مصطفى نايف باشا وعشيرته ميران في أطروحة جامعية تركية

إبراهيم محمود
يظهر أن تاريخ ما كان كردياً، وهو طي الكتمان، أو أرشيف الجهات التي استحكمت بالكرد وجغرافيتهم، والذاكرات المكانية، يجد متنفساً له، وباضطراد، حتى في الدول الأكثر حذراً ويقظة وتحسباً من تهجئة ” الكرد ” ليصبح نزيل المسطور الرسمي أو على تخومه، ربما تعبيراً عن ماض يستحيل غلْق محضره، من جهة، ولأن أصوله تمتد إلى الحاضر والآتي، فلا تبقي ما كان في عهدة أمواته، والقيّمين عليهم تاريخياً، بمقدار ما يكون الموتى أنفسهم أحياء صحبة أحياء اليوم، من جهة أخرى، كما لو أن التاريخ الذي كان ويكون، لم يعد يطيق حمْل معناه ، وقد فقد الكثير من معناه هذا.
وحين أجدني إزاء أطروحة جامعية، لنيل شهادة الماجستير، وفي جامعة تركية، وتخص جغرافيا كردية، وشعباً كردياً، ولغة كردية، وثقافة كردية…إلخ، بغضّ النظر عن محتوى المطروح، يبرز الفارق الكبير بين تاريخ الأمس واليوم، فارق يطرح الكرد في المَفارِق .
والكتاب الذي يعنيني هنا هو : العلاقات بين الدولة وقبيلة ميران مصطفى باشا – أشقياء الكتائب الحميدية: لأحمد أوجمازAhmet Uçmaz،
Devlet-Aşiret İlişkileri Miranlı Mustafa Paşa-Aşiret Eşkıya Hamidiye Alayları
وقد نوقش في جامعة دجلة معهد العلوم الاجتماعية قسم التاريخ الإسلامي والفنون قسم تاريخ الإسلام، وصدر سنة 2019 
وكما يلاحَظ، فإن المتصل بالعنوان قد أفصِح عنه في بعض من نقاطه المهمة في نطاق تعرضي لكتاب الباحث الأكاديمي هوكر طاهر توفيق ” الكرد…”، والذي جرى نشره في مبحث على ثلاث حلقات ( موقع ولاتي مه، 31-10/ 1—2/ 11-2022 )،
سوى أن الذي يجري النظر فيه مختلفٌ بموقعه، ولغته، وثقافته، والمتوخى منه، ومن يمكن أن يكونوا معنيين به كذلك .
أي جهة المرسل والمرسل إليه، وموضوع الإرسال في زمانه ومكانه ” التركيّين “، وما يمكن قوله في هذا النطاق، وما يمكن أن يُستقى منه: إن مقروء الماضي مختبر الحاضر .
واللافت في الموضوع الجامعي، الأكاديمي، وفي رقعة جغرافية لا تخفي لغتها الأساسية واقعاً: الكردية، هو سريان فعل المؤثر المستجد في مبناه ومعناه، وماالذي يتعزز به موضوعٌ له نسَب تاريخي، وحساب مستقبلي بالمقابل . وما يكون من شأنه توجيه  الأنظار إلى ما ينتظر إضاءته، أو الرفع من مستواه مكانة واعتباراً، تعزيزاً للتاريخ نفسه كمفهوم .
وحين يكون مصطفى باشا وعشيرته ميران موضوع أطروحة جامعية، فهذا يمثّل اعترافاً بمكانة وحمولة معرفية لها مداها، وأن حضورها في أطروحة جامعية، يعني استيفاء شروط بحثها، ووفرة مكوناتها، والتنبيه إلى غيرها بالمقابل، أي ما تكون المعرفة مادة تاريخية مفعَّلة ثقافياً .
ولئلا ينظَر إلى الاسم السالف ذكره، على أنه الوحيد المرئي في ساحة العلاقات المرجرجة مع السلطان العثماني، وما قيل فيه، أو ما يمكن أن يقرَأ حوله، وأن يقال فيه، مع ذاكرة مكانية مشبعة بالتوترات والتخاصمات الحدودية، لئلا يطرَح اسم مصطفى باشا في نطاق التاريخ المثقَل بالشبهات، جهة الدور وتبعاته سياسياً، فإن إضاءة ما قبل تاريخه القبلي والشخصي، تضع القارىء، وكما يقول التاريخ المحلي والإقليمي،  توسّع إطار العلاقات ومن يشالر إليهم شخصياً، أي جهة النشأة في نوعية العلاقات الكردية الطابع مع الباب العالي، وكارثيات الموجَّه من قبل هذا الباب الرهيب محتوىً.
