ياسر إلياس
جمال اللغة الكردية و عراقتها يظهران في قدرتها الأصيلة على تفسير اللغات الجارة و غير الجارة بدقة متناهية ، ما تستطيع اللغويات التأصيليةالمقارنة إنجازه أكثر أهمية من عمل التاريخي و الآثاري المحاصر بالمحددات السياسية المسبقة بحكم الواقع المفروض بالإكراه على المنطقة.
حديث ( لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله)
هذا ليس كلام قوم عاشوا في بطن الصحراء في القرن السادس الميلادي .
مفاهيم الزمان و التواقيت و ارتباطاتها العبادية و مفرداتها مقتبسة من الكردية و كذلك أسماء أسماء الله الحسنى العربية كلها محمولة على الثقافة الآفستانية الكردية.
الدهر : Da +Hor
خالق الشمس
أي العظيم
إبراز عظمة الله في قدرته العجيبة على خلق هذا الكائن الذي ارتبطت به الحياة و ديمومتها على الارض( الشمس) التي تحتل مكانة مركزية في الديانة الكردية .
كلمة دا ، Da , لها شأن كبير في اللغة الكردية القديمة
و تأثيراتها على لغات العالم من بعد .
تأتي أحيانا كبادئة و أحيانا كلاحقة بمعنى ( خالق، واهب، معطي، الله )
نظير الكلمة السابقةفي اللغة الكردية الحديثة
Dahol
Da+hol
خالق الهول و هو هذا الصوت الضخم الصادر من الطبل
و أحياناً تأتي في نهاية الكلمة :
چايدان ، چايدا ( إبريق الشاي)
موجودة في اسم بغداد الكردي أيضاً
بغداد التي أصبحت الآن إحدى عواصم العروبة .
Bax+dad
جنة الله – بستان الله
موجودة في كلمة God الإنكليزية
الإنكليزية التي كلما عدت بها إلى الوراء ( الانكليزية القديمة ) تصبح كأنك تقرأ في اللغة الكردية .
موجودة في كلمة donation، الانكليزية ( تبرع )
أعطى : دا Da
في : xweda
آهورامازدا
الخ
جاء في سورة الإنسان ( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)
يختلف اللغويون العرب في كتب التفاسير على معاني تلك الكلمات )
( بكرة و أصيلاً ) كردية خالصة ليس فيها صوت سامي واحد
Bûk+ hor
حلول الشمس ، حياة الشمس ، ولادة الشمس
من Bû , Buwet, Bûbûn
ولادة
كلمة كردية آفستانية موجودة في معظم لغات العالم
مثل : Biology
Bio
Biography
بمعنى ولادة
كما إنها موجودة في كلمة ( Antibiotic) ضد الحياة
مضاد حيوي مؤلفة من كلمتين و الكلمتان كرديتان خالصتان حثيتان آفستانيتان ente+ bio
و عليه ف( بكرة – باكراً ) من ولادة الشمس صباحاً
بالكردية Sibehî bûhorê te dibînim
أراك غداً من طلعة الشمس
أما كلمة( أصيلا ) فهي من As + hila
As: الوقت قبل المغيب
مصير الشمس أفقيةوقت المغيب
Hila-hilatمستوى ارتفاع الشمس وقت العصاري
موجودة في كلمة Rojhilat
روژهلات
Hilanîn: من الكلمات الأضداد
فتكون : – بزوغ – حلول -للارتفاع- و الانخفاض- وضع أرضاً – خلع – أخذ بعيداً – و ارتفع الخ
و هي نفس كلمة ( الأهلة ) الواردة في سورة البقرة
التي عجز المفسرون عن تحديد معناها
((و يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس و الحج))
و المقصود بحسب معنى الكلمة باللغة الكردية
هلة ، هالة الشمس و القمر : ظهور ضوئهما
انبثاق نورهما : لأنه بظهور نوريهما تتحدد كل المواقيت
التي تحدث عنها القرآن .
Hilatina rojê u hilatina mehê(tava heyvê)
بنور الشمس و القمر تتحدد مواقيت العبادات و مختلف الطقوس الدينية .
و الهلال أصلا ليس ذلك الشكل القوسي للقمر و لكنه بحسب معنى الكلمة في الكردية هو الشروق و البزوغ و الانبثاق( ذاك النور الذي تعكسه أشعة الشمس على القمر ) و سمي ذلك القوس بالهلال لتزامن ذلك الشكل الهندسي مع وقت البزوغ( hilatin)
بكرة و أصيلا : أي من الصباح للمغرب .
و كلمتا ( جهاراً نهاراً ) كلها كردية خالية من أي صوت عربي
و هو أن العرب يقولون : فعل كذا جهاراً نهاراً
أي علناً في غير خفاء .
من Cih + hor
أي فعله تحت ضوء الشمس في مكان متعرض للشمس
Cih: مكان
Hor: شمس
و بالكردية يجب أن نقول : cihorkî kir
و نهاراً من nuh +hor
Nuh, nih, nēh
في اللغة الآفستانية بمعنى down
تدل على الملاصقة و القرب
لم يعد خافياً أن كلمة Hor : شمس
الكردية أساسية في بنية الثقافة العربية
شهر
سحر – فجر – ظهر – عصر – نهار
قمر – بدر – الخ
كما الأساس للكلمات الدالة على الإشراق و التألق ك:
زاهر – باهر – شاهر – مشهور – الإشهار – ظهور – ظهر
كل الكلمات السابقة مرتبطة بالشمس ( Hor) لتدل على الوضوح و الجلاء و التألق أو البروز .
