أحمد اسماعيل اسماعيل
ولدي نزار
اشتقت إليك كثيراً يا حبيبي، لقد طال غيابك عني، حتى بت أحس أنني فقدتك منذ زمن بعيد جداً، مذ كنت صغيراً، لا قبل ست سنوات، وكم أخشى أن أموت يوماً فجأة دون أراك، وألا يكون وجهك الحبيب هو آخر ما يقع عليه نظري، لقد هرمت أمك يا ولدي، وبدأ المرض ينتشر في كل أنحاء جسمها، وبملاك الموت يحوم حولها، وكم أخشى أن يختطف روحي قبل أن ترتوي بمشاهدتك.
أنا عاتبة عليك يا ولدي، وحزينة، وأريد أن أعرف سبب تبدلك المفاجئ، من إطلالة بوجه ضاحك وتحية وتقبيل يدي كلما عدت من عملك إلى صمت ووجه حزين، ستقول لي إن ذلك كان في الواقع والآن أنت تحلمين، وما ترينه مجرد حلم في منام كما يقول لي أخوك. أعرف أنه حلم، ولكن لماذا تختفي فيه بلمح البصر، ما إن تظهر حتى تتلاشى مثل طيف وتتركني أنهض مفزوعة وأنا أناديك وأبكي.
نزارو.
أيها الولد الحبيب، أنت تعلم كم قاسيت من حرمان بعد أن رحل عنا والدك باكراً وقد ترك في عهدتي، أنا الأرملة الصغيرة السن، والوحيدة بلا سند ولا معيل، أربعة أطفال: أنت وأخوك الكبير وأختاك، فلماذا أعدتني بغيابك إلى تلك الأيام، وتزيد في همي بظهورك في الحلم وأنت كسير القلب مثل يتيم جائع؟ ألا يكفي ما قاسيته من أجلكم. هل تريد أن أعيد عليك رواية قصة حياتي التعسة؟ هل أذكر لك أيام الحرمان والفقر والخوف في ليالي الشتاء عندما كنا وحيدين بلا رجل ولا معيل، كي يرق قلبك لحالي.
تباً لي، لقد عدت للشكوى مرة أخرى، لا تنزعج من أمك يا فلذة كبدي، فهذه عادة النساء اللواتي يترملن وهن صغيرات السن، ولكن، لتعلم أيها الحبيب، أن كل تلك المعاناة التي ذقت مرارتها، قد بدأت تزول حين تزوجتم جميعاً.
حينها قلت لنفسي: آن لك يا زبيدة أن تستريحي، وأن تنتظري بفرح قدوم الأحفاد. فلا شيء يدوم، حتى الحرمان. رغم أنه افترس من عمري أجمل مراحله.
لولا ما حدث لك في تلك الليلة من خريف سنة 2012 والذي أعاد تلك العذابات دفعة واحدة، وكسر ظهري أنا المرأة العجوز.
لن أنسى تلك الليلة المشؤومة ما حييت، وكيف أفعل ولم يعد في ذاكرتي شيء سواها!
في ذلك اليوم، وعندما لاحظت جنوح الشمس نحو المغيب، ولما تأت، سألت زوجتك وأخاك عن سبب هذا التأخير غير المعتاد، فسخروا مني قائلين: سيأتي الرضيع الكبير، إن مكان عمله بعيد عن حينا، وأزمة المرور في دمشق خانقة، وخاصة في أوقات نهاية الدوام، اطمئني، لن يفوته وقت الرضاعة.
وغابت الشمس، وحلّ المساء ولما تأت، كانت تلك المرة الأولى التي تغيب فيها عن البيت إلى وقت متأخر من الليل. بدأت أذرع أرض الغرفة الضيقة جيئة وذهاباً، وكذلك باحة الدار الصغيرة، ووجدتني أخرج إلى الشارع وأنتظر قدومك أمام باب الدار، بعد أن ملوا من إلحاحي عليهم ليتصلوا بك ويطمئنوا عليك.
