هيفي الملا
كلنا نقف على عتبة العام الماضي، وربما نبدأ في محاكمة أنفسنا، ماذا فعلنا؟ ماذا أنجزنا؟ أين خططنا المجدولة؟ لم نبلغ أهدافنا المرسومةِ، وقد نقسو عليها و نجلدها ونحاسبها ونتكور على أنفسنا، وكأننا رافضون، دخول عامنا الجديد ونحن لم نوف القديم نذوره. ولكن دعونا لاننس أن هذه النفس المتعثرة أو المتأخرة أو البليدة ربما، لاتمتلك حق الدفاع عن نفسها، لأن القرارات والمخططات والرغبات المجدولة مادة جامدة نلصقها على جدار أصم، وتقذفنا الحياة في وجه عواصفها، تلك القرارات صامدة صلبة باقية، ولكن نحن من نعترك الأحداث اليومية، كل موقف بالحياة، كل دمعة قررنا ألا نهدرها ونزلت رغماً عنا، كل إرهاص نعيشه، كل خذلان نتعرض له، كل موقف ليس بمستوى طموحنا يؤخر قرارا مدرجا لإنجازه، لأننا بشر ولسنا دمى، يدفعنا الشغف للعطاء، وربما قسوة اليأس أيضا تدفعنا في رد فعل عكسي للانتقام الإيجابي بتطوير الذات وزيادة تقديرها، ربما نلزم الفراش مرضى، أو نذرف الدموع على مرض الأخرين أو فقدناهم ، ربما نفقد شغف العمل لظرف أو ترقية تمنيناها، أو نزاع مع زميل عمل أو صديق أو قريب، كل هذه الأمور قد تؤخرنا.
ولا أحد يحب المتأخرين في الحياة حتماً ، ولكن هناك فصام بين الإنسان المخلوق من دم ومشاعر وكتلة متمازجة متناقضة متصارعة من المشاعر، وبين كائنات حبرية اختلقناها على الورقة في وقت راحة ومزاج معتدل.
لا أبرر هنا الإهمال، وعدم محاسبة النفس علي ضياع الوقت فيما لايجيد وينفع، لا أبرر ضياع الساعات في السوشيال ميديا، نقلب بين صفحات تافهة، لاتغني الفكر في شيء، نقلب ونتجول، فإذا ببندول الساعة يضرب ضميرنا، لماذا لا اقرأ كتابا في هذه الساعات، لماذا لا اجلس مع عائلتي، كلنا نضيع الكثير من أوقاتنا، بدافع الملل أو العبث أو اللاشيء، ولكن القسوة علي النفس لاتفيد، ومحاكمتها وجلدها لن يرجع الزمن، فمجرد الوعي بضياع الوقت، يعني الوعي بأهميته، وإن السنة القادمة ستكون وليدة التجربة والخبرة، لا الأمس العقيم، وستكون وليدة الأمل، لا اليأس المكفهر.
وكل مراجعة ذاتية، وكل تفكير بما كان، وكان ينبغي أن يكون ولم يكن، هو محاكمة سليمة، دون إنزال العقوبات على النفس، فمجرد الاحساس بأن اليوم يمضي ولايعود، هو تفكير إيجابي ومجرد الاحساس بثقل الحزن علي هدف غير منجز، هو بداية إنجاز.
ولكل من يحاسب نفسه ويعاقبها ويجلدها مثلي احيانا ، نحن
نعيش لتعلم، ومهما كبرنا نبقى صغارا أمام دروس الحياة، ونتعثر بحجارتها المرمية في وجه خطواتنا، نكبر نعم، والعمر لاينتظر نعم، ولكن دعونا نؤمن دائماً، أن هناك وقت، لأن ماتعلمناه ونتعلمه وما نتعثر به، والأسباب التي تخذلنا وتؤخر أهدافنا، كلها تتحول لإرث ولرصيد ينضاف لنا، ويتمظهر في سلوكياتنا، وتزيد من مرونتنا في مواجهة ظرف مماثل، قد نواجهه في الأيام القادمة، وما أكثر النسخ التي نواجهها، وما أكثر العقول التي نعجز عن مجاراتها، فما أجمل من التحلي بمرونة وقوة داخلية، اكتسبناها لمقاومة إيجابية، تدفعنا للأمام، لاتقعدنا مشلولي الحركة والفكر.
وربما من الأفضل هنا، أن نلخص لأنفسنا سلسلة أمور استفدناها كدروس وعبر وتجارب، دون الخوض في تفاصيلها المعقدة والتي قد تربك أنفسنا مجدداً، ولكن لاضير من حملها معنا أسلحة مسالمة لانشهرها بوجه أحد، بل نتفقدها، حتى لانقع في نفس الحفرة ومهاوي الخذلان مرة أخرى.
