روحانيات وطن !!

أحمد مرعان

في الغربة، انتظرت كعادتي بعد انقضاء العمل في الموقف المخصص للحافلات بغية الوصول إلى المنزل. دقائق وسيصل الباص بحسب المؤشر الموجود على الشاشة الإلكترونية.  تقدمت خطوات على الرصيف المخصص لمقدمة الباص على أمل الصعود من الباب الأمامي، بغية قطع تذكرة الركوب من عند السائق، كما هي العادة، وما أن توقفت الحافلة في الركن المخصص، و إذ بشخص يسبقني بالركوب مبرزا بطاقة اشتراكه السنوية المخصصة لركوب الباصات الداخلية والتي تجيز ركوب أكثر من شخص في بعض التواقيت قائلا للسائق ( تسوزامن ) أي نحن معا، وهو يشدني من يدي معه إلى الداخل دون أن أرى وجهه، تثاقلت خطواتي قليلا للبدء بقطع التذكرة، لكنه مصّر على جرّي بشدة، لأرتبك حيال الموقف والحيرة في اتخاذ القرار المناسب، ولكن اضطررت للانقياد خلفه دون وجه حق، وضميري يؤنبني بما فعلت، واستجرني إلى كرسي مزدوج وجلس وجلست جانبه أنظر في محياه، ولا أظنني قد رأيته قبل الآن، فالتفت إليه متسائلا عن دواعي تصرفه هذا دون سابق معرفة، وفي مخيلتي أسئلة جمة تتقد بنظراتي دون أن أنطق ببنت شفة !!
فأشار إليّ بالتريث وهو يبلع ريقه كمن ارتكب خطأ لا يجيد تبريره، وإشارات الاستفهام تستلهم ذاكرتنا معا؟
هززت برأسي ترددا والتوت الشفاه تعجبا ، وهو بالحركات نفسها  و في اللحظة والنظرة نفسيهما، يردد ما فعلته أنا ، وكأننا توأمان تشابهنا في الغريزة والمشاعر والتواصل !
وأخيرا نطق بكلمات متلعثمة، فهمتها بالكاد ، قائلا:
سأنزل في المحطة القادمة ، وأنت !!
انتابتني حيرة أخرى عما سأجيبه  به، رغم أنها محطتي المقصودة فعلا ، فلويت برأسي للأعلى مشيرا إليه ب..لا ، استودعني بحياء ..
فاضطررت ان أتابع إلى المحطة التالية لأعود سيرا على الأقدام إلى محطتي التي نزل فيها ، هكذا فعلت دون تفكير ودون تبرير !!
عدت أدراجي وأفكاري مثقلة بأسئلة شتى وأجوبة مشتته ؟ 
وما أن اقتربت من وجهتي ، حتى رأيته في انتظاري وكأنه على موعد متيقن من عودتي ..
يا إلهي ما هذه المصادفة ، وما هذا الامتحان الغامض بكل تفاصيله !
وقفت بمحاذاته ، وسألته بتهكم ، قائلا:
 ما الذي تريده بالضبط ، أرجو أن تفصح عن غايتك ومبتغاك دون تردد ، لكنه هزّ برأسه ، ومشى خطوات ، ثم توقف، واستدار نحوي وعيناه مليئتان بالدموع قائلا : ظننتك أخي الذي فارق الحياة منذ سنين في تفجير إرهابي في الوطن ؟ 
وسار بخطى متسارعة دون أن يلتفت خلفه ، ويجر أذيال الخيبة بحلمه الذي تمناه حقيقة لا خيالا ، وقد هاجت بي الظنون وتثاقل الخيال بمواقف قد شهدتها في أرض الوطن،  وأغرورقت عيناي بالدموع وتساقطت قطرة قطرة على الرصيف ، وكل قطرة رسمت موقف مؤلم ، إلى أن رسمت قطراتي حدود الوطن بتفاصيله الجغرافية ..
فأيقنت بتواصلنا الروحي لا إراديا ، لأني أيضا فقدت أخي بجريمة مروعة مثله على يد قناص آثم ..
وأيقنت بأننا جميعا نتواصل بالروحانية نفسها لأن آلامنا ومعاناتنا متشابهة على أمتداد الخريطة الوهمية !!؟…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد حسو

الأغاني والأهازيج الكوردية، والرقص الجماعي الذي يتجلى في تماسك الأيدي خلال الدبكات الكوردية، ليست مجرد طقوس فنية أو تعبيرات عن الفرح، بل هي شهادة حية على حيوية هذا الشعب وإرادته الصلبة. إنها دليلٌ واضحٌ على حبه العميق للحياة، وسعيه المستمر للعيش بكرامة وسعادة، رغم كل مظاهر وأشكال الظلم والطغيان والاستبداد التي حاولت…

سمكو عمر لعلي

مقدمة

لم يكن الحاج أحمد ملا إبراهيم مجرد اسم عابر في تاريخ الحركة الكردية، بل كان رمزًا للنضال والمثابرة من أجل قضية شعبه. وُلد عام 1923 في بلدة عين ديوار، التي تقع اليوم ضمن الحدود السورية، لعائلة مناضلة تمتد جذورها إلى شرق كردستان من اقرباء سمكو اغا الشكاك ، حيث كان والده الملا إبراهيم…

تقرير صحفي: شهدت جامعة النجاح الوطنية يوم الخميس الموافق 20/11/2025 إنجازاً أكاديمياً لافتاً، تمثل في مناقشة رسالة الماجستير المقدمة من الطالبة رجاء رشيد محمود الحلبي في برنامج اللغة العربية وآدابها، جاءت الرسالة تحت عنوان: “روايتا “الحاجز” و”حب في منطقة الظل” للكاتب عزمي بشارة دراسة تحليلية في المضمون والفن”، وقد أعلنت اللجنة نجاح الطالبة وحصولها على…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

 

يَا لَيْلُ

أنَاجِي الرُّوحَ وَهِيَ بَعِيدَةٌ

تَلْهُو فِي صَمْتِي الْمَجْرُوحِ

آهٍ يَا لَيْلُ

صَمْتِي كَحَرِيقٍ فِي صَدْرِي

وَجُدْرَانُهُ تَكْتُمُ قَدَرِي

آهٍ يَا لَيْلُ نَوَافِذُ مُغْلَقَةٌ

وَأَبْوَابٌ صَامِتَةٌ

كَتِمْثَالٍ جَمِيلٍ

أُنَادِي وَكَأَنَّ السَّمَاءَ تَسْمَعُ صَوْتِي

وَلَا أَهْجُو أَحَدًا

بَلْ أَهْجُو كُلَّ النِّدَاءَاتِ

يَا لَيْلُ كَمْ طَوِيلٌ هَذَا الظَّلَامُ

كَمْ طَوِيلٌ هَذَا الْخِصَامُ

كَمْ طَوِيلٌ هَذَا الْحُسَامُ

الَّذِي يَقْطَعُ شَرَايِينِي

يَا لَيْلُ لَا أُعَزِّيكَ

وَلَا أَثْرِي بِكَ

وَلَا أُعَزِّي إِلَّا نَفْسِي

مُرَادُكَ…