كُردٌ دون حدود ومطارَدون بحدودهم :
منذ قرابة أربعة قرون تقريناً، مع اتفاقية ” قصر شيرين ” بين كل من الإمبراطوريتين: العثمانية – الصفوية، حيث تم تقسيم كردستان ” سنة 1639 “، وجد الكرد أنفسهم مقسّمين من قبل قوتين ستمارسان انطلاقاً من هذا التاريخ، وإلى الآن مختلف أساليب القوة الاحتوائية لهم، والسعي إلى التحكم فيهم من خلال ما هو حدودي بتلغيم قواهم . 
لم تعد الحدود حدودهم، بمقدار ما أصبحت الحدود هذه حاضرة وهم في حكْم الغياب، رغم حضورهم المستمر، إنما في سياق المستدرَك والملحق به حدودياً: حدودهم التي لم تعد حدودهم، إنما هم الذين أصبحوا خلاف ما كانوا عليه جغرافياً قبل ” قصر شيرين “، وكما أن الأرض مأخوذة بالقوة، فإن كل ما فيها وعليها يصبح تابعاً لها وداخل متغيّرها حدودياً .
وبالتالي فقد (شجع التوتر المتزايد بين الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية الزعماء الكرد على إقامة تحالفات استراتيجية مع واحدة منهما، مقابل امتيازات متنوعة ودرجة معينة من الحكم الذاتي… وإذا كان الكرد على مر القرون قد تكيَّفوا بشكل جيد مع ” ثقافة حدودية ” معينة، فإن إنشاء حدود لدول جديدة غير من الوضع الراهن تماماً. ) ” 1 ” .
وإذا كانت اللغة تعرّف بنفسها من خلال بنيتها، وصوغ عباراتها، حيث كل مفردة في حاضنتها تستدعي تصورات مختلفة، فإن صيغة ” التوتر ” تعني نزع كل ما يخص السلْم والاسقرار واقعاً، وإبقاء المكان في وضعية الانقسام والتصادمات التاريخية .
ليكون تاريخ الكرد، بامتداد هذا التاريخ هذا هو تاريخ المفعول به كرداً من قبل فاعل هو أكثر من فاعل يغيّر فيه على هواه لاكرداً، حيث يشار إلى الكم الهائل من التلوينات الخرائطية التي تمارٍس بعثرة لقوى الكرد، لترتقي الحدود المقسَّمة إمبراطورياً إلى مستوى الجسد، والكرد بتوزعهم القسري الحدودي، إلى النسيج الذي لا تكف مقص المسيطِر الحدودي في الجانبين، عن إعمال القص واللصق، عن التشقيق والتمزيق والرتق والفتق، وما في ذلك من تعميق أثر ذلك في واعية الكرد نفسياً ( وفي حقيقة الأمر، كانت الحدود العثمانية- الإيرانية دوماً وفي مختلف الأوقات ، حدوداً عسكرية في حالة حرب، وإذا ما عاشت فترة سلام، فإنها كانت فقط فرصة للاستعداد لسلسلة أخرى من المواجهات، وإذا ما قمنا بعمل احصائيات للحروب الكبيرة العثماينة- الإيرانية منذ حرب جالديران في عام 1514 وحتى حروب علي 1821-1822 في عصر الشاه فتح علي ، سنرى أنها كانت أربعاً وعشرين حرباً دموية، إذا وضعنا جانباً المناوشات العسكرية والمجابهات الثانوية، ومن جهة أخرى، إذا ما أردنا احتساب عدد الاتفاقيات ومعاهدات السلام الموقعة منذ أول معاهدة أماسيّة، في ( 29 مايو/ أيار 1555)، وإلى الاتفاقيات حول تثبيت ترسيم الحدود ، سنرى أنها تصل إلى حوالي إحدى وعشري معاهدة واتفاقية سلام تم الوقيع عليها بين الدولتين ) ” 2 ” 
هذه الحدود بنهمها الاستعماري الأكول دون شبع، كما هي ” معدة ” السياسة الغزيوية والاستعمارية تاريخياً، لا تخفي طبيعة العلاقات الاجتماعية التي تتشكل، وهي في الوضعية المرسومة آنفاً. إن قراءة الإحداثيات الجغرافية، وفي نطاق المحتسَب حروباً ومعاهدات واتفاقيات، لا أخالها تضن علينا باليسير من المحن والكوارث، جهة المصير الذي يعيش وضعية تحول مداً وجزراً فيما بينهم وداخلهم وباسم الحدود هذه وهي بدلاً من الاطمئنان إليها، ينظَر إليها على أنها منزوعة الاستقرار، تبعاً للسياسة القائمة على جانبيها، وهنا ما على الكرد إلا أن يعيشوا مخاوف الطارىء دائماً، وما يعنيه الطارىء من التهيؤ لما هو مجهول وصادم ومؤلم .