سهر ، ( ساهر : أي يقظ كأن الشمس لم تغب ) لأن الإنسان يبقى يقظاً مادامت الشمس فإن غابت نام بنومها .
و هذا نسق معرفي مطمئن مستقر متعلق بنظرية المعرفة في امبراطوريات كردية كالحيثية و الميدية استمرت لآلاف السنين قبل الميلاد امتازت بوحدة سياسية وثقافية ديمغرافية متنعمةولم توجد في بيئة صحراوية قاحلة قبلية مفتتةمفرقةكانت تشبع يوماً و تجوع عشراً زحفت على كردستان في القرن السابع الميلادي فكانت على عجلة من أمرها فالتهمت الأخضر و اليابس من اللغة و المعتقدات و الطقوس و الثقافة نقلاً و ترجمة و تعريباً …الخ
أما كلمة ضياء فهي من الكلمات الكردية القديمة أيضاً
موجودة في الإنكليزية Day : بمعنى اليوم نسبة لمعنى الضوء فيها ، موجودة في معظم لغات العالم
مصدرها اللغة الكردية القديمة Avestan dava-
لا تزال موجودة في الكردية الحديثة و أصبحت تدل على اليوم السابق ليومنا ( deho) deh
كما اتخذت تحويراً آخر في الكردية لتدل كذلك على معنى الكي ( dax) نفس هذا التحور موجود في الجرمانية dheghبمعنى الاحتراق .
كلها كلمات كردية خالصة ليس فيها صوت عربي
و لولا ضيق الوقت و الانشغال و الضن بمثل هذا على صفحات الفيسبوك التي يكثر فيها القص و اللصق لسال القلم بالكثير ، لكن مثل هذا يحتاج إلى تعاون و تضافر مراكز و مؤسسات كردية تبذل الغالي و النفيس من المخفي في تاريخ و ثقافة و تراث أمتنا العريقة .
اقرأ مادة ( هدى ) في معجم الدوحة التاريخي أدناه:
https://www.dohadictionary.org/dictionary/%D9%87%D8%AF%D9%89
و عطفاً على مادة ( هدى )
لماذا يتجاهل العرب دائماً المصادر الدينية و اللغوية و الحضارية و الآثارية التي تسبق آثارهم ؟
لماذا قرأ العرب الآفستا حرفاً حرفاً و على أساسه أقاموا نهضتهم اللغوية و فلسفتهم الدينية و الفقهية ، ثم حرقوه و دمروه و حظروه و نكلوا بأتباعه و معتنقيه في نفس الوقت !؟
وردت هذه الكلمة في القرآن ٩١ مرة ، و ورد ذكرها في بضع أبيات من الشعر العربي المنسوب إلى الفترة الجاهلية ٣٠٠- ٤٠٠ م .
و مع أننا نميل إلى رأي الدكتور طه حسين في انتحال معظم الشعر الجاهلي أو جله على يد الرواة في العصر العباسي ( لأسباب استيطانيةو دينية و سياسية و اقتصادية و اجتماعية و قبلية و نفسية الخ الخ ) كما شرح ذلك طه حسين في كتابه (في الشعر الجاهلي )، فلا يبقى إلا القرآن و الذي لا يتجاوز زمنه ١٤٠٠ سنة، فلماذا تجاهل النص الآفستاني الزرادشتي الذي يسبق القرآن ب ١٣٠٠ سنة.
أليس واجباً على القائمين على مشروع تأصيل مفردات العربية في كيان قطر حديث النشأة الإشارة إلى النصوص الأقدم لمواضع ورود الكلمات بما يقتضيه حق التأليف الأصيل، و نزاهة العلم ، و تطبيق نتائج البحث بموضوعية بعيداً عن التحيز ، و التزوير ، و الفبركة انتصاراً لإيديولوجيا معينة تقف كالرقيب من وراء كل همسة و نبسة و جرة قلم على حساب الحقيقة .
هُدى
Huda:
benign munificent, belonging to good creation, possessing good sense, judicious.
الصفات الحميدة ، التحلي بالخلق الصالح ، امتلاك الحس السليم . أخيراً الحكيم لأن الهدى هو الله .
قاموس آفستا ( ص٥١)
جوزيف بيترسون.
Humaya: هوميهْ
: possessed of good , good ordinance , wise code of laws.
امتلاك الخير ، أوامر و قرارات الخير ، مدونة قوانين حكيمة.
هُوشِتِ : hushiti
Good abode , مسكن جيد
هويشته: Huyashta,
Well praised , well offered
قاموس آفستا ، ص ٥٢ جوزيف بيترسون .
كلمة Huda : بمعنى الرشاد ، الصلاح ، الاستقامة، التحلي بالأخلاق الفاضلة، الصفات الحميدة كلمة تتردد في الآفستا ، كما إن الآفستا تحفل بالكلمات التي تتضمن في شطرها الأول كلمة Hu : بمعنى: الخير ، المحبة، العرفان، الرشد، الإحسان الخ كما في الأمثلة التي أعقبت كلمة Huda هدى .
و من الواