يبحثون في كل اتجاه عن أي حلم فلسطيني ليغتالوه أو يعتقلوه، أما السماء الزرقاء فهي إشارة الأمل.
أشجارٌ.. فصولٌ.. وإهداء
القندول، والزنزلخت، والدُّفلى، والبطم، والجرنك، والحور، والعبهر، والقيقب، والزعرور، والتبغ، وغيرها، كلها أسماء لنباتات اتخذ منها الروائي عناوين لفصوله، إلى جانب الأشجار المعروفة كالليمون، والصبّار، والبلوط والصنوبر، وكلها موجودة في فلسطين، حتى أن الإهداء كان موجهاً لأشجار البلاد وأهلها.
الرواية في سطور
ومما خصَّ به عوض “منصة الاستقلال الثقافية” حول الرواية، أنها “حكاية شاب فلسطيني ينفِّذ عملية مقاومة وتبدأ قوات الاحتلال بمطاردته فيختبئ في قرى جنين في محاولة للنجاة بالمعنى الوطني الكبير وليس الفردي، بالإضافة لتناول الرواية لشخصية أبي السعيد، وهو ضابط مخابرات إسرائيلي يعاني من عقد نفسية فردية وجماعية وينتهي به الأمر للانتحار، بينما ينتهي الأمر بالمطارد الفلسطيني بانطلاق الأمل والآفاق، لذلك تلخِّص الرواية فكرة الحرية والظلم والتاريخ ومآلاته، وهي أشبه بالعقدة البوليسية لكنها تتجاوز ذلك من خلال المعاني الكبرى: كالحياة والاشتباك للشعب الذي يريد الحياة والآخر الذي يحتله، ولأن منفذ العملية يختفي عن الأنظار؛ فتتوطد علاقته بالأرض والأشجار عوضاً عن البشر، بكل ما يعنيه الشجر من حماية وعطاء وحياة”.
وعن مفهومه للحياة أجاب عوض: الحياة دون كرامة أو حرية ليست بحياة، كما أن انعدام الأهداف أيضاً يُفقدنا الحياة، مشيراً أنها يجب أن تُعاش بالمعنى الحسّيّ بحيث تقوم على الانطلاق والحرية والسماء المفتوحة والأرض البِكْر والحياة الأسرية، مؤكداً على جمالها المستَمَدّ من الطبيعة والألوان والمعاني السامية، لافتاً إلى أن الحياة لا تخلو من المسؤولية، بل يجب أن تكون لتعطي للحياة معنى، فهي ليست فقط للمتعة التي تنتهي عادةً بالذنب.
الصحفية ناريمان شقورة والكاتب د. أحمد رفيق عوض
الاحتفاء بالرواية
وفي حفل إشهار الرواية، واحتضنته مساء أول من أمس، قاعة الجليل في متحف محمود درويش بمدينة رام الله، حيث حاوره الكاتب تحسين يقين، بمشاركة الكاتبين فراس حج محمد وأمير داوود، وسط حضور نخبوي ضم عدداً من الكتاب والمسؤولين ومحاضري الجامعات والطلّاب.
وأشار يقين إلى أن الكاتب في هذه الرواية التي تحمل العديد من الجماليات والرمزية قد جدَّد نفسه، مشيراً إلى تميز الكاتب روائياً حيث يكتب بنَفَس عالمي يجعلك توقظ حواسك الخمس عندما تقرأها، وتتحسَّس الطين وتشتم روائح الشجر، لافتاً إلى أن التاريخ جزءٌ من كتابات الروائي عوض، ومنوِّهاً إلى أن العنوان بحد ذاته مشوِّقٌ، وأن الرواية تشكل مقترحاً فكرياً وسياسيّاً ووطنياً، في إشارة إلى “انتفاضة السكاكين”، كما نوَّه يقين إلى أن الرواية تدحض روايات الاحتلال على أكثر من صعيد.