في هذا السياق، أليست معاهدة لوزان ” 1923 “، وما جرى ويجري في ظلها، من أكثر المعاهدات الموقعة عنفاً إمبريالياً، وفاجعة جغرافية محلياً وإقليمياً، بميسمها الحدودي، والموقع عليها خارج نطاق الجغرافي ” في لوزان السويسرية ” وفي ذمة دول كبرى دولياً، أخرجت الجغرافيا من مضمارها المحلي- الإقليمي، وأجرت عليها تغييرات، وإخضاعها لمعايير تحكم وسيطرة متعددة القوى، زيدَ في تشرذم واقع الكرد، والدفع بهم لأن يبقوا محصورين في عنق قنينة التاريخ، وليس سدّادتها،وما شهده قرنها المميَّز بانفجارات حدودية، وإلى الآن شديد الدلالة على رعب المنشأ؟!
أن يكون المرء حدودياً، من الصعب أن يهندس ذهنيته جغرافياً، وإنما المعايشة وحسابياً، عبر إفرازات حدودية، كما لو أن الجغرافيا لا تعرَف إلا بإطارها الناسف، وأن الذين يقيمون ولو على بعد حسابي جغرافي داخلاً، ملحقون بمتحولات الحدود الأكثر من شريط جغرافي، الأكثر من مواقع رصد، ونقاط عبور. إنها جراحات هائلة تنزف دماء ومخاوف .
هكذا يظهر، أو يبدو المشهد الحدودي كردستانياً، وهكذا نجد كيف أن ( الحدود تلفت النظر باعتبارها حدوداً طبيعية، لكنها من حيث النشأة حدود سياسات وتشكيل سياسية وثقافات ورؤى وقيم..) ” 3 “
كيف يمكن إذاً، وضع الجغرافيا الكردية في حساب المكاشفات التاريخية، والنظر إلى حراكها السياسي والثقافي، وليس للكرد إلا ما سيقوا إليه كثيراً في الترسيمات السياسية المهمّشة لهم اسماً وموقعاً وتصريف قوة، وليس فيهم إلا ما حوّلوا إليه بالقوة المشرعنة حدودياً، ليكونوا مرئيين جسداً، ولامرئيين في منظار المتحكَّم بهم عالياً سياسياً ؟ 
في هذه الجغرافيا الكردية التي نُزعت عن خانتها الاثنية والثقافية، لا بد من متابعة سيرورة العلاقات التاريخية، وصيرورة المتغيرات الاجتماعية في منحاها ومآلاتها القيمية. أي كيف صار الكرد خارج نطاق السيطرة المكانية .
أي وقد انقسموا هم أنفسهم، لا رغبةً ذاتية، وإنما كما اقتضى المستجد التاريخي العنفي استعمارياً، والذي زاد تعقيداً وتبديداً لقواهم، خصوصاً من لحظة الغزو الأوربي: الثقافي- السياسي استعماري، والضارب بعنفه إمبريالياً .
أي حين يخرج الكرد عن كونهم ممثّلي أنفسهم، حيث لا يعود المحكوم عملياً في حكم المدرك لمصيره، إنما الغريب عنه.
وهنا يكون الاستتباع، والاستقطاع، والاستبضاع، على صعيد حصر الكرد وتحريكهم في ” البازار ” السياسي، أي حيث يكونون مستتَبعين بالقوة لغيرهم، مستقطعين من خلالهم ، مستبضعين كما هو مرسوم لهم وبالقوة، حيث يتم التذكير بالكرد في جموعهم القبائلية، ومدى الانشطار في القبيلة الواحدة، لأن ” إرادة ” الحدود المقسَّمة تتطلب ذلك وهم على كُره طبعاً. 