غير أن القلق لم يكف، وأنا أمام باب الدار، عن نهش روحي، فعدت إلى الداخل، وطلبت من الجميع، أخيك وأختيك وزوجتك. أن يتصلوا معك فوراً بالهاتف المحمول، وإلا سأذهب بمفردي إلى محل عملك في بلدية اليرموك، فأخرج أخوك هاتفه وطلب رقمك، فلم يتلق جواباً، وأخرجت زوجتك هاتفها هي أيضاً وطلبت رقمك ولكن لا جواب.
حينها تبدلت وجوه الجميع واكتست بصفرة ذابلة، ودارت النظرات في العيون بحيرة وخوف، وقرر أخوك مغادرة البيت للبحث عنك.
لحقت به إلى باب الدار راجية منه أن يصحبني معه، فالتفت نحوي بوجه علته تعابير غريبة وصاح بصوت مخنوق:
“إلى أين سأصحبك، هذه دمشق يا أمي وليست قامشليتك الصغيرة”
ورمى نفسه في ليل الشارع بعد أن صفق الباب خلفه، وقد تركني خلفه مثل شجرة فاجأتها الريح والنار. فأطلقت صوتي مستغيثة بالله:
نزارووو.
وجهت لي أختاك كلمات التوبيخ، ووصفتا صراخي بالفأل السيء، وأكدتا لي أنك رجل وليس طفلاً، ولو حدث لك مكروه، لا سمح الله، فإن المشفى ستستعمل هاتفك وتتصل بنا. فقد تكون في مبنى البلدية، تؤدي واجب حراسة المبنى حتى الصباح، رفقة موظف آخر مثله، كما فعلت الحكومة في قامشلي بعض انتفاضة آذار، فالأوضاع في البلد بعد هذه الأزمة والثورة لم تعد كالسابق.
مضى وقت غير قصير على خروج أخيك للبحث عنك، وكانت الساعة التي ثبتها في الجدار قبل زمن، والتي كانت عقاربها تسير عكس سير حركاتك، كما كنت تقول دائماً، تقترب من الثانية عشرة. انتصف الليل وكاد أن ينقضي ولم يعد أخوك، كنت خلال ذلك الوقت لا أكف عن الطلب من الجميع الاتصال به، وكانت الواحدة من نساء البيت ما إن تتصل به وتبدأ بالحديث حتى تنطلق نحو المطبخ، لتكمل حديثها هناك، وبصوت أقرب إلى الدمدمة!! ثم تعود بعد دقائق إلى الغرفة وقد رسمت على وجهها تعبيرا مشوشا. لا حزن فيه ولا فرح. لتجيب على نظراتي المتسائلة: “هاتف كومان لا يرد. الخط مشغول. لا يزال يبحث عنه.”
أخبرني قلبي أنهن يكذبن، وقلبي الأم لا يكذب، فتحينت الفرصة ولحقت بزوجتك وهي في المطبخ تتحدث مع أخيك وانتشلت الهاتف من يدها، فسمعته يقول لها:
“لقد تم اعتقال نزار اليوم، وذلك حين كان في جولة اعتيادية على المحال في المخيم. فتم القبض عليه وهو في محل صادف فيه جمع من الرجال، يبدو أنهم من المعارضين أو المسلحين، ولكن احذري أن تخبري أمي”
حينها أطلقت صرخة قوية وانطلقت نحو الشارع. فتحت باب الدار الذي كان قد كتم أنفاسي، وانطلقت في عتمة الشارع الخالي من المارة، متجهة صوب مخرج الحي، وكدت أسقط وأتدحرج إلى الأسفل وأنا أهبط درج شارعنا اللعين، الذي يبعث الخوف في قلبي كلما خرجت إليه، ولا أعرف من أعادني حينها إلى الداخل.
جاء أخوك بعد حوالي ساعة ورجاني أن أكف عن البكاء، فأنا مريضة، وقد يضاعف هذا الحزن من مرضي. ووعدني أن يسعى غداً صباحاً إلى الإفراج عنك. بالقانون أو بالوساطة. أو حتى بالرشوة. وبأنه سيدفع كل ما يملك ونملك من أجل الإفراج عنك. فنحن في بلد المال فيه مفتاح سحري لكل قفل.
وطلع الصبح بعد أن تابعت زوال الليل لحظة بلحظة، وكانت كل لحظة منه أطول من سنة، كنت خلالها لصق النافذة المطلة على الشارع، أنتظرك وطلوع الصباح معاً، متمنية أن تكون السبّاق في الوصول إلينا، ولكنك لم تأت، وطلع الصبح، وما إن شاهدت أولى تباشير الفجر وهي تبدد عتمة الليل، حتى هرعت إلى فراش أخيك وأيقظته، والذي بات عندنا، ليس في تلك الليلة فقط، بل وفي ليال كثيرة بعدها، تاركاً عائلته وحدها، في حي آخر بعيد عنا. رجوته أن يذهب على عجل إلى السجن ويطلب من المسؤولين هناك الإفراج عنك. ويخبرهم أن أمك ستموت لو لم تعد إلى بيتك وتنام بين أولادك، فهي امرأة مريضة وأرملة، وليس لها معيل سواك.
وخرج أخوك كما طلبت منه، دون أن يتناول لقمة واحدة من طعام الإفطار، على غير عادته منذ الصغر، قد لا تعرف مقدار حب أخيك لك يا بني، صحيح أنكما كنتما تختلفان كثيراً، وفي كل شيء، ولكنك لو وجدته أمس وهو عائد وعيونه مليئة بالدموع لعرفت مدى حبه لك.
في الهزيع الأخير من ليل ذلك اليوم عاد أخوك وقال لي، لقد وجدت من يتوسط لنزار لدى السلطات، ووعدني الرجل خيراً. قال لي ذلك وهو حزين، فطلبت منه أن يقسم على صدق ما يقوله، ففعل، وأقسم بكل مقدس.
ومضى يوم ويومان ثم أسبوع وشهر.. ولما تأت. وها قد مضى على غيابك أكثر من ست سنوات وأنت غائب عنا. كنت خلال تلك السنوات أجلس أمام باب الدار منذ طلوع الصباح وحتى بعد مغيب الشمس، امرأة وحيدة تجلس أمام باب الدار، وعلى خلاف العادة هنا، في ركن الدين، كما كن نفعل نحن النساء في قامشلي.. ولكن تباً للعادات التي تمنع أماً من انتظار ابنها.
ما من مرة رن جرس الباب إلا وكنت أنا أول من يهرع إلى فتحه، رغم الروماتيزم الذي استوطن في كل مفاصلي، وفي الطريق إلى الباب لا أكف عن الدعاء أن تكون أنت الطارق، وأستحضر كل أولياء الله ليمدوا يد المساعدة لك، وأنا أتخيل وقوفك أمامي في مدخل الباب تضحك وتقول لي كعادتك:
“أنا جائع يا أمي وتعبان، ولن أدخل البيت قبل أن أعرف نوع الطعام؟”
قبل أيام جاء مراقب عداد الكهرباء، وبينما كان ينظر إلى عداد الكهرباء المثبت في فناء الدار، حدثته عنك، هكذا وبلا مناسبة، قلت له إن ابني بريء، ولا علاقة له بالمسلحين، ولا حتى بالسياسة، ورغم ذلك اعتقلوه، كنت أعرف أنه موظف في مؤسسة الكهرباء وليس ضابطاً، ولكن جارتنا أكدت لي أن أغلب الموظفين في هذه الأيام يعملون لصالح المخابرات. فاحذري أن تنزلق من فمك كلمة عن السيد الرئيس والثورة في البلد. فعلت ذلك عامدة لعله يخبر الكبار في الدولة بالحقيقة.
غير أن الرجل نظر إليّ بإشفاق وقال: “الله كبير يا خالة”، وخرج بسرعة دون أن يضيف كلمة واحدة. وكأني أنا عنصر المخابرات لا هو!
ست سنوات وشهران وثلاثة أيام وأنت غائب عن أمك، كنت فيها دائماً أمامي بوجهك الجميل وجسدك النحيل، وكم مرة ظهرت لي مثل ملاك، فهرعت نحوك وضممتك إلى صدري وبكيت، لأكتشف بعدها أنني كنت أحلم. وأن من عانقته لم يكن سوى زوجتك أو أحد أولادك. شممت رائحتك فيهم فظننت أنهم أنت.
