علي شيخو برازي
ربما نعتمد بشكل كبير في دراسة تاريخ حلب, على المؤرخ الحلبي كمال الدين المعروف بابن العديم, وخاصة في تاريخ الحملة الصليبية الأولى على سوريا, كون ابن العديم كان الأقرب جغرافيا إلى مكان الحدث الذي هو انطاكية, وقد كتب ابن العديم أحداث هذه الحملة بعد مضي أكثر من قرن على الحدث.
كتاب زبدة الحلب في تاريخ حلب, لابن العديم الذي ولد عام 1192 م, أي بعد الحملة الصليبية على انطاكية ب 95 سنة, اعتمد ابن العديم في كتابه المذكور على روايات ممن سبقوه مثل : الاثاربي والمعظمي, ويعد كتاب زبدة الحلب من أهم مصادر التاريخ الإسلامي في بلاد الشام, وهناك من كتب يوميات الحملة الصليبية بشكل شبه تفصيلي, وعند المقارنة نجد فوارق كبيرة بين الكاتبين, الكاتب العربي ابن العديم, والكاتب الصليبي المجهول الذي كتب يومياته تحت عنوان : ( أعمال الفرنجة ) وكان الكاتب فارسا من المرتبة الدنيا في الجيش الصليبي, أثناء حصار انطاكية, وتكمن هذه الفوارق في:
يقال أن ابن العديم : ذكر المسلمين بما فيهم من عيوب وما لهم من فضائل, وبسط الأمور في انكسارهم, وفصله في انتصارهم . وعند قراءتنا لكتاب ابن العديم نلاحظ تستره على الكثير من تفاصيل انكسارات المسلمين العرب, في فتوحاتهم لبلاد الشام وغيرها من البلدان وخاصة حصار انطاكية. عدا التناقضات الكبيرة في رواياته, وتدوينه لأقوال المؤرخين المتباينة حول الكثير من الأحداث .
من الناحية الدينية, يقف المؤلف المجهول إلى جانب بني عقيدته, وهذا الأمر لا يبدو غريبا لدي كل من كتب التاريخ , وهذا الموقف يبدو واضحا لدى كتاب المسلمين, إلى درجة تضيع الحقيقة بين هذا الطرف وذاك, يقول ابن العديم : ( ودارت معركة أخرى بين القوى الإسلامية وعلى رأسها دقاق وأمير حمص, مع جزء من الصليبيين بقيادة بوهمند قرب نهر العاصي, تفوق فيها المسلمون على الصليبيين وقتلوا منهم جماعة ) عن نفس الحدث يقول الكاتب الصليبي المجهول : ( أن الصليبيين حاصروا انطاكية وأنه حصل صدام بين التركمان (القوات الإسلامية) , وبين الصليبيين عند الجسر الحديدي, قبل نقطة الوصول إلى انطاكية , عندما كانت هذه القوات متوجهة لنجدة انطاكية , وأن قوات الصليبيين انتصرت عليها , وخسر التركمان فيها العديد من القتلى فضلا عن أخذهم الكثير من الغنائم .
ونرى اختلاف آخر بين ابن العديم والكاتب الصليبي المجهول من حيث التفاصيل, فقد ذكر ابن العديم اسم حارس الأبراج الثلاثة ( الزرّاد) ولم يحدد أصله وديانته, بينما الكاتب الصليبي ذكره باسم ( فيروز) وقال أنه مسلم وتركماني الأصل .
واختلف المؤرخان حول حاكم القلعة (أحمد بن مروان) قال المؤرخ المجهول أنه ترك دينه الإسلام وأصبح مسيحيا وبقي في انطاكية, وأن أصحابه الذين بقوا على دين الإسلام أذن لهم الذهاب إلى حلب. بينما ابن العديم لم يذكر هذه التفاصيل سوى أن أحمد بن مروان بقي في انطاكية .
وحسب ما أوجزنا, نرى أن المصداقية تكمن عند كاتب اليوميات, الذي ذكر الكثير من تفاصيل المعارك التي دارة بين الصليبيين والمسلمين, بالإضافة إلى الخطط العسكرية التي وضعها قائد الحملة الصليبية على انطاكية بوهيمند, وليس عند من كتب الحدث بعد أكثر من 150 سنة من حدوثه . وكون هذا المؤرخ المجهول تحدث عن الكثير من عيوب القادة في الجيش الصليبي, وعن خوفهم وجبنهم, أمثال : وليم دي غراند وأخيه أوبري وشارتر, بينما ابن العديم لم يذكر عيوب قادة المسلمين, سوى خلافاتهم .
وهنا نستنتج, أن التاريخ العربي لا زال بحاجة إلى الكثير من الدراسة والتدقيق, وأن لشاهد العيان والوثائق التاريخية, أهمية كبيرة في التأكيد على الحدث ومجرياته .