ليصبح الاهتمام بهم من قبل مقتسميهم ليس بوصفهم كرداً، وكما هو مقرَّر عنهم من خلالهم، وإنما كما يشار إليهم، كما هو المتأمل منهم، مجردين من قواهم التي تعنيهم، وقد ووجهت ببعضها بعضاً، ليكونوا- كما تقدم- هم وليسوا هم . 
لتكون لهم صورهم ذات العلامة الفارقة الدالة على ممثليهم القبائليين قديماً، والمستحدَث القبائلي فيهم حديثاً، داخل الأرشيف المتعدد المتعدد المستويات والمقامات لهذه الدولة المقسّمة لهم أو تلك، مع متحولات التاريخ السياسي، وتبعاً للأدوار المنوطة بهم، أو المؤداة من قبلهم، كما هو شأن الأرشيف العثماني ” الأوقيانوسي ” بمكوناته .
في واجهة الأرشيف العثماني صُوراً وقوىً مصورة
لأن الموضوع يتركز على تاريخ عثماني، وما له من تبعات وتداعيات لاحقة سياسياً، سيكون حصر الموضوع في خانته العثمانية، دون أن يكون هناك غضّ الطرف عن متغيرات المجاور الحدودي في الدول الأخرى. إن ما هو مرسوم وموثَّق هنا لا يلغي طابع القرابة الافتئاتية للكرد استعمارياً واستملاكياً، بمقدار ما يسبق لفتح شهية قرائية لما هو في عمق المرسوم والموثَّق وتقسيماته الاجتماعية والثقافية.
ثمة صور محتفَظ بها لأهميتها، وليس كل صورة مجازة هنا ولها، لأن تكون إحدى مضمومات الأرشيف المخطط له بدقة، إنما لا بد أن تكون الصورة ذات قيمة تاريخية، وتصريف رمزي على مستوى القوة ومغزاها، إلى جانب المروي باسمها .
والأرشيف العثماني بملايين مؤلفة من وثائقه، والذي يشكل مكتبة كاملة تخص الكرد وحدهم ” 4 “، يقدّم عالماً لا يحاط به  بسهولة في هذا الشأن، وفيه ما هو مشبع برطوبة التاريخ، وأسرار الوقائع التي تحمل أسماءها المكانية والزمانية . 
إن مقال محمد مظلوم جيليك”بافي كوردان” (أبو الكرد  Kürtlerin Babası) سياسة عبد الحميد الشرقية وأفواج الحميدية، والمكتوب بالتركية، واضحٌ بعلاماته ودلالاته، ومضيء بشكل جلي، ما يخص موضوع بحثنا بعمق. ولهذا أكتفي بنقل فقرات مطولة منه شير إلى خطورة الجاري، وهي لا تخفي الذهنية الصانعة لـ” الكرد “، أي ما يبقيهم خارج دائرة تمثيلهم لأنفسهم، حتى وهم في إطار تحركهم القبلي واعتدادهم بأنفسهم وه في عقْر دارهم” 5 “:
حافظت أفواج الحميدية ، المرتبطة بالسلطان عبد الحميد ، على ولائها للسلطان حتى الساعة الأخيرة من تنازله عن العرش. كان الكرد قد بنوا جدارًا من اللحم للعثمانيين في المنطقة الشرقية ضد كل من إيران والروس.
كان أحد الانتقادات التي وجهت إلى السلطان عبد الحميد الثاني خلال فترة حكمه التي امتدت 33 عامًا هو “تكريد الدولة  Devleti Kürtleştirmesi “.
كان الكرد الذين يعيشون في كردستان ، إحدى محافظات الإمبراطورية العثمانية الثماني عشرة ، يتدفقون على العاصمة في مجموعات في تلك الأيام.
وفقًا لمصادر مختلفة ، وصل عدد السكان الكرد في ستانبول قريبًا إلى ما بين 5 و 30 ألفًا.
فيدرب السلطان عبد الحميد شباب كوردستان ويجندهم. وفي الواقع ، كان يفتح صيامه مع هؤلاء الكرد الشباب في كل رمضان.
ومع كتائب الحميدية التي أسسها في المنطقة ومدرسة العشائر السلطانية Mekteb-i Aşiret-i Hümayun التي افتتحها في كاباتاش بستانبول ( يعتبَر حي كاباتاش، من الأحياء المشهورة بستانبول. المترجم، عن ويكيبيديا ) ، كان السلطان عبد الحميد هو السلطان الذي أظهر أكبر مجاملة للكرد بين السلاطين العثمانيين.