بالنسبة لي لم يكن أفضل عام، ولكني تعلمت الكثير، وكلنا نتعلم حتى لحظة يوارينا الثرى.
1- تعلمت أن أكون أنا، مهما حاول العالم خلق نسخ مني، لأنني جميلة بنسختي أنا.
2- أن لا أميل مهما مال العالم، لأن هناك من يتكأ علي ويحتاجني ومجرد حاجة الأخرين لي تشعرني بضرورة العيش والعطاء.
3- الخيبة مجرد مسألة وقت، والثقة بالنفس وتقدير الذات تحمي من وجع الخيبات، وتحمي النفس من هول الانتقامات، فالعمل بصمت على تنمية الذات، وتطوير الفكر وتقويم السلوك هو خير الانتقام من كل بؤس الحياة.
4- أن أكون رائعة، حتى لو كانت نظرة الأخرين لي سيئة فهذا شأنهم والناس ينظرون إلينا بمنظارهم ومستوى ثقافتهم،
5- ليست هناك مثالية كاملة في العمل، ولا خطط منجزة حرفياً، لأننا بشر، لا دمى مبرمجة إلكترونياً، المهم هو المبادرة ووضع الهدف، وترتيب الأولويات، وعدم ترك شيء لرحمة الغد، فقد نموت في فراشنا الوثير، دون استقبال نور الغد.
6- الحزن موجود، وعالق بكل شيء حولنا، وتتلون مسمياته بين فقد، ومرض، وانطفاء روح، وانعدام شغف، ولكنه سيتبدد حتماً، بثقافة تعاملنا معه فلنعشه لحظة، ونحن نحاول تجاوزه لضفة الأمل والتجدد.
7- العطاء جميل، وأن تكون ملهما في حياة الأخرين أمر رائع، لكن هذا لايعني أن أكون سلما يصعد به المتسلقون وأبقى ممددا وجسرا لوصولهم دوني.
8- حب الذات وتقديرها، وإدراك قيمتها الحقيقة، ليست أنانية، بل هي فهم ودراية ووعي وقدرة على تصقيلها ونحت مقومات قوتها.
9-الاستخدام المفرط للانترنت، قاتل الوقت وعامل التأخير، وسبب العجز، نتصفحه ونتقلب بين الصفحات التي لاتفيد، نشكو من أعيننا وظهورنا وأدمغتنا ونغمض أعيننا شبه سكارى للاستسلام لنوم غير صحي، بينما ممارسة أية عادة صحية قراءة، رياضة، تعلم لغة جديدة، لو مورست بشكل يومي، ولو لمدة 15 دقيقة ستتوج بإنجاز صحي أو فكري أو لغوي آخر العام، وهل من أب أو أم يستطيعان محاسبة الأبناء علي هدر الوقت، أمام التابلت والحاسوب وهما يمارسان السلوك ذاته.
10- العمل والتفاني به مبرر وجود ومقوم حياة، ونيل الرزق بكرامة هدف نبيل، ولكن هل المال هو أسمى أهدافنا، وآخر أشواطنا، هل أعمل 24 ساعة، وأنا يتملكني هوس محموم لزيادة المال، وهناك أناس مهملون، اهتمامي بهم ربما هو محور أمنياتهم وينتظرون مني الكثير غير المال ، وكتاب ملقى جنب سريري يتمني ان أقرأه، وصديق ينتظر ان اسأل عنه، وعائلة تتوق لرحلة معي.
لن نستطيع تغيير الاقدار، ولا امتياز تلوين السنين والأيام القادمة،ولكن التغيير الذي ننتظره من العالم، هو نحن بما حصدناه من دروس، تفيدنا لأيامنا الآتية.
ستكون كل السنوات نسخ مكررة، إن لم نرجع لأنفسنا،
وستكون حجم الخيبات أعظم، إن لم نقدر ذواتنا، لاأحد اوكسجين الحياة بالنسبة لنا، لكل إنسان دور منوط به نتمم بعضنا، أدورانا تتلاقى، تتحد لإنجاز هدف، ولكن كل إنسان مهم بنفسه، لا أحد يلغي شغفنا بالحياة، ولا أحد يرسم بالوانه الخاصة علي لوحة أحد.
إنها لوحتي أنا، أدلق عليها ألواني أنا، بكل ما أحمله من جنون التحدي ورغبة العطاء، وهذا لايلغي التفاعل مع الآخرين، بل يضعه في إطاره ومساره الصحيح.
افردوا جعبة العام القديم، انثروها حبوب قمح للعصافير الجائعة، ولنعقد أملنا، بسنة نترجاها ان تكون أكثر رحمة وجمال ونور، انعكاسا لما نحمله في داخلنا حيالها.