فَضْحُ الخطايا التاريخيّة المُرتكَبة بحقّ الكُرد.. عرض كتاب:(القبيلة الضائعة – الأكراد في الأدبيّات العربية الإسلاميّة)

  هيثم حسين

عن دار ريّاض الريّس للكتب والنشر في بيروت، صدر للباحث الكرديّ إبراهيم محمود، كتاب ضخم، بعنوان “القبيلة الضائعة – الأكراد في الأدبيّات العربية الإسلاميّة”، يقع الكتاب في 312 صفحة من القطع الكبير، تصميم الغلاف: محمّد حمادة، يحوي الكتاب بالإضافة إلى “الاستهلال: العين الزرقاء“، ستّة فصول، وكلّ فصل بدوره يحوي عدّة عناوين فرعيّة متكاملة، لتكمّل الفصول بعضها بعضاً..
هذا الكتاب ليس الأوّل للكاتب والباحث إبراهيم محمود في هذا المجال، بل إنّه يأتي تتمّة وتكميلاً لكتب سابقة كان قد كتبها، ومختلفاً عنها في الوقت نفسه، حيث الكاتب قد عوّد قرّاءه على الجديد في كلّ كتابة يكتبها، خاصّة أنّه غزير الكتابة، إذ بلغت مؤلّفاته أكثر من أربعين كتاباً مطبوعاً، حتّى الآن، وكتباً أخرى تنتظر الطبع.. ومن كتبه في إطار القضيّة الكرديّة: (صورة الأكراد عربيّاً بعد حرب الخليج “1992م”، الكرد في مهبّ التاريخ “1995م”، طريدو التاريخ.. “ينتظر النشر”)، إضافة إلى الكثير من المقالات والدراسات حول الموضوع نفسه، برؤى جديدة داعمة لرؤاه السابقة، مكمّلة لها..
يتميّز هذا الكتاب بسعة البحث في كلّ ما ورد في الأدبيّات العربيّة – الإسلاميّة عن الكرديّ، كما يمتاز بتعمّق الكاتب في التحليل، واعتماده النظر العقليّ في المحاورة والاستشهاد والإقناع، حين مناقشته للعقل النقليّ العربيّ – الإسلاميّ.. ويبدو تبحُّر الكاتب في موضوعه جليّاً للقارئ ، من خلال العدد الكبير للمصادر والمراجع في نهاية كلّ فصل..
كتب عن الكيفيّة التي يُنظر بها إلى الكرد على أنّهم دون اسمهم (أكراد)، كما حلّل تحليلاً موضوعيّاً علميّاً الدوافع التي تدفع بمن كتب عن الكرد ليقولوا فيهم ما قالوه، وضّح حقيقة النسب الكرديّ في أصله الكرديّ.. لا كما قيل أو روِّج على أنّه من  بعض من العرب حيناً ، أو أنّه خليط من الإنس والجنّ حيناً آخر، أو هم المكردون إلى الجبال (المطرودون)، أو هم الأصل الضائع الذي لا يرتبط بأصل محدّد ولا يعود إليه.. عرّى الكاتب كلّ تلكم الأقاويل/ الأباطيل التي كانت تكمن وراءها الكثير من الدوافع والمنافع، سواء أكان ترضية الحكّام، أو جعلهم (الكرد) المفضَّل عليهم، ليكون اسم التفضيل للحاكم عليهم والكلمة الأمضى له فيهم، ليكونوا أولاد الضرّة في أرضهم ووطنهم، الزائدون حيث هم في مستقرّهم ومنبتهم في الأحيان أغلبها، وليصبح المفضِّل الأفضل، العربيّ بدينه الوافد، المسلم المتخلّي عن انتمائه السابق للإسلاميّ، أو المستشرق الناسج على منوال آخر ترضية أو نقلاً أو تحريفاً.. وحتّى في بعض الأحيان، الكرديّ نفسه عندما ينقل ما يقوله الآخرون عنه شبه مقتنع بما يتقوّلونه باطلاً عليهم، دون أن يعرّي ما ينقل، دون أن يعلّق عليه، دون أن يكشف عمّا يدفع بهم إلى نشر تلك الأباطيل عن قومه.. أو لربّما انجراره، باسم الأخوّة في الدين الجديد إلى المُحاك في ظلاله من مؤامرات كانت تستهدف تعريب من يسلم، ليكون الإسلام مطية العربيّ في نشر لسانه، تحت لواء الدين العربيّ اللغة، ليُتباهَى به على أنّه اللسان الأقوم، باعتبار(إنّا أنزلناه قرآناً عربيّاً)، أو(العربيّة لغة أهل الجنّة)، كما كان يسوَّق، بينما يرجّع اللسان الآخر، الكرديّ حصراً هنا، إلى الوراء، ويبتغى محوه، ليوصَف بأنّه اللسان الأعوج، وليوصَف المتحدّث به، على أنّه صاحب اللسان الأعوج (العوج)، لتكون الصفة ذامّة للأصل من وراء ذمّ اللغة الملحقة بغيرها، عند إلحاق الكرديّ بغيره في نسبه، يطيل الباحث التوقّف عند هذه النقطة، ليؤكّد أنّ الكرديّ يتبع في نسبه الكرديّ، وأنّه لا يستجدي انتساباً إلى هنا أو هناك..
