حوار مع الشاعرة السورية المغتربة منى محمد

اجرى الحوار: نصر محمد / المانيا 
( تبحث عن روحها العذراء في بساتين الخيال لتتفيأ تحت شجرة العشق وتنعم بدفء شمس الوطن بعد سنوات الجمر، والغياب التي اتعبتها إلى حد الوجع، تشتاق إلى قهوة امها على شرفات الإنتظار كل صباح علها تعود يوماً ما ). 
( اتخذت عش غرامها فوق زحل تراقص قوافي الحب لتكون وشما على كتف الزمن، تحمل قمراً أخضر يضيء في كل الميادين بإنتظار لقاء مؤجل .) 
( الشعر بين يديها زنبقة راقصة تبحث عن محبين يسكنون الألم والأمل، ترسم لهم صورة جديدة تنبعث منها سحائب العطاء). 
( اعتلت قمة الذات، ولم تتعال عن الأشياء، وجعلت منها كائنات حية تخاطبها وترافقها، وتعلو بها ومعها.. إنسانة حركت السكون بلغة الصمت) 
( هادئة في طبعها حالمة، شقت طريقها إلى عالم الكتابة والأدب بخطى ثابته ) 
( وان رسمت هدفاً في حياتها تسعى إلى تحقيقه جاهدة، لترسم هدفاً اخر فالإنسان بلا هدف هو شبه انسان ). 
انها الشاعرة السورية المغتربة منى محمد ضيفتنا في هذا الحوار :
– منى محمد 
مواليد القامشلي سوريا ١٩٧٢ أنهت الدراسة الثانوية العامة ولم تستطع الإلتحاق بالجامعة لظروف خاصة 
عملت في مجال التدريس، وكيلة لعدة سنوات، وغادرت الوطن نحو المغتربات الأوربية، بعد اندلاع ابداية الازمة السورية 
نشاطها ينحصر الآن على دراسة لغة البلد الذي تتواجد فيه ( المانيا ) والسعي للحصول على شهادة في فن الطبخ . وايضا تعمل على جمع قصائدها لطبعه في كتاب لاحقا
 
تتطمح للكثير، تمتلك طاقة ابداعية متدفقة، تعمل دوماً على اضافة الجمال على كتاباتها.. 
* حدثينا عن بداياتك الشعرية، بمن تأثرت الشاعرة منى محمد ؟ 
وماهي أهم المؤثرات التي ساهمت في تكوين الاتجاه الأدبي لديك ؟ 
– بذرة الشعر خلقت لدي بالفطرة، واشتد عودها منذ فترة ليست بعيدة، ظهرت قصائدي للعلن بعد ان حطمت حاجز الخوف من المجتمع الصغير من الدائرة التي كانت تحيط بي والتي تعيب على المرأة الإفصاح عن مشاعرها. 
اورق عشق الشعر لدي عندما قرأت للشاعر نزار قباني للمرة الأولى، فغاصت قصائده بأعماقي، تلك النصوص التي طالما تحدثت عن الحب والسياسة فاستنشقت من روح كلماتها عبق الحب. 
 
ومن ثم كان للشاعر والأديب ورائد الأدب السياسي الساخر محمد الماغوط حيزاً كبيرا في قراءاتي فهو القائل:” ايها النساجون أريد كفناً لأحلامي” 
اما من كان له التأثير العميق على كتاباتي فهو الشاعر محمود درويش، واستطيع القول عن القصيدة النثرية بأنها عجينة سلسلة نستطيع تشكيلها. اسلوبها سهل ممتنع يستسيغها اغلب القراء وتدخل القلب دون قيود خلافاً لألوان الشعر الأخرى التي تستوجب الأوزان والعروض. والتي ربما يراه غيري العكس تماماً.. وتبقى المسألة حسب علاقة المتلقي، وثقافته وذوقه واتجاهاته في قراءة وتناول الشعر أو الشاعرية. 
* ماذا يعني الشعر لـ منى محمد ؟ 
– كلنا على هذه البسيطة كتلة مشاعر ممتزجة، ومختلطة، حيث الحزن ينبع من الفرح، والحب يولد الألم، ولكل وجع صبغته وشيفرته التي تتوغل في النفس البشرية عميقة، فتلد القصيدة لتواكب مشاعرنا، وجل ما يثير قلمي تلك المشاعر التي يتداول فيها الألم مع الحزن، فتوقظ روح الإلهام، وأنا بطبيعتي الهادئة لدي عشق خاص للحزن الذي يزين ملامح حروفي. 
فالشعر مرآة الروح التي تعكس مايحوم في شغاف الجسد على السنة الطير، ورسالة العاشق للوطن والأرض وتقديس للذات 
وليل العاشق الهارب من منفى الواقع الى آفاق البلاغة والشموخ . 
* كيف تولد القصيدة عند الشاعرة منى محمد ؟ وهل لديك طقوس معينة تمارسينها قبل أو أثناء الكتابة؟. 
– الشعر دائما يعكس ملامحي، فأنا الشعر والشعر أنا، فأنا أولد من رحم قصائدي التي أكتبها. 
طقوسي تبدأ عندما يرخي الليل سدوله وتسكن الأشياء من حولي وتبدأ موسيقا القلوب تصدح في أرجاء الغرفة مع الكثير الكثير من الورق الذي يتناثر هنا وهناك . 
* هل لك ان تحدثينا عن أغراض ومضامين ديوانك الجديد الذي سيرى النور قريبا ؟ وعن الشكل في قصيدتك ؟ 
– اعمل الأن على تجميع قصائدي في كتيب صغير ومن ثم إلى كتاب سيرى النور لاحقاً بعنوان “الحب.. وأشياء اخرى” عبارة عن خليط من رسائل الحب والحرب والرثاء وهي مضامين تناولها الشعر منذ الأزل .
* من سهول مدينة القامشلي الى عمق القارة الأوربية والمانيا تحديداً، هل تغيرت الأليات السردية في لغتك الشعرية ؟ هل لكل مكان لغته الشعرية الخاص به ؟ كيف تتنفس الشاعرة منى محمد الغربة شعراً ؟
– وانا في الغربة احاول دوماً التوازن بين ثقافة بلدي وثقافة البلد الذي اعيش فيه ولا اريد ان اكون على هامش المجتمع الذي اعيش فيه استقي ماهو جيد ومفيد . وان تلاقح الثقافات المختلفة يعمل على توسيع الأفاق وبالتالي تزداد معرفة الشخص بما حوله، وتتسع رؤيته أيضاً 
* البعد والشوق والحرمان هي مفردات الشاعر، ماهي مفردات شعر منى محمد؟ 
– نعم الحزن والألم رفيق القلم، لذا تجد اغلب القصائد جاذبية تلك الموشحة بالضباب.  
وبالنسبة لي فأنا اكتب صوراً تسمى بالإلهام، فكم من قصيدة حزينة كتبتها وانا اضحك، وكم من قصيدة عاطفية كتبتها وأنا بحالة فراغ عاطفي، وأيضا كتبت قصائد بمنتهى الأحاسيس الحقيقية.. قصائد كنت اعيشها تماماً.. 
* دفعني فضولي ان ابحث قليلاً في صفحة الشاعرة منى محمد 
وان اتابع من هنا وهناك وجدت قصيدة لك تقولين فيها:
“في هدأة الليل
وعلى بعد مسافة
من ذاكرة ملئها الصدأ..
يترنح رأسي..” 
لو تكملي لنا هذه القصيدة ؟ ومتى كتبت ؟ وما مناسبة كتابة هذه القصيدة ؟ 
– “في هدأة الليل
وعلى بعد مسافة
من ذاكرة ملئها
الصدأ..
