رواية إبراهيم الجبين (يوميات يهودي من دمشق) تقنيات السينما و الوثائق

  سعيد محمود

في روايته الأولى (يوميات يهودي من دمشق)   الصادرة عن دار خطوات في سوريا , وبغلاف الفنان الكوردي بشار العيسى ,  ينقلنا إبراهيم الجبين إلى أجواء (افتراضية – واقعية) ذات زخم هائل من الصور المتلاحقة والمشاهد المتتالية التي تكاد تشبه تقنية الصور المتحركة في أفلام الكرتون لتشكل في النهاية حالة أقرب إلى الفيلم السينمائي .
كما أن التقنية التي استخدمها الكاتب في روايته هذه تقارب تقنية القطع بين المشاهد التلفزيونية أو السينمائية، فهو يصل بك إلى الذروة في حبكة أحد الخطوط لينتقل فجأة إلى خط آخر، تاركاً القارئ محتاراً بين رغبته في تتمة الخط القديم ولهفته في الانتقال إلى الخط الجديد الذي ينقطع أيضاً في لحظة ما للانتقال إلى حبكة أخرى وخط آخر .
وهكذا تتشابك الأحداث والشخصيات والحبكات لتشكل كتلة واحدة في النهاية، هي دمشق .
ربما كان الجبين على صواب حينما استخدم هذه التقنية لتقديم (دمشق- سوريا) ذات الخليط السكاني والحضاري الغني، فهي الأقدر على طرح الفسيفساء الدمشقي بكل ألوانه:المسيحيون، المسلمون، رجال الدين، وبقايا اليهود بالإضافة إلى طبقة المثقفين وسجالاتهم وفقرهم المادي .
بين الخيال والواقع ينتقل الجبين برشاقة، ويفعل نفس الشيء بين القصة والقصة وبين المشهد والمشهد، كما أنه يطرح أفكاراً وقصصاً قلما وجدناها في الأعمال الأدبية والفنية السورية مثل رجل الدين ذي الأعداد الضخمة من المريدين المتحلقين حوله وكأنه كائن سماوي، لكنه يصبح وحيداً وضعيفاً عندما تتعرض حياته للخطر ويتلقى التهديدات بتصفيته، هنا تخرج الشخصية من جلدها ضمن توجيهات بطل الرواية لتتحول إلى شخصية أخرى: رجل أعمال أنيق يرتاد البارات والمقاهي.
أثناء هذا التحول تتعرى الشخصية أمام القارئ ليكتشف تاريخها ودوافعها الخفية .
على خط آخر نشاهد اليهودي إخاد الذي يحمل خلفه الكثير من الأسرار والخفايا وأختين عانستين. يسكن إخاد في دمشق القديمة، في بيت يشبهه من ناحية امتلاكه للأسرار والدهاليز، فيبدأ بطل الرواية باكتشاف إخاد ومنزله وأخواته العوانس .
ضمن هذه الاكتشافات نلاحظ تشتت هذه العائلة اليهودية، إحدى الأخوات العوانس تحلم بالذهاب إلى هناك فقط للقاء حبيبها، الأخرى تعيش على أمل اللقاء بنفس الحبيب المشترك والغائب .
“إخاد يتكسر كتمثال من شمع يابس ..يتفتت بين أصابعك… هربت أخته بنطاف الراهب .. والأخرى عثر عليها الجيران متكومة خلف الجدار المتهاوي في زاوية بيتهم .. والرغوة البيضاء تتفاور من فمها.. سممت نفسها بسم الجرذان الكبيرة التي تحمل طاعون القاع في مدينة الانتظار “.
أما إخاد فيضطر إلى مغادرة دمشق مع أنه لا يرغب بذلك :
“- إلى أين ستذهب
– إلى هناك …لا أريد ذلك ..ولكن يجب أن أذهب ..(…)
– وهل ستترك دمشق؟
– لست أنا من يتركها .. هم يبعدونني عنها
– من هم؟
– الجميع “.
)يوميات يهودي من دمشق)، رواية تقترب من الشعر السردي كثيراً لتتغنى بدمشق وتفاصيلها ضمن رحلة مثيرة لاكتشاف أعماق شخصيات الرواية وللسير في الأزقة الضيقة المرصوفة في المدينة القديمة حيث الفتيات يجبن الشوارع وهن يبحثن عمن يساعدهن في  إدخال الخيط بالإبرة … يوم السبت.    و يذكر ان هذه الرواي منعت عن عرضها على رفوف مكتبة معرض الكتاب العربي الذي اقيم في دمشق في شهر اب و منعت روايات اخرى لكتاب سوريين معروفين دون ذكر أوتوضيح هذا المنع على رغم طباعة هذه الكتب من المطابع السورية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فراس حج محمد| فلسطين

رواية “أنيموس” للكاتبة صفاء أبو خضرة، الصادرة في عام 2018 أول عمل روائي منشور لها بعد مسيرة إبداعية ركزت فيها على الشعر ونصوصه، ويعدّ هذا العمل السردي إضافة نوعية جريئة ومؤسسة في المشهد الروائي العربي المعاصر، ويتناول بعمق وألم قضية الهوية المفقودة والتشظي النفسي، متمحورة حول شخصية “تيم”؛ ذلك الطفل الذي يواجه…

فواز عبدي

بداية لابد من القول أن أية لغة تنشأ بنظام صوتي وإشاري بسيط يتطور تدريجياً. ومن اللغات ما تجد الأجواء المناسبة فتزدهر وتنمو كشجرة عملاقة، ومنها ما تتحول إلى لهجات متعددة وتتلاشى تدريجياً.. وذلك وفقاً للمجتمعات التي تتكلم بها..

أما عوامل تطور أو اندثار اللغة فليست موضوع بحثنا الآن. ما يهمنا هو وضع اللغة…

زاهد العلواني آل حقي

لي ملاحظة وتوجيه كريم إلى من يسمّون أنفسهم اليوم بـ “رؤساء العشائر”.

وبحكم الدور التاريخي للسادة العلوانيين آل حقي في جزيرة بوهتان منذ عام 1514م وإلى يومنا هذا، والدور الديني والاجتماعي والإصلاحي الذي اضطلعوا به بين العشائر الكردية في جزيرة بوهتان قديماً، وبين العرب والكرد حديثاً، في ظلّ الخلافة العثمانية التي حكمت المنطقة…

ا. د. قاسم المندلاوي

يؤكد علماء التربية على اهمية التعاون بين البيت والمدرسة بهدف النهوض الافضل بمستوى التلامذة. ولو تابعنا المشهد اليومي لوضع البيت والانشطة التي تجري داخل المدرسة لوجدنا اختلافا بين الجانبين.

هناك اتهام من قبل المدرسة على غياب اولياء الامور وابتعادهم عن المساهمة الجادة للجوانب…