في الفصل الأخير من الكتاب يتعرّض الباحث بالتفصيل لأحداث آذار 2004م، والتي شكّلت منعطفاً في تاريخ الكرد السوريّين، وفي التاريخ السوريّ، إذ يكتب في الصفحتين 274 /275، وبعد تمهيد دقيق لما جرى: “الأشياء اكتسبت أسماء جديدة، وانفجر المكبوت، وحتّى الخوف الذي ارتبط بالكابوس الأمنيّ المعتاد، انحسر كثيراً، حيث الاعتقالات وعلى مدى أسابيع طويلة، باتت مألوفة بدورها، وتمّ تشديد الرقابة على مؤسّسات معيّنة(مقار أمنيّة خصوصاً)، وجلب العسكر إلى المنطقة بعد تعرّض الكثير من المؤسّسات الحكوميّة: الاقتصاديّة والثقافيّة والإداريّة وغيرها للنهب والسلب والحرق بطرق مختلفة، طالت الاتّهامات رموزاً معروفة، وأسماء مختلفة، وليس الكرد فقط…”.
الباحث في كتابه مدوّن للتاريخ، مؤرّخ لما عاصره وعايشه، يكتب التاريخ من داخله، مستطيعاً التجرّد من تأثيرات مختلفة تؤثّر على المؤرّخ في مثل هذه الحالة، لم يكتب بعنصريّة، أو إقصاء، لم يطلق العنان لخياله للاستطراد في الإنشائيّات التي تضرّ أكثر ممّا تقنع، أو تنفع، في بحثٍ كبحثه، عندما يكون الموضوع تاريخيّاً، حيث يحتاج برهنة وتوثيقاً مميّزين، لتكون الحجّة في النقاش علميّة مستندة إلى أرضيّة داعمة لها، مدعومة بها..
أنا على يقين أنّ كتاب “القبيلة الضائعة”، يجيب على الكثير من الأسئلة الملحاح التي تبحث عن إجابات مقنعة لها، سواء من القارئ الكرديّ، أو من الآخر، أيّاً كان ذاك الآخر، وأؤكّد حاجة المكتبة الكرديّة إلى مثل هذا الكتاب، لأنّه يعيد تنقيط الحروف التي أزيحت عن مواضعها، ليزاح معها الفعل الدالّ عليها، عندما يعتبَر المقصَى؛ الكرديّ حصراً، غير جدير بتمثّل اسمه، غريباً عن تاريخه، مغرّباً عن ذاته، مهجّراً من وطنه، كما أنّه يفضح الخطايا التاريخيّة المرتكبة بحقّ الكرد، وتأتي الحاجة الأكثر مدعاة إلى التحقّق، والأكثر إلحاحاً، ألا وهي ترجمة هذا الكتاب إلى اللغات الأخرى، وخاصّة الإنكليزيّة والفرنسيّة، والتركيّة، والفارسيّة.. إلخ، لتوصل إلى الآخر، الصورة الواجب الكون، لا الصورة المكوّنة، المشوّهة، المموَّهة بتضبيب مداوم، مدعوم من إعلامٍ مغذٍّ لمثل هذا التصوّر المروّج من أعداء الكرد، ومن بعض مدّعي صداقته، داسّين بذلك سمّ العداوة الكامنة في دسم الصداقة المعلنة..
وعندما يسمَّى الكتاب واصفاً القبيلة بالضائعة، فإنّه يلغي مثل هذا الضياع، والتضييع، لصالح العثور على الهويّة المغيّبة للشعب الكرديّ، المقال عنه إنّه الأقلّ حيث هو، في حين هو الكثرة عندما يكون مجموعه مأخوذاً بعين الاعتبار على أرضه، لا حيث الدول التي تقاسمته…
في ختام هذا العرض السريع للكتاب، لا أنفي رغبتي (الصعبة التلبية) في ذكر مقاطع كثيرة وطويلة من الكتاب ونقلها إلى القارئ، لأنّها تعالج الكثير من الأمور التي يكون نقاش طويل حولها، ويكون القول الفصل فيها، لكنّ حسبي أن أدلّ القارئ على ما سيغتني به، ويستفيد منه، ويسعد له.. وأستعير عنوان المقدّمة التي كتبها الباحث إبراهيم محمود لكتاب “تاريخ الأكراد الحديث” لديفيد مكدويل والذي ترجمه إلى العربيّة راج آل محمّد، لأصف كتابه بما وصف به كتاب غيره، إذ كتب: “عندما يكون كتاب ما مكتبة”، لا أبالغ عندما أقول إنّ كتاب “القبيلة الضائعة” يغني عن مكتبة، ويغتني المرء به اغتناءه بمكتبة نوعيّة قيّمة..
محتويات الكتاب :
–        استهلال: العين الزرقاء
الفصول على التوالي:
الفصل الأوّل: حديث النسب، نسب الحديث: ( ميثولوجيا النسب – في ميثولوجيا النسب الكرديّ – علامات – علامات – تفكيكات – 1 – الكرديّ في نسبه العربيّ 2- الكرديّ في نسبه الشيطانيّ 3- الكرديّ في نسبه الميثولوجيّ المجهول 4- الكرديّ في نسبه الفارسيّ – عودة إلى المسعوديّ – النسب الكرديّ في المنحى الآخر 5- الكرديّ في نسبه التوراتيّ – الكرديّ إزاء العربيّ، العربيّ إزاء الكرديّ).
الفصل الثاني: الكرديّ في الأدبيّات العربيّة – الإسلاميّة: (شذرة من جغرافيا الأمم – الكرديّ بين الموقع والواقع – تحت سقف التاريخ – الكرديّ نموذجاً إثنوغرافيّاً – الكرديّ نموذجاً حكائيّاً – الكرديّ في سياقه التاريخيّ الشعريّ – الشعوبيّة وموقع الكرد فيها – الأيّوبيّون: الكرديّ تحت الضوء).
الفصل الثالث: الإسلام الكرديّ: ( – ضوء الكرديّ – سنّيّون أكثر من السنة – الكرد الإيزيديّون والإسلام العرب – الغوص في العمق الإسلاميّ “التنافس على قيم الدين الواحد”).
الفصل الرابع: الدخول في العصر الحديث عبر فخاخ الآخرين: (- طرائد في برارٍ واسعة – مصائد الآخرين – الجبل لم يعد جبلاً).
الفصل الخامس: الكرديّ في الخطاب العربيّ القديم الحديث: (- الكرديّ بين الصورة والتصوّر عربيّاً – في إثر التصوّر – عود على صلاح الدين – عود على الأقلّيّات (عن الأقلّويّ والكرديّ نموذجاً).
الفص السادس: نصف قرن طويل في تاريخ قصير: أهي الصورة الأخيرة للكرديّ عربيّاً؟: ( – النفخ في القرب – طليعيّو التاريخ السياسيّ – العروبة أولاً، العروبة أخيراً – ماذا يعني أن تكون كرديّاً في سوريا بالمقابل؟ – أنفاق وآفاق؟!).
وقد جاء في تعريف الناشر بالكتاب على خلفيّة الغلاف ما يلي:

(في هذا الكتاب يبرز الباحث الكرديّ إبراهيم محمود منقّباً في التاريخ والجغرافيا وفي كلّ ما كتب ويل عن الكرد انتماءً ولغة وهوية وديناً. بدءاً بالأصول ونسب الكرديّ العربيّ والشيطانيّ والميثولوجيّ والفارسيّ والتوراتيّ… إلخ منتقلاً إلى الكرديّ في الأدبيّات العربيّة تحت عناوين مختلفة منها: الشعوبيّة وموقع الكرد يفها – الأيّوبيّون: الكرديّ تحت الضوء. ثمّ يتناول الإسلام الكرديّ وفيه: سنّيّون أكثر من السنة – الكرد الإيزيديّون والإسلام العرب – الغوص في العمق الإسلاميّ “التنافس على قيم الدين الواحد. ويفرد المؤلّف فصلاً عن الكرديّ في الخطاب العربيّ الحديث مستعرضاً وناقداً ومفنّداً كلّ ما كتب أخيراً عن الكرد وفيهم لعشرات المؤلّفين المعاصرين، حيث تبدو الثنائيّات الكرديّة الصارخة المتقاربة حيناً والمتضاربة أكثر الأحيان وخصوصاً: الكرد / العرب.. الكرد / الإسلام وسوى ذلك.).

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…