أخبرني يا بني عن حالك في السجن، قل لي كل شيء، أريد ان أعرف كيف تنام وماذا تأكل ومن معك في الزنزانة، وهل المعتقلون معك كثر، هل هم أناس أشرار، أم أنهم طيبون مثلك؟
ثم هل تستحم كل يوم، كما كنت تفعل حين تعود من العمل؟ وماذا عن طعامك، هل تأكل جيداً؟
كلْ يا ولدي، ولا تفكر في أولادك، إنهم بخير، ولا ينقصهم سوى مشاهدتك. على سيرة المشاهدة. هل تعرف ماذا نفعل أنا وأولادك في كل يوم؟ لن تصدق ما سأقوله لك.
اعتدت منذ تلك الليلة المشؤومة على الجلوس يومياً أمام باب الدار، ليس من أجل الترويح عن النفس، تباً للنفس وراحتها وأنت بعيد عني، بل بانتظار قدومك. أجلس هناك وأنا أنظر إلى الطريق الوحيد المؤدي إلى البلد، وأراقب الرائح فيه من الرجال والقادم منهم، وبعد أيام انضم إليّ ولداك: الشقي شيرو والمسكينة روسيم.
لنتابع سوية، ومنذ الصباح وحتى مغيب الشمس، كل قادم نحونا من بعيد، ونتسابق في طرح التوقعات:
-إنه بابا.
– لا. بابا طويل وهذا قصير.
-إنه يمشي مثل بابا.
– بابا لا يكثر من حركات يديه حين يصعد درج الشارع.
– بل يفعل يا ولدي. وخاصة حين يكون في حالة تعب، فموقع بيتنا عال في هذا الحي الجبلي.
وحين يقترب الرجل ويتجاوزنا متجهاً نحو بيته وهو يلهث. نعيد الكرة مرة أخرى بالنظر إلى أسفل الشارع. وتبدأ التخمينات:
-إنه بابا.
-لا. إنه جارنا، إنه أبو رفيقتي سمر. ثم إن بابا لا يعود إلى البيت بيدين فارغتين مثل جارنا.
– اصمتا قليلاً ودعاني أدقق النظر، فالقادم يشبه نزاري في مشيته.
ومرة أخرى يخيب ظننا. حتى تغيب الشمس ويهبط الظلام. لنكرر ذلك في اليوم التالي ثم التالي.
ليس هذا فقط، فلقد بدأ الأولاد كلهم، حتى زوجتك، بالتسابق إلى فتح الباب كلما تناهى إليهم قرع الجرس، وكم من مرة تعثرت بهم وسقطت وأنا أسابقهم إلى الباب. حتى أصبح ذلك مبعث ضحك لهم.
انتظار سماع صوتك وأنت تناديني كما كنت تفعل حين تدخل:
“يادي، زبيدة خانم، أين أنت؟” أصبح يتردد في أذني صباح مساء، حتى أصبحت ألتفت حولي دائماً وأنا أتوقع أن أجدك خلفي.
يا ويلي! لقد سمعت من يقول إن بعض السجون عندنا أشبه بحياة البرزخ في القبور، عذاب فظيع لا يمكن لبني آدم تحمله، وذكروا أسماء بعض هذه السجون: سجن تدمر وسجن فلسطين وغيرهما. وقالوا إن المعتقل فيها يتلقى الضرب المبرح، حتى أثناء تناول الطعام، أو عندما يكون نائماً، سألت أخاك عن اسم السجن الذي أنت فيه، فقال إنك في سجن آخر مريح. لأنك لست من المسلحين.
لا شك أنهم يسمحون لك بتناول دواءك وكذلك طعامك دون إزعاج، وحتى التدخين، فأنت مدخن شره، وانقطاع التدخين عنك يجعل منك رجلاً آخر، عصبياً ومتوتراً، ليتك تقلع عنه يا ولدي، فقد كنت في الآونة الأخيرة تسعل في الليل كثيراً، أما زلت تسعل؟
أنت رجل مسالم ولم يسبق لك أن ضربت حتى أطفالك، وكيف تفعل ذلك وأنا لم أوجه لك صفعة واحدة في حياتي. ولعل الله يكافئك على حسن خلقك، ويمنع السجان عن توجيه الضرب لك، وأنا أدعو لك ليل نهار، ولا بد أن يستجيب الله لدعائي، أنا الأرملة والأم المفجوعة، ألم يقال إن الله يكافئ أم اليتامى بالجنة بلا حساب.