من جهته أكَّد الكاتب أمير داوود أن الرواية تشكل رافعة للحالة الوطنية، وتستهدف الشباب والفئات الأخرى، مشيراً إلى أنها تحيل إلى مكانين: كيف هي الآن، وكيف عليها أن تكون في هذا السياق الأدبي… وقال: “هي رواية تُعيد الاعتبار للشعار الوطني في الزمن الذي تحوَّل فيه المواطن إلى مفرط في الفردية وفي الهَمّ الذاتي، بالتالي تعيد الاعتبار للشهداء والمخيمات والجراح وللتفاصيل الوطنية التي كادت تذوب في الهموم اليومية الصغيرة”.
وفي نقاش لجزء آخر من الرواية، أكد داوود أنها تُقفل في مكان وتفتح في مكان آخر، مشدداً على الأهمية التي يراها فيها، كون الرواية تطرح فكرة “لا انتصار تام ولا هزيمة تامة”.
ومما وصف به داوود الرواية أنها “مشروع لغوي ذهني يجعلك تقرأ للنهاية”، وأنها امتداد لرواية الكاتب “في بلاد البحر”، مشيراً إلى أنها تنتمي لـ”أدب الطبيعة وأدب الرحلات، ما ينم على ثقافة الروائي بالطبيعة الفلسطينية الممتزجة بالخصوصية العاطفية”، لافتاً إلى “الحبكة الذكية التي استخدمها الكاتب”.
من ناحيته أكَّدَ الكاتب فراس حج محمد أن “موضوع الرواية مهم، وتنبع أهميته من اقتراحاتها الجمالية ومقولاتها السياسية”، لافتاً إلى أنها “مبنية على الوعي الجمالي والفني والسياسي، كون الكاتب محاضر جامعي في مجال العلوم السياسية”، مشيراً إلى أن هذه الرواية تُحيل إلى الكاتب الفرنسي لوك فيري الذي محور كتابه “أجمل قصة في تاريخ الفلسفة”، على هدف مهم وهو “الحياة كما ينبغي أن تعاش”، وقد وجد لها نظيرا في رواية د. عوض، مؤكداً أن “من أهم المقولات السياسية التي جاءت في الرواية: “نحن لا نقاوم من أجل أن نقاوم فقط، إذ لا بد من أن يكون هناك مكاسب سياسية”.
وتحدث حج محمد عن متلازمة ليما التي تجسدت في شخصية رجل المخابرات أبي السعيد الذي وقع في “غرام الضحية”، عبر حكاية ضابط المخابرات الإسرائيلي الذي أُغْرِمَ بحياة الفلسطينيين، بينما كان يطاردهم، بل وسمَّى ابنه باسم عربي (سلمان)، وأصبح يأكل طعاماً فلسطينياً، ويتحدث العربية، ويدخن النارجيلة، رغم أنه “عبد” للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، متحدثاً عن “عمق نفسيٍّ كبير تطرحه الرواية في أبطالها”.
وبعد مداخلات ضيوف النقاش أكَّدَ عوض للحضور ارتباطه بالأرض والأشجار، بسبب نشأته في أسرة تهتم بالأرض… وعن الأسماء في الرواية أكَّد أنها كانت تقفز إليه دون تخطيط منه رغم دلالاتها، مشيراً في سياق حديثه للحضور إلى أننا “نعيش حالة انعدام للخصوصية”، ما يعزِّز أهمية الحرية وإنهاء حالة الذل التي نعيشها في يومياتنا تحت الاحتلال.
من الجدير بالذكر أن رواية “الحياة كما ينبغي” صادرة عن الأهلية للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمّان، وللكاتب روايات: “العذراء والقرية”، و”قدرون”، و”مقامات العشاق التجار”، و”آخر القرن”، و”القرمطي”، و”بلاد البحر”، و”عكا والملوك”، و”الصوفي والقصر”.