تحوّلات المدينة

عبداللطيف الحسيني

إلى ذكرى محمد عفيف الحسينيّ.
إنّها أحوالُ المدينة التي تبدّلُ حالَها من طينٍ ملءَ العين واليد إلى حديدٍ و أسمنت يوجعُ العينَ و اليد و الرّوح و يكتمُ اﻷنفاس ، غرابةُ الكاتب المتماهي مع المكان هي تحويلُ الواقع إلى أسطورة و تحويل الشّيء المُرمَى إلى روح تتنفّس و تحادثُ شبحاً من لحم و دم. هي هذه” دموع الملائكة أو السعادة المطلقة” مزيجٌ من الشّجن والذّكريات واﻷمثال والحِكم بشكلها اليوميّ الذي خلقها عبدالرحمن عفيف ليكون أبطالُها أشخاصاً لا حِكماً جامدةٍ، و غالباً يكون هؤلاء اﻷشخاص شعراء أو من المحجور عليهم… يهيمون و يتبعهم الغاوون.
فباللغة ـ وهي أخطرُ النِّعم بحسب هايدغرـ تمكّن عبدالرحمن عفيف ألا يصلَ إلى المدينة ينشدُها، فالوصول يعني الانتهاء.. وانتهاء الرحلة يعني الخواء. إنّه يكتبُ عن مسالك المدينة و شعابِها وعيونِها… عينٌ تتدفّق من هنا… وعينٌ ينضبُ ماؤها من هناك.
المكان المعطوب عامودا يتحوّلُ من خلال اللغة إلى شعرٍ و موسيقى و امرأة.
رحلةٌ غيرُ شاقّةٍ للوصول إلى عامودا، فمستلزماتُ الرّحلة موجودةٌ، ما تبحثُ عنه يقطنُ قربَكَ.
عماد الحسن يقفُ في رأس الحقل مُترَباً… منتظِراً اسماعيل كوسه و مروان شيخي و عبداللطيف.
إنها لغةُ الكوابيس لا يفهمُها إلا مَنْ نُفِخَ بالنار، وإلا مَنْ رَكِبَ حمار الشيطان. وكي لا يُظنّ بنا الظنون: حين يجتمعُ الشعراءُ لا يتحدّثون عن الشّعر و أهلِه بل عن الحقول التي تخضرُّ أو تصفرُّ أو التي تُمحَى.
من باب الترف اﻷدبيّ أسمى عبدالرحمن عفيف كتابَه ب”دموع الملائكة” و هذه أيضاً من الرحلة التي تبدأ من مكانٍ ما و لا تنتهي إلى عامودا التي تُضَخُّ في كلّ سطر من الكتاب.
إنّها عامودا المنهوبة .. كلّ مَن مرَّ بها سَرَقَ منها بيتاً أو اسماً أو امرأةً أو شجرةً، إنها عامودا.. مجرّدَ أن تمدّ يدَكَ حتّى تَفَدَ إليك عوالمُها الغائبة.
خَطَرُ الكتاب ـ كما في خطر اللغةـ أنّه يمكنُك أن تقرأَه في أيّ وقتٍ.. أو في أيّة صفحة تشاء، أو أن تقرأَ ربعَه أو نصفَه أو كلَّه.
ـ الكاتب: عبدالرحمن عفيف.
 الكتاب: “دموع الملائكة أو السعادة المطلقة”
منشورات دار هنّ .
 مصر: القاهرة .
الطبعة اﻷولى 2022.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غالب حداد

1. مقدمة: استكشاف “العالم الجميل الموجود”

تُقدّم مجموعة القاص والشاعر الكردي السوري عبد الرحمن عفيف، “جمال العالم الموجود”، نفسها كعمل أدبي ذي كثافة شعرية فريدة، يرسم ملامح مجتمع مهمش، ويحول تفاصيل حياته اليومية إلى مادة للتأمل الفني والوجودي. ويأتي تحليل هذه المجموعة، التي تمثل تطورا لافتا في مشروع عفيف الأدبي الذي تجلت ملامحه…

مصطفى عبدالملك الصميدي| اليمن

باحث أكاديمي

هي صنعاء القديمة، مدينة التاريخ والإنسان والمكان. من يعبر أزِقَّتها ويلمس بنايتها، يجد التاريخ هواءً يُتَنفَّس في أرجائها، يجد “سام بن نوح” منقوشاً على كل حجر، يجد العمارة رسماً مُبهِراً لأول ما شُيِّد على كوكب الأرض منذ الطوفان.

وأنتَ تمُرُّ في أزقتها، يهمس لك الزمان أنّ الله بدأ برفع السماء من هنا،…

أُجريت صباح اليوم عمليةٌ جراحيةٌ دقيقة للفنان الشاعر خوشناف سليمان، في أحد مشافي هيرنه في ألمانيا، وذلك استكمالًا لمتابعاتٍ طبيةٍ أعقبت عمليةَ قلبٍ مفتوح أُجريت له قبل أشهر.

وقد تكللت العمليةُ بالنجاح، ولله الحمد.

حمدا لله على سلامتك أبا راوند العزيز

متمنّين لك تمام العافية وعودةً قريبةً إلى الحياة والإبداع.

المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في…

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…