 
 
Mekteb-i Aşiret-i Hümayun / الصورة: ويكيميديا كومنز
لن تمر هذه الإطراءات دون إجابة ؛ وكان الأكراد يسمونه أيضًا “بافي كردان” ، أي “أبو الكرد”.
وجلبت حماية السلطان حميد للكرد في مثل هذا الوقت القصير القيل والقال في سياسة ستانبول.
ولما سمع السلطان عبد الحميد هذه الشائعات كان يرد على الانتقادات كالتالي:
أعلم أنني تعرضت لانتقادات لأنني أحضرت أطفال بعض الملاك الأكراد إلى ستانبول. لسنوات ، شغل الأرمن المسيحيون مناصب المشرف. أي ضرر يمكن أن يحدث في تقريب الأكراد ، الذين هم من ديننا ، إلينا؟
ظل الكرد موالين للسلطان عبد الحميد الذي قبلوه كأب لهم حتى الساعة الأخيرة عندما تم خلعه من العرش.
والكرد ، الذين جرى ربطهم عبد الحميد بقوة بالإمبراطورية باستخدام مكتب الخلافة Halifelik makamını، أحالوا دون حدوث مأساة ثانية في البلقان في شرق الأناضول، وقد شكَّلوا جدارًا من اللحم ضد الروس لئلا ينزلوا في المنطقة. 
 
السلطان الثاني. عبد الحميد / تصوير: ويكيبيديا
في التاريخ ، بدأت العلاقات بين الكورد والإمبراطورية العثمانية ضد قوة احتلال أخرى ، إيران.
وبناءً على مراسيم مراد الرابع ، يلخص رشاد حقيقة السياسة الكردية العثمانية على النحو التالي:
“لقد خلق الله كردستان لحماية إمبراطوريتي كحاجز قوي وقلعة حديدية ضد  آثام ياجوج الإيراني الشرير şeytani İran yecücünün fesatlarına “.
وشرح في مرسوم آخر ما يعنيه الأكراد للإمبراطورية العثمانية بالكلمات التالية:
القادة الكرد أصدقاء أوفياء ومخلصون للدولة العثمانية ، وقد أدوا العديد من الخدمات الجديرة بالثناء للعرش من العصور العظيمة لأسلافنا العظماء حتى الوقت الحاضر ، حيث أظهروا جهودًا لا تُحصى. لذلك ، فإن الجهد المبذول للحفاظ على الإمبراطورية يتطلب معاملتهم باحترام ورعاية.
كما في حال أفواج السلطان عبد الحميد الحميدية ، ومعظمهم من الكرد ؛ وقد حموا الدولة من البلاء الروسي ، و وأظهروا مكانة متفوقة على الأرمن ، أكبر خصومهم في المنطقة. لكن مع مرور الوقت ، أصبحت أفواج الحميدية نفسها مشكلة.
هذه هي خلاصة جوهر الاستبداد. إذ لأن السلطان الطاغية كان جالسًا في مكانه كسجين ، لم يفهم حالة الأمة اليائسة ، أو لم يرد أن يفهمها بقلبه الضعيف وقوته ، أو لم يكن مناسبًا لذلك. إن الطبيعة ، التي هي نضرة وكاملة ومتحررة تعلم بذلك.
وأعظم حلفاء المهيب سلطان سليم: الكرد
في عهد يافوز: راقب المهيب سلطان سليم ، عن كثب الدعاية المدمرة للشاه إسماعيل في الأناضول.
وعندما تولى العرش ، وجه استراتيجية البلاد لضمان أمن المناطق الشرقية.
فكان على الجيش العثماني أن يحصل على دعم من القوات المحلية لكي ينجح في جغرافيا أجنبية. وبهذا المعنى ، فإن الأشخاص الوحيدين الذين يمكن أن يشكل معهم تحالفًا هم الكرد.
وقد تحالف المهيب: يافوز سلطان سليم مع الكرد ضد شاه إسماعيل في سهل جالديران.
 
 الصورة: شبكة نشر الصور 
وأعجب يافوز بصراع الكرد خلال الحرب ، وأعطى السلطة الكاملة لإدريس بدليسي (إدريس من بدليس) بعد سقوط تبريز وأعطى الكرد مهمة إنقاذ المدن المتبقية من الإيرانيين.
