«جمهورية الكلب» رواية للشاعر والروائي إبراهيم اليوسف

عبدال خان تلداري

جاءت رواية جمهورية الكلب لإبراهيم اليوسف، والصادرة عن دار خطوط وظلال٢٠٢٠ في 360 صفحة من القطع الوسط، حيث  تقع أحداثها في المانيا التي كانت عنوانا آمنا لجأ إليه  مئات الآلاف  من السوريين، هربا من الحرب الدائرة في بلدهم، ضمن إطار هجرة ملايين السوريين إلى العديد من البلدان الأوربية والعالم.
(آلان) بطل الرّواية الذي يجد نفسه في عالمٍ لا ينتمي إليه ، والذي يخوض صراعاً مع الذات أكثر منه صراع ثقافات و صعوبة في الاندماج ؛ متخوّفاً من البيئة التي لا ينتمي إليها ؛ ليتشكّل لديه هاجس حماية عائلته من أمور كثيرة لم تكن موجودة في بيئته ، لا سيّما أنّنا وخلال السنوات الماضية رأينا الكثير من العائلات تتفكّك بعد وصولها إلى أوروبا ، إلّا أنّ صراعه مع الذات يبدأ حين يجد نفسه مخترقاً .
لا أدري إن كان أحد غيري قد انتبه إلى تلك النقطة ، أي الصراع مع الذات ، صراع التناقضات .
 آلان الذي ولد في بيئة دينيّة ونشأ فيها وتلقّى كمّاً هائلاً من الخطوط الحمر مزيجٌ من المعتقدات الدينية والمجتمعية ، والتي توارثها معظمنا منذ أجيال . زُرعت في أدمغتنا وأورثناها بدورنا لأطفالنا دون أن يعي الكثير منّا لِمَ هي خطوط حمراء !؟
ورغم أنّ الكثير منّا يدرك أنّ معظمها مجرّد عادات متوارثة لا أكثر ، إلّا أنّنا لا نستطيع التخلّص منها رغم قناعتنا التامّة بعدم صحّتها . 
نعم هذا ما عاناه بطل الرواية كثيراً . كيف لشخص انخرط فيما بعد في صفوف الماركسية !؟ كيف لشخص علمانيٍّ أن يتطهّر بالماء والتراب الأحمر من نجاسة كلب !؟ رغم أنّ بطل الرواية يحاول في كلّ فرصة تبرير هاجس الكلاب بخوفه منذ الطفولة والكوابيس التي تراوده باستمرار ، وهي أيضاً نتيجة التلقين المبالغ فيه الذي تلقّاه في طفولته كما معظمنا ، وأتذكّر منها حديث جسر السراط المستقيم وكميّة الرعب في أحاديثهم والعديد من الأحداث التي مرّ بها في طفولته ، وحتى أثناء الحرب السوريّة بخصوص الكلاب .
يبدأ صراعه مع الذات حين يجد نفسه مخترقاً من امرأة ألمانيّة تُدعى (بيانكا) ، وكلبها (روكي). حيث تبدأ تدريجيّاً بإقحامه في عالمها الذي لا ينتمي إليه دون مراعاة الظروف التي نشأ فيها .
بيانكا المرأة الألمانيّة الأربعينيّة التي اختارت عالم الكلاب بعد مقتل زوجها في العراق ؛ ليكون آلان انعطافة في حياتها بدايةً من باب الشفقة والإنسانيّة ؛ ولتكتشف فيما بعد مستمعاً جيداً لثرثرتها المتواصلة عن عالم الكلاب وكلّ ما يخص الكلاب ، بعكس آلان الذي كان يمقت الكلاب بل ويعيش حالة رعب منها ترافقه منذ الطفولة .
تتطوّر علاقتهما تدريجياً ؛ ليلتقيا أكثر من مرّة في اليوم صباحا ومساءً ، وأحياناً ثلاث مرات ، وغالباً في نفس المكان الذي التقيا فيه المرة الأولى وهي حديقة ، وأحياناً أخرى في المقاهي حين يكون الجو ماطراً ، وفي معظم لقاءاتهما تكون بيانكا هي السبّاقة لتحجز لهما مقعداً خشبيّاً في الحديقة والتي علم آلان مؤخّراً أنّها حديقة للكلاب أو متنزّه ، رغم محاولاته المستمرّة في ثنيها عن الحديث في عالم الكلاب وإظهار الرعب الذي في داخله تجاه هذا المخلوق إلّا أنّ لغته الألمانيّة لم تكن لتسعفه ، وقد تكون اللغة سبباً في تعلّقه في بيانكا . فقد تعلّم منها أكثر ممّا تعلّمه في المدرسة . 
تتطوّر العلاقة أكثر فأكثر حين تستدعيه بيانكا إلى شقّتها في عيد (الكلاب العالمي) ؛ للاحتفال معها وهذا امتياز .حيث يجد نفسه محاطاً  بمجموعة من الكلاب ؛ ليعيش أحداثاً كثيرة وليعطي رسالةً مفادها أنّ الكلاب صادقة في مشاعرها عندما يتعرّض آلان لهجوم كلبين كلّما حاول الاقتراب من بيانكا .
يستغلّ الكاتب هذه الرواية ليسرد جانباً من سيرته الذاتيّة ؛ ليضعنا أمام مقارنات بين مجتمعنا الشرقي ومجتمعهم الغربي ، وفي كلّ مرة يسرد فيه جانباً من حياته من خلال استحضار أحداثٍ أبطالُها كلابٌ في معظمها وأحياناً رجال أمن . لا فرق ففي مجتمعاتنا كلاهما واحد .
يظهر لنا الكاتب أنّ أكبر معضلة تمنع اللاجئ من الاندماج هي حاجز اللغة ، وأنّ كبار السنّ هم الأكثر عرضةً للفشل ، أمّا الأطفال والشباب فلا مشكلة تعترضهم فهم يندمجون بسرعة ، ولهذا رأى في بيانكا فرصةً لا تتعوّض بالنسبة لآلان .
المنعطف الأكثر إثارةً عندما يكتشف آلان أنّ بيانكا حفيدة أحد المقرّبين من (هتلر) ؛ ليدخل في صراع حقيقي مع نفسه وليعيش حالة خوف مبرّرة !
العلاقة المعقّدة الوطيدة التي نشأت بينهما رغم كلّ التناقضات لم تمنع آلان من تجاوز كلّ خطوط مجتمعه الحمر والتقرّب منها أكثر فأكثر ، علّه يجد من خلالها مفتاح الاندماج ، إلّا أنّ حياته تتحوّل إلى مأساة حقيقية بعد علمه أنّها حفيدة أحد المقربين من هتلر ، وإصرارها على إقحامه في أمور حقّاً لم تكن تخصّه رغم كلّ محاولات الصدّ من طرفه ليجد نفسه واقعاً في ما كان يخشاه . 
يظهر لنا الكاتب مجدّداً أنّ أكبر تحدّيات الاندماج هي اللغة تحديداً ، وأمّا معظم الأمور الأخرى كالعادات والتقاليد نستطيع أن نتجاوزها مع الزمن .
لو أنّ اللغة أسعفت آلان لكانت للأحداث منحىً آخر .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…