ليلاس رسول
غزا الشيب شعري
معلنا فصل الشتاء
لتحل بعده سنوات من الخريف معلنة القحط و الوباء
ها قد حل علي الدهر
و الخريف لم يغادرني
وتلك الخيوط الذهبية
تحارب غزو البهاء
يعلن انتصاره
و يغزو الشيب شعري
معلنا حافة الفناء
تحولت الخصلات المضيئة
لخصلات من الحرير البيضاء
كبياض الثلج
تقدم له الولاء
بعدكل جبروت الخريف
تخفين
ماضنى في الوجد و
خيوط سراب
يحل الجفاف على رأسي
وسط خريف
طال البقاء
كأوراق من بقايا الدهر تتساقط اللآلئ واحدة تلو الأخرى
سارقة ابتسامتي الأخاذة
ليحل الجيف في أرضى
وتسرق الأزهار من
من حديقتي الخضراء
فتلك الوجنة الوردية
أصابها الجفاء
فرسم الدهر توقيعه
على وجهي
فها أنا بت لا أعرف نفسي
لقد خانتني قواي
كما خانني الأشقاء
و قبلها خانني الأقرباء
ها أنا وحيدة مثل شجرة على قارعة الطريق
لا أقوى على الحراك والثناء
وخان أصدقائي العهد وغادروا المكان
ليتخذ كل واحد منهم بيتا يضمهم من تراب وهالة جوفاء
وأنا مثل تلك الشجرة
لا أقوى على الحراك
لقد هرمت وباتت روحي تحوم حول الأنقاض.
أبحث بين الوجوه
عن أديم من الفتهم
أبحث عن وجوه
أولاد الحي على أمل اللقاء
لم أجد لهم أثرا في اي مكان
عندما اسمع
صوت الأطفال يلهون
أنظر نحو الباب
وكأني أنتظر
أولاد الحي ينادونني
لنلعب
وبعدها يتعارك الأقوياء
وأنا أخشى
من استنكار أبي
و حجبي عن الخروج
لأسترق اللحظات و ألتحق بقافلة الأصدقاء.
فها قد اجتمعت سيدات حينا
من جديد في سعادة وهناء
أمام الباب يحتسون
كأسا من الشاي
يلتهون بصحن البزر تصطك أسنانهم اللؤلؤية
بعضها ببعض
بسرعة كسرعة محرك
جموع القشور تتراقص مع النسمات في الهواء
فلا لسانهم يتوقف
ولا أسنانهم تتوقف
لتبدأ جلستهم المعتادة
يتحدثون عن السراء والضراء
يتحدثون عن جاراتهم
ليحلف الآخرون
بأنهن سوف يحفظن الأسرار في الخفاء
هيهات بعد أن ينتهي اللقاء لتركض صاحبة النميمة عند تلك الجارة وتخبرها عن كل ما دار
مضيفة كلاما لم يقل وما قيل في استيفاء
ويحدث بعدها قطيعة
بين الجارات
نسردها اليوم في حزن وبكاء
هيهات فقدمي أصبحت مثل العود المكسور لا أقوى
على الحراك وما هؤلاء
الأولاد ليسوا اولاد الحي
غادروا و معهم تلك الجارات ليلتحفوا بلحاف من تراب
ليبقى الباب موصدا
فلقد غادرني الأحبة
ليتركوني أعاني كتفاحة ملأها الدود
لقد امتلأ جسدي امراضا
ولا دواء
كما جسد جدتي رحمها الله
كانت تحسدنا على أكل الجوز فأسنانها
كان كأسنان رضيع
لتخبرنا بأننا من تراب
نجتمع حولها و نكسر الجوز بأسناننا الصلبة كصلابة الفولاذ
في سباق والتهاء
ونتفاخر بقوة تلك الأسنان
وسط اعتراض جدتي رحمها الله
بضحكات كانت تملأ الأجواء
كلام العجائز حكم
فأين كنت من تلك الحكم
فها أنا أعاتب نفسي بعد فوات الاوان
واللحظات مع الأقرباء
خانتني اللآلئ التي لا تخون بنصاعتها البيضاء
وأعلن الحداد بعد أن غاب الربيع لتحل علي أعوام من خريف بعتبته الصفراء
أهز نفسي كطفل رضيع أبحث بين أنقاض ذاكرتي عن شقاوة الأولاد هؤلاء
نلهو هنا
و نلعب هناك
بلعبة سبع حجار
لتنتهي أمسيات الليل بلعبة الغميضة لنبحث عن الأصدقاء
بعد أن ينتهي العداء
فها أنا أبحث عن أصدقائي بين الذكريات
قد خانتني الذاكرة و نسيت بعض تلك الأيام
أيام العز والإغراء
فالخرف مثل الخريف
مؤلم
أن تنسى الأشجار
تلك الأوراق المتساقطة كذاكرة خائنة تبخرت في الهواء
لينحي ظهري
كعكاز ملتو
تبجيلا لما فات
فأين لي بتلك الأيام
ونحن نتحدى بعضنا
من ينحني وتلمس يده قدميه
فها أنا اليوم
يلمس فكي الأرض لقد تكسر ظهري من الانحناء .
ما كان الانحناء طبعي لكن عصا الدهر أعوج
وحكم الزمن خائن فلامهرب منه غير الرثاء…