أنا لا أريد الجنة، ليعوضني بك عنها وهذا يكفي، وأن يحميك من أولاد الحرام هناك أيضاً.
بالمناسبة، هل تعلم أن ولدك شيرو قرر أن يصبح محامياً في المستقبل، لقد كبر الشقي والتحق بالمدرسة وهو الآن في الصف الأول، يقول إنه سيدافع عنك وعن زوجي أختيك اللذين تم اعتقالهما بعدك بزمن قصير. لقد دخل المسكينان السجن وترك كل واحد منهما دستة أطفال خلفه، قيل إن السبب هو مشاركتهما في المظاهرات.
ولدي الحبيب.
سأصارحك للمرة الأول، لم أعد أشكو من ضيق البيت، كما كنت أفعل سابقاً، وأقارنه ببيوتنا ذات الأحواش الواسعة، هل تعرف لماذا، لأنني أشعر أنني معك، وأنني أتنفس الهواء نفسه الذي تستنشق، وأحس حتى بنبضات قلبك.
نزار الغالي،
هل طلبت يوماً من سجانك أن يسمح لي بزيارتك، أو أن يسمح لك بزيارتنا ولو لساعة واحدة. قل له أمي تقرئك السلام أيها السجان المحترم وترجو أن تسمح لي بزيارتها، فهي مريضة وتكاد تفقد عقلها بسبب غيابي الطويل عن البيت. قل ولا تخجل يا بني، أنت اليوم رجل وأب، ولم يعد الخجل يناسبك كما كنت في صغرك، ويقيناً لو استجاب لطلبي فسأحمل له هدية: “الباستيق” من الجزيرة، أنت تعرف طعمه اللذيذ، الشرائح الرقيقة منه والمحشوة بالجوز، وقل له ليس هذا فقط، بل ستصنع لك أمي “الكُتلك” قد لا يعرف ما هو هذا الصنف من الطعام، وكم هو لذيذ، ولكن حين يتناوله ويذوق طعمه، فلن يكف عن طلبه، وقد يرسلك إلى البيت من أجله، كما كان يفعل معلمك في الجيش حين كان يرسلك كل شهر في إجازة من أجل أن تحمل له الجبن والصوف، هل تذكر ذلك؟ سأفعل ذلك يا ولدي، سأصنع له أطعمة كردية كثيرة، وسيحبها، وقد يطلق سراحك، من يدري، فالطريق إلى قلب الرجل معدته.
اسمع يا ولدي، إن حدث ورفض هذا السجان طلبك ولم يستجب لرجائي، فاطلب منه عنوان والدته، لا بد أن يكون لديه أم، صحيح أنه سجان، ولكن السجان أيضاً إنسان مثلنا، ولكل إنسان أم، وسأزور أمه وأرجوها أن تحدث ابنها بشأنك، وستفعل، لأنها أم، إذ إن كل الأمهات طيبات، حتى لو كن من جنس الثعابين.
وحين أبلغها عن خشيتي من أن أولادك يكبرون بعيداً عنك، وقد ينسون شكلك يوماً. وإنني أنا الأرملة، العجوز والمريضة، التي أفنت عمرها من أجل أولادها، أخشى أن أموت قبل أن أراك، فسيرق قلبها لحالي، وخشية من انتقام السماء من ابنها إن هو لم يفعل لك شيئاً،
سترجو هذه الأم ابنها، وتطلب منه ألا يكسر خاطر أم مثلها، وقد يفعل، حينها لن يمسك بسوء، وقد يطلق سراحك، حباً بأمه.
ولكن ما أخشاه يا ولدي أن يكون ابنها عاقا لها، فثمة أولاد عاقون، فهو سجان؟
نزار
ولدي الحبيب. لقد اشتقت إليك كثيراً، لا تنقطع عن زيارة أمك حتى لو جاءت الزيارة في الحلم، وحين تأتي، أرجوك كن كما كنت دائماً: حنوناً ومرحاً، ولا تعبس في وجهي وتتألم.
أمك 2018
مجلة الجديد اللندنية اكتوبر 2022
الرابط