الشيخ مالك خرقٌ للمألوف!

حسن خالد

في الموسم الرمضاني لهذا العام ٢٠٢٣ والذي بات فرصة تتسابق فيها شركات الإنتاج الدرامية لعرض ما تجده مميزا من أعمال ومسلسلات رمضانية لجذب المشاهد وكسبه…
أكثر ما شدّني في “الفائض الدرامي” هو المسلسل السوري (مربى العز) وأتت متابعتي له في سياق توقيته المناسب وظروفي، وليس من باب تفضيله على ما سواه من أعمال درامية أحدثت جدلا واحتلت صدارة المتابعة لدى الجمهور المتابع ک “ليلة السقوط” و “الزند – ذئب العاصي” و “جعفر العمدة” وغيرها من الأعمال الدرامية الرمضانية التي لم أتابعها، وتاليا لا أجدني محقا في إبداء موقفي منها..
ما شدّني في مسلسل (مربى العز) ليس تقمص الممثلين لأدوارهم، ولا الإطار أو الحبكة القصصية أو السوية الفنية له انتاجا وإخراجا، أنما شدّني للمسلسل شخصية: #الشيخ_مالك ودوره الفاعل في سير الأحداث في بيئته الاجتماعية و حيزه الجغرافي (حارات الشام)
سعى كاتب العمل إلى تقديم “رجل دين” أكثر انفتاحا وأكثر احتكاكا وأكثر انخراطا مع الناس وقضاياهم ومشاكلهم الحياتية التي لا تنتهي، حتى إنه كان يحل مشكلات الناس ولو خسر من جيبه، وتاليا لم يُسوق كرجل دين يستغل حاجة الناس إنما يعين في حلول قضاياهم وأنتشالهم من المأزق ((دفع دية عن مناع))
وكموقفه من ممارسات أخاه الذي كان يمارس الدجل والشعوذة وتاليا قدّم شخصية دينية واعية يقوم بدور ريادي فاعل في إصلاح ذات البين بين أناس يعيش بينهم، يقدم لهم النصح والمشورة، بعيدا عن الصورة النمطية لرجل الدين الأقرب إلى المتزمت و المغالِ والمنغلق، في ممارسته لدوره المنوط به، وله أنصاره ومحبيه
ما قام به [الشيخ مالك] تجاه (مناع وأخويه) ومحاربته لمن يخاطبونهم بإن الحرام، كسرٌ للصورة النمطية في أذهاننا.. 
واستعانته بامرأة (أمل عرفة) في حلحلة مشاكل كثيرة في الحارة، هو كسر للصورة النمطية التي عشعشت في أذهاننا..
موافقته وتشجيعه (للحب الطاهر) هو كسرٌ للصورة النمطية التي عشعشت في أذهاننا عن رجل الدين..
حتى أنه مرر رسائل حياتية بسيطة لكنها هامة، دعوته إلى العمل التطوعي مع (زبال الحارة) وحث الناس على هدم التصورات عن الزبال هو كسرٌ للصورة النمطية التي عشعشت في أذهاننا عن رجل الدين..
موقفه من حادثة [وردة بنت دومري الحارة] ولفلفة موضوع حملها من خلال الاتفاق مع الداية لتقوم ب(كف مغيب) عن الحارة وتشكيل جاهة والذهاب إلى والدها وطلب الزواج منها وعلنا أمام الجميع هو كسرٌ للصورة النمطية عن رجل الدين التقليدي في أذهاننا..
وغيرها الكثير من المواقف التي أبدع فيها الفنان (عباس النوري)!
و سواءا كانت “عن قناعة” أو “لغاية في نفس يعقوب قضاها” قدّم السينارست وبالتوافق مع المخرج من خلال المسلسل نموذجا لرجل الدين افتقدناه في أعمال درامية سابقة، ونحتاج هذا النموذج بالذات في تفاصيل حياتنا التي نعيشها واقعا، لأن الدين ليس مجرد سياق هامشي في حياتنا كبشر، إنما هو ومن يمثله بمثابة البوصلة لتقود  حياتنا بتفاصيلها الكثيرة وبجزئياتها الصغيرة إلى مسافات أوسع وأجمل..
اللافت في الأعمال التلفزيونية السورية، ان رجل الدين [ما قبل الحدث السوري] ليس هو رجل الدين [ما بعده]!!
لأن رجل الدين ما بعد الحدث هو الاكثر انخراطا في جزئيات وتفاصيل الحياة الاجتماعية للناس..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…