والبدليسي ، الذي أسس جيشًا كرديًا قوامه قرابة 10 آلاف شخص ؛ غزا مقاطعات كبيرة مثل ماردين وديار بكر واحدة تلو الأخرى ووضعها تحت الحكم العثماني.
بعد هذه الفتوحات ، لم يتبع يافوز سياسة قمعية فيما يتعلق بمشاركة الكرد في الإمبراطورية العثمانية وسأل بدليسي كيف يريد الكرد أن يحكموا. فأبلغ إدريس بدليسي السلطان أن الكرد محبون للشرف وأن لا أحد سيهيمن على أحد.
لهذا السبب ، تقرر أنه سيكون من الأنسب أن تتم إدارتهم من قبل مدير يتم إرساله من ستانبول.
 
يافوز سلطان سليم / الصورة: أصل الصورة موجود في مزاد قصر توبكابي
وأكبر ثورة كردية في الدولة العثمانية: قضية المير بدرخان
كان عهد محمود الثاني فترة تمركزت فيها الإمبراطورية العثمانية بسرعة. وأدت إعادة هيكلة نموذج الإدارة إلى إزالة الحرية التي تمتعَ بها الكرد منذ يافوز سليم.
من ناحية أخرى ، رأى الكردي المسمى المير بدرخان بك بأم عينه الهزيمة الكبيرة للجيش العثماني ضد الوالي محمد علي باشا في معركة نيزيب” نصيبين ” التي جاء لدعمها.
معتقدًا أن العثمانيين لم يعد لديهم أي سلطة فعلية في المنطقة ، ليبدأ بدرخان في التصرف بمفرده.
حالما رُفع الضغط العثماني عنه ، قرر بدرخان بك تنفيذ واحدة من أعظم الفظائع التي شهدها التاريخ على الإطلاق.
 
المير بدرخان / الصورة: ويكيبيديا
بدرخان ، الذي اتخذ إجراءات ضد النساطرة في المنطقة ، قتل الآلاف من الأبرياء ، وجعل النساء إماء ونهب ممتلكاتهم.
لقد وقف العالم كله ضد المذبحة ، كما عارض العديد من الناس من قبيلة بدرخان هذه الوحشية.
استضاف العثمانيون بدرخان ، حيث عاملوه بشكل جيد للغاية ، هذا المتمرد الذي أحضِر إلى ستانبول وكأنه رئيس دولة.
لم يتم إعدام مير بدرخان واستضاف في القصر العثماني لعدة أيام. المير ، الذي لم يكن يتوقع مثل هذه الضيافة بنفسه ، تحدث إلى : تقويم الوقائع  Takvim-i Vekayi’ye (الجريدة الرسمية العثمانية):
التمرد الذي حدث هو تطور غريب للقدر. لأنني لم أفكر قط في التمرد. لم أستسلم من قبل لأنني كنت أخشى أن تتم محاكمة حياتي وممتلكاتي. إذا كنت أعلم أنني سأحترم كما أنا الآن ، لكنت وجدت طريقة للهروب وأعود إلى هنا مباشرة.
سأجند أطفالي في الجيش. إذا أصبح واحد منهم على الأقل رجلاً ، فسأصلي إلى سلطاني لبقية حياتي. كان عملاً مستحيلاً ، ماذا يمكنك أن تفعل؟
وعندما تولى السلطان عبد الحميد العرش ، أعلن الملكية الدستورية وافتتح البرلمان ؛ لكن في الحرب الروسية التي وقعت عام 1878 ، رأى أن عشرين بالمائة من أراضي البلاد قد ضاعت في لحظة.
الحرب الروسية عام 1878 / الصورة: بينتيريست
دفعت الحركات الانفصالية للأرمن في مؤتمر برلين ، الذي عقد بعد ذلك ، السلطان الشاب إلى اتخاذ الاحتياطات ؛ لأن المادة 61 من معاهدة برلين أشارت إلى أن معالجة أزمة البلقان الجديدة ستكون منطقة شرق الأناضول:
يتعهد الباب العالي بتنفيذ اللوائح والإصلاحات التي تتطلبها الاحتياجات المحلية في المقاطعات التي يسكنها الأرمن دون تأخير وضمان أمنهم ضد الشركس والكرد. وستبلغ القوى العظمى التي تشرف على تنفيذها بالإجراءات التي ستتخذ بهذه الطريقة في أوقات معينة.
