د. خالد زغريت
حين تكون القصيدة رسالة من أحجار الشعر الكريم
على قلة في هذا الزمن تقرأ قصيدة تدهشك فتحلق بك إلى فلك متعة لا تهزه ريح ولا تغرق مواكبه في بحر ظلمات المتشابه بعد محمود درويش ونزار قباني ومحمد الماغوط وأنسي الحاج قلما ما تجد قصيدة تفتح لك مصاريع دهشة تشعرك بأن قصيدة تفردت بلغتها وصورها وآفاق فكره لقد طغت اللغة المتشابهة والتفاصيل الباردة و حلب نملة التراكيب السائبة لخلق دهشة شعرية لغوية فضلا عن التراكم البنائي و إسراف القصيدة بتشعبها في الموضوعات فهي تريد أن تقول العالم كله في متنها ويضاف إلى ذلك الثقافة الفلسفية التي ناءت بكلكلها وأردفت بصلب التناص لصور الحضيض وأهواء الحجيم مشكلات القصيدة الحديثة حلقات دوامات هلامية تزيغ عيون وجدان القارئ و حواسه الجمالية
وحين تحظى بقصيدة تستعيد فيك ألق تلقي الشعر
برحابة إبداعها و تثير دهشتك بلغتها وصورها ورؤاه
توقن أنك حظيت بفانوس علاء الدين الشعري
وأنك على أهبة إسرتج فرس الجمال الشعري لمطاردة خيالك الذي كبر جناحه في التحليق نحو الأطلنتس
تلك هي حواسي وأنا أقرأ قصيدة امتحان الحرية للشاعر لقمان محمود أحسست بأبهة متعة قراءة أحجار الشعر الكريمة التي ترجم حياديتك الجمالية
و تستدرجك لفخامة اللغة المنتشية بالشعرية
تقرأ النهر من جرح مائه وهو يكتب رسالته في الأرض الميتة فيتداعى فاكهة ليس من تفاح اللذة بل من نشوة اقتفاء خروج آدم إلى حوائه الشجرة الشعرية تتمرد مع صورها على ذاتك المخمّلة بصدأ المتشابهة الذي صبغ نظراتك
وتغادر سلالتك إلى سلالة من قصب أنين الشعر
فتعزف على نايك قصبا لآهات البحر المتجمد في بؤس تلقيك الجمال على هيئة أطياف جنية
تسرق منك مهما قرأت من معوذات الشعر لهفة أن تحقق حسرة الماء لأن الشجر الداخلي فيك يباب
والشعر يجبر انكسارك لكن بامتحان الحرية وتتساوى قامتك منتصبة كورقة الخريف أو كمخمل برعم الربيع الذي نسي قسوة آذار فهو شقيق رحم الحرية أقسى
ولادته الزهر الذي يتفتح في صدى ناي الرعيان مثلما يتفتق بظل صداح العصافير الطليقة
التي تكتب فراتها على زرقة تكاد تشبه موج الفرات الجريح في نبرة أغاني الريفيات
و توجس خيفة أن يُكسر البليخ في الجرة التي تقبع سحريا على رؤوسهن وهن يراقصن خفر الطيور المهاجرة من دون أن تودع ماء جمال الصبايا
كأن اللقالق وقفت كثيرا على قدم واحداة أمام مرايا تلك الصبايا فاختلط عليها لجين الماء وفضة المرايا
ووحده الشاعر يبحث عن أخ من مد أو جزر
ليقطف عنب ضياء القمر وينافس البحر بعدالة الزرقة بين الموج والشعر
ولأن لقمان كان بين الموج والبحر ينسج إيقاع الزرقة
ويخشى إيقاعها في عيون الغرق لملم صدف القصيدة
و خبأ للطيور العائدة عقدا علها تعلق صبايا الجزيرة في جيد الفرات ليشعر بأنوثته الشعرية
فليس النهر على قدر من ذكورة الشعر وربما هو على قدر من أنوثة الشعر لذلك كان الشعر لؤلؤا وأحجارا كريمة تكرم قارئها.
هامش:
الصمت الذي لا يتوقف عن الكلام، دار آبيك للطباعة والنشر، السويد 2022، قصيدة “امتحان الحرية”، الصفحة 19.