عندما تعجز النّفس

نارين عمر

  عندما تتجمّد المشاعر في قوقعة الذّهول والفاجعة!
عندما يعجز القلم التّعبير عن واقع نعيشه يشبه الخيال ولكنّه ليس بخيال
أشبه بكابوس وهو ليس بكابوس!
حينما تتحجّر الكلمات والحروف في حنجرة الأبجديات كلّها
فتصيب بالاختناق، وتلهث خلف متنفس يضخّها بنسمات هواء وإن كانت مجبولة من ذرّات سامّة،
حينها تكشف أنياب واقعنا عن نفسها، وتقول لنا بخيلاء:
ها أنا ذا، وهؤلاء هم أنتم، فتعالوا إلى نزال بيننا!
تقول ذلك وهي تعلم أنّ ذواتنا باتت شبيهة أجسام محنّطة منذ زمن بعيد جدّاً وهي تدرك أن خواطرنا ما عادت تحتضن سوى الأسى والألم المتوارثين من ذلك العهد البعيد جدّاً والذي ما يزال يجدّد نفسه، ويتجدّد فينا كلّ حين كتجدّد الدّم في الشّرايين.
ما عادت الآهات والحسرات تهدّئ بالنا ولا الصّرخات تفرّغ شحنات انكسار نفسنا وخذلان عقلنا، ولا عادت الدّموع تغسل رمد العين ووجعها.
بكاء، صراخ، نحيب، يخفت الصّوت، يتلاشى نحيب الدّموع مع صعق الحروب ولطم الدّمار وهزّات الزّلازل التي كانت هي الوحيدة التي لم تعرض لنا عضلاتها، ولكنّها فعلتها، فكانت ضربتها هي الأقوى وهي الأمرّ.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

كان مخيم ( برده ره ش ) يرقد بين جبلين صامتين كحارسين منسيّين: أحدهما من الشمال الشرقي، يختزن صدى الرياح الباردة، والآخر من الغرب، رمليّ جاف، كأنّه جدار يفصلنا عن الموصل، عن وطنٍ تركناه يتكسّر خلفنا… قطعةً تلو أخرى.

يقع المخيم على بُعد سبعين كيلومتراً من دهوك، وثلاثين من الموصل، غير أن المسافة الفعلية بيننا…

إدريس سالم

 

ليستِ اللغة مجرّد أداة للتواصل، اللغة عنصر أنطولوجي، ينهض بوظيفة تأسيسية في بناء الهُوية. فالهُوية، باعتبارها نسيجاً متعدّد الخيوط، لا تكتمل إلا بخيط اللغة، الذي يمنحها وحدتها الداخلية، إذ تمكّن الذات من الظهور في العالم، وتمنح الجماعة أفقاً للتاريخ والذاكرة. بهذا المعنى، تكون اللغة شرط لإمكان وجود الهُوية، فهي المسكن الذي تسكن فيه الذات…

مازن عرفة

منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، يتسارع الزمن في حياتنا بطريقة مذهلة لا نستطيع التقاطها، ومثله تغير أنماط الحياة الاجتماعية والإنسانية، والاكتشافات المتلاحقة في العلوم والتقنيات، فيما تغدو حيواتنا أكثر فأكثر لحظات عابرة في مسيرة «الوجود»، لا ندرك فيها لا البدايات ولا النهايات، بل والوجود نفسه يبدو كل يوم أكثر إلغازاً وإبهاماً، على الرغم من…

أصدرت منشورات رامينا في لندن كتاب “كنتُ صغيرة… عندما كبرت” للكاتبة السورية الأوكرانية كاترين يحيى، وهو عمل سيريّ يتجاوز حدود الاعتراف الشخصي ليغدو شهادة إنسانية على تقاطعات الطفولة والمنفى والهوية والحروب.

تكتب المؤلفة بصدقٍ شفيف عن حياتها وهي تتنقّل بين سوريا وأوكرانيا ومصر والإمارات، مستحضرةً محطات وتجارب شكلت ملامحها النفسية والوجودية، وموثقةً لرحلة جيل عاش القلق…