أفواج الحميدية / تصوير: تويتر
تم الإعلان عن إنشاء الأفواج الحميدية :
اقترب عدد أفواج الحميدية ، التي كان يُعتقد في السابق أنها 20 فوجًا ، من 100 فوج نتيجة الاهتمام الشديد للكرد.
هذه القوات المحلية ، التي تم نشرها في مناطق مثل وان وأورفة وديار بكر ، قيدت بشكل كبير حركة الروس في الشرق والبريطانيين في الجنوب.
والقضاء على السخرية وآثارها الضارة
حيث حافظت أفواج الحميدية ، المرتبطة بالسلطان عبد الحميد ، على ولائها للسلطان حتى الساعة الأخيرة من تنازله عن العرش.
وكانت لجنة الاتحاد والترقي ، مثلها مثل سائر ميراث السلطان عبد الحميد ، في عداء كبير لهذه الأفواج.
ورغم ذلك تقررت إعادة تنظيم هذه الأفواج كـ “أفواج قبلية” بدلاً من القضاء عليها نهائياً ، وفي عام 1912 فقدت وظيفتها بالكامل في عهد السلطان عبد الحميد.
 
وبما أن أفواج الحميدية كانت مباشرة تحت رعاية السلطان عبد الحميد ، فقد شاركت أيضًا في بعض الأحداث غير المرغوب فيها والفاسدة بمرور الوقت.
فقد تورط هذا الجيش في ارتكاب مخالفات في عمليات الهجرة القسرية للأرمن من وطنهم وتضارب المصالح بين القبائل…إلخ ).
وماالذي يكن توقعه خلاف المقروء في سياق ما تقدَّم ذكره في أصل المقال؟ كيف يمكن النظر إلى الكرد في علاقاتهم الحدودية: الحدود التي عاشوها وقد تم تشطيرها بالقوة، وهم لم يكونوا غرباء على عملية التقسيم، وقد انشطروا هم أنفسهم: بوجدانهم وذاكرتهم الجماعية، وحتى القبائلية الواحدة، إنما عاشوا هذه العملية وتفاعلوا معها، وتعاطوها كما لو أنه حدود سواهم، وهم يديروها، كما يظهر برسم ” الأمانة ” إن جاز التوصيف، وهم يصرّفون قوتهم وهي تحت المراقبة، كما لو أنهم أحرار فيما اختاروه، قيّمون على قواهم دون حسيب أو رقيب، وللتاريخ قول آخر في مهب ريح القوى الأكثر استئثاراً بالجغرافيا الكردية الممثَّل فيها حدودياً .
وإذا كان هناك من مثال، أو أكثر من مثال عن الجاري تفويضه بالتصرف حدودياً، وفي نطاق المحدد له سلطوياً” الكرد بوصفهم جداراً من لحم ” لحماية من جرَّدوهم من قوتهم المكانية، فهو يشير إلى مثال قديم، ويخص السلطان سليمان القانوني( 1494-1566 م) عندما رجع إلى ستانبول من حملته الشرقية( سألته أمه، نعم، يا بني، ها قد عدت، تُرى ألا يحاول الجورجيون والقزلباش شن الغارات على مدنك، وإلحاق الأذى بك.
يرد عليها السلطان:
أوه يا أمر، لقد بنيت جداراً قوياً ما بين الإمبراطورية العثمانية، والدولة الجورجية والإيرانيين، بحيث لا يمكن للعدو إلحاق أي أذى بي.
وتسأله أمه للمرة الثانية:
كيف تسنَّى له بناء جدار قوي كما وصفت ؟
ويردعليها السلطان:
يا أمي، لقد بنيت ذلك الجدار من لحم ودم، لقد سلَّمت حكم تلك المناطق إلى أيدي القبائل الكوردية، لقد نصبت قوة منينة بامتداد جورجستان حتى بغداد والبصرة وشهرزور صفاً واحداً، ولا يمكن للعدو تخطيهم، والدخول في حدود الدولة الإسلامية ) ” 6 ” 
ولا أراني ببعيد عن الصواب، وهو أن هذه النوعية من الجدار، يمكن معايشتها، وتبيّنها بصيغ مختلفة في محيط الجغرافيا الكردية، حيث إن سليمان القانوني لا زال يحيا في أوساطنا هنا وهناك، وبوجود أكثر من جدار بمفهومه السياسي، والثقافي، والاجتماعي يتقاسم الكردَ .
” يتبع “

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…