قطط حارتنا

إبراهيم محمود
لن أتحدث عن القطط في حارتنا والتي أقيم فيها الآن في مدينة ” دهوك ” وهي تُعرَف بـ ” نوهدرا “، من منظور ميداني، في أشكالها وطباعها، وإنما ما لفت نظري، ونظر آخرين، وإن لم أجد لذلك، حسب متابعتي أثراً، وذلك على خلفية من زلزال ” قهرمان مرش- تركيا 6 شباط 2023 “، وأجَّلت نشر الموضوع الذي يستحق التوقف عند هذه الظاهرة بعمق.
فمن المعروف أن شهر شباط هو شهر تزاوج القطط، وحتى قبل حلول هذا الشهر، يُلاحَظ هذا النشاط لديها، والمواء هو الدال على نوعية النشاط هذا، في طبيعته وتردداته الصوتية ، في أمكنة مختلفة.  لكن هذا النشاط توقف فجأة والمواء انقطع كلياً، وإلى الآن، بالكاد نسمع صوت مواء، أو حركة معينة تشير إلى ما عرِفت به القطط سابقاً. 
طبعاً، سيقال، كما هو معروف، أن القطط من بين حيوانات أخرى تتنبأ بكوارث الطبيعة، ودون الدخول في تلك الإشارات التي ترسلها بنيتها العضوية وصلتها بالطبيعة، فإن المهم، هو سلوكها المتحَّول كلياً.  بالكاد تُرى، في تنقلاتها وقفزاتها، بالكاد يُسمع صوت موائها. أليس في هذه الظاهرة القططية ما يتطلب المزيد من المكاشفة؟
كيف يمكن للقطط أن تتنبه وتنبّه إلى ما هو خطر في الطبيعة، وتنكفىء على نفسها؟ لا بل وتتخلى عن تلك السمة الغريزية الكامنة فيها، والمتحكمة فيها، ما يعني ذلك أن هناك حالات لا تعود الغريزة، بمفهومها الفطري تعمل كما هي، إنما تتبع نظاماً طبيعياً، وعضوياً آخرى، في حالات الكوارث، كما في المثال الزلزالي الآنف الذكر…
تخلت القطط عن أهم سمة سنوية فيها، وركنت إلى الصمت والاقتصاد في الحركة، والتوقف حتى عن المواء، وهي حالات مترافقة مع بعضها بعضاً، وإزاء وضع كهذا، ماالذي يتعلمه بنو البشر، تجاه كوارث طبيعية، تدمر وتبعث على الرعب، وما يكاد يمر بعض الوقت حتى يمارسوا نشاطهم، وكأن شيئاً لم يكن، لا بل ثمة من لا يعبأ بالكارثة كما تستحق .
هل حقاً أن الإنسان، هو سيد المخلوقات؟ والطبيعة تقدم أمثلة كثيرة في التاريخ، وإلى الآن، على أن هذا ” السيد ” أسهم تاريخياً في تخريب الطبيعة، وأن مآسي الطبيعة لا تبرّئه على خلفية مما عرِف به من حروب، واستنزاف للطبيعة، يؤدي كل ذلك إلى إحداث أوجه خلل مختلفة فيها ؟!
بعيداً عن مبدأ الوعظ والإرشاد، يبقى السؤال الذي يستحق طرحه هنا:
لو أن كلاً منا قلَّل من ” موائه ” الداخلي: النفسي- العقلي، وبأكثر من معنى، في سياق المآسي التي نعيشها، ربما كانت الطبيعة بخير، وربما باشرت القطط ، قططنا الحكيمة، نشاطها الطبيعي، وأكدنا لها ، مدى حرصنا على الطبيعة، وعلى أنفسنا، ونلنا ” احتراماً من ” قدواتنا ” القططية التي لا نحسب لها حساباً، حتى وهي في أحضاننا، أو أمام أنظارنا، أو في بيوتنا ؟؟!!
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبحي دقوري

 

مقدمة

تمثّل قراءة جاك دريدا لمقال والتر بنجامين «مهمّة المترجم» إحدى أكثر اللحظات ثراءً في الفكر المعاصر حول الترجمة، لأنّها تجمع بين اثنين من أهمّ فلاسفة القرن العشرين

— بنجامين: صاحب الرؤية «اللاهوتيّة – الجماليّة» للترجمة؛

— دريدا: صاحب التفكيك والاختلاف واللامتناهي لغويًا.

قراءة دريدا ليست شرحًا لبنجامين، بل حوارًا فلسفيًا معه، حوارًا تُخضع فيه اللغة لأعمق مستويات…

ماهين شيخاني

 

المشهد الأول: دهشة البداية

دخل عبد الله مبنى المطار كفراشة تائهة في كنيسة عظيمة، عيناه تلتهمان التفاصيل:

السقوف المرتفعة كجبال، الوجوه الشاحبة المتجهة إلى مصائر مجهولة، والضوء البارد الذي يغسل كل شيء ببرودته.

 

كان يحمل حقيبتين تكشفان تناقضات حياته:

الصغيرة: معلقة بكتفه كطائر حزين

الكبيرة: منفوخة كقلب محمل بالذكريات (ملابس مستعملة لكل فصول العمر)

 

المشهد الجديد: استراحة المعاناة

في صالة…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.
رفوف كتب
وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف…

إعداد وسرد أدبي: خوشناف سليمان
(عن شهادة الراوي فاضل عباس في مقابلة سابقة )

في زنزانةٍ ضيقةٍ تتنفسُ الموت أكثر مما تتنفسُ الهواء. كانت الجدران تحفظ أنين المعتقلين كما تحفظ المقابر أسماء موتاها.
ليلٌ لا ينتهي. ورائحةُ الخوف تمتزجُ بالعَرق وبدمٍ ناشفٍ على أرضٍ لم تعرف سوى وقع السلاسل.
هناك. في ركنٍ من أركان سجنٍ عراقيٍّ من زمن صدام…