يترنح رأسي
وتنتشي أصابعي
النحيلة على إيقاع
قصيدة شاحبة
تساقطت بعدما غفت
على الأريكة قطعة
قطعة.. 
تباً ليست قصيدة
خانتني الذاكرة
بل كان حنيناً ممتداً 
يعربد هناك على السطور
يعبث بالمعاني بفتور
يغمس الحرف في دواة
عطر ليرسم وجه قصيدة
خرساء تحيي النبض
بلا حبور..”
قصيدتي هذه كتبتها سنوات عدة، تحمل بين طياتها الكثير من الحنين للديار والأحبة والخلان في الوطن. 
* برأي الشاعرة منى محمد هل الغموض في القصيدة يؤدي الى ابتعاد القارئ عنها ؟ 
– وضعت نصوصي في قالب نثري غير معقد ترضي ذوق القارئ، وتعبر عن مساري واسلوبي في الكتابة، فالقصيدة لدي مثلث 
له ثلاثة أبعاد( الشاعر . النص . المتلقي ) وأنا لا اتبع الوضوح الكامل لنصوصي، بل اخيط لها جيوباً مخفية عن عيون القارئ ليستمر متسائلاً عن ماهية كتاباتي واتجاهاتها، والى اين تذهب قصيدتي، هكذا يصبح شريكاً يرافق النص في مسارات الحياة..
ولكي لا تصبح القصيدة مقالة أو نظماً مباشراً نراه اليوم عند الكثيرين، فتبدو القصيدة وكأنها بناية مسبقة الصنع . 
* هل يشيخ الإبداع ك صاحبه عند سن معين . بصيغة اخرى متى يتوقف العطاء الإبداعي بشتى صوره عن المبدع ؟ 
– الإبداع روح نورانية لا تشيخ ابداً، لكن الإنسان بطبعه يتغير مزاجه تبعاً للزمان والمكان، فيبقى نتاجه، والقليل من اثر شخصيته، وربما يغيب الشعر و تبقى الشخصية اكثر حضوراً.. 
وعندما يستسلم المبدع للتكرار ينضب شعريا وروحيا، فالأجدى له ان يصمت. ولا أظن أن الأدب يشيخ مادام كاتبه قادر على تجديد تجربته وروحه وموهبته . 
* كيف تتصور الشاعرة منى محمد شكل قصائدها في القادم من الأيام ؟ 
 – اكيد بالقراءة والخبرة والنقد والاحتكاك يتطور الشاعر، فكتاباتي الأخيرة لا تشبه محاولاتي الأولى في الكتابة، وبالتأكيد حتى في شكلها كقصيدة نثر، واعتقد ان المستقبل كفيل ان يشهد تطوراً في اسلوبي وتوسعاَ في لغتي ومفرداتي، فالنضج له عمره كالشجر، 
* ماهي القصيدة التي تعتزين بها، وترغبين بتقديمها هدية للقراء ؟
– من احب القصائد الى قلبي هي قصيدة (الحرب)
أهديها لكل من لامس حروفي شغاف قلبه وينتظرني لأقدم المزيد :
“الحرب لم تعد
تخشى تناسل الاموات
بينما تتدلى اجساد 
الراحلين على كتف الطريق
بلا اسماء…
الحرب لم تعد تخشى
أرتجاف السماء كلما وأد 
جدران بيت وتكدست
أشلائه خلف نوافذ الجيران
الحرب لم تعد تبكي أم
ثكلى تجلس على كرسي متحرك
تحمل حقيبة ملأى بقصاصات
حلم وخصلة شعر
أنهكهما التعب
ويبقى جمر السؤال…..؟؟؟
أين سنزرع الريحان…
ومن أين سيتدلى
الياسمين واللبلاب
والشتاء مزدحم 
بأحزان المطر….
والراحلون يغادرون البلاد المتعبة 
 بلا عنوان.. “

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…