أحمد مرعان
أتوجس ..أغرف من قاع القلب، أتودد إلى جدران الشرايين، أتفحص بقايا الأوردة حتى الشعرية منها لأغرف بقايا أحاسيس أختبأت منذ الطفولة في زوايا العتمة، خجلى من مواجهة الحنين، أو ربما خوفا من انفعالاتي بالترددات التي لم تتعود عليها صفاتي الجينية ..
بحثت في مكنونات الذات، غصتُ بالحنايا والتعرجات المخفية فلم أجد نفسي بعد ..
تعجبت !! أيعقل أن يتوه المرء عن سر ذاته ؟
أيعقل أن ينسى أو يتناسى، أم يتخبط بعشوائيات تاهت بها السبل عن بقايا أحلام تلاشت بين أنين وحنين، عن آهات رحلت بزفرة مع ريح مواتية من خريف العمر، و امتزجت ببقايا أتربة تناثرت فتعالت ثم هوت في صحراء لا حدود تتراءى لها، وتشابكت الخيوط ثم ضاعت بين شك ويقين ..
أرتشفت ما تبقى من حثالة في قاع الفنجان وشهقت آخر نفس من سيجارة السلوى في المكان ذاته، استطردت كل الأحلام، ولاحقت الأمنيات خطوة ..خطوة، مذ ذاك الزمان، فغفوت بصمتي. مغمض العينين. أستجر العمق من عشق أزلي راودني مذ كنت طفلا يلعب مع الصبيان،
، فلا ثمة شيء يستدلني سوى الضياع في غابة الضباع التي تنهش أحلام الود والوئام، في أن أعيش بأمان، في وطنٍ ضلت به ذاكرتي، وهي تبحث عن أبسط حقوق الإنسان ..
أن أغازل طفولتي ببراءتها أسوة ببقية الأوطان ..
أن أمارس هواياتي ضمن نشاطات الدعم والتأييد وأنميها بلا خوف وبلا مراقبة من رجالات الأمن والبوليس والوشاية، من قبل من كتاب التقارير الكيدية، كوني سمعت ثم قرأت عن عذابات الزنازين وسياط الجلادين وغضب السجّان ..
أن أمشي محتالا مختالا تحت يافطات سُطرت في كل مكان، ومناشير الدعوة للوطنية، وأعلم أن من كتبها بريء من العنوان، لا يبغي منها سوى إرضاء السلطة والسلطان، فيبيع بتبجحه أشلاء الأبرياء في كل مكان ..
مازال الخوف يعشش فينا. رغم البعد ورغم الإباحية وفق قوانين الزمان ..
ما نحن إلا نتاج أمة خُذلت، فتسيّد فيها الجهلاء، واستبيحت فيها دماء الأبرياء ..
تلعثمت فينا الكلمات وغاب عن خيالنا صورة السعداء، أصبحنا رهن الاعتقال أو ربما دريئة لرصاص قناص امتطى سقف البنايات، او مشروع شهادة للغم زرع في أسفل السيارات ..
محاكمنا تشبه البارات، القاضي فيها يتسكع متناولا جميع أنواع النبيذ والمسكرات، المحامون تحايلوا على من بجانبهم ووضعوا بكؤوسهم أقراص من المهدئات، الجمهور غارق في تمايله على العزف وصوت المغنيات ..
هل يرتجى من هكذا أجواء أن تأمن من شر الموبقات ..
في بلادي من لم يمت بالسيف مات بغيره، ربما من جوع ومن عطش ..
لا ..لا .. اليوم أصبحنا ننتظر الموت بالمُسيّرات ..
عجبا لأمة ضحكت على تخومها الأمم، ومازالت تؤمن بأحقيتها للعيش بأمان بين الحيتان ..
اختلطت الأوراق، تبدل القضاة، غاب المحامون، وما زلنا نئن تحت السياط إلى يوم يبعثون، لأننا أمة مضللة، ولا نملك المقدرات التي تؤهلنا لمستقبل آت بأمل جديد ..
دوما نكون وقود لمناقل الشواء، وغيرنا يلتهم اللحم من أسياخ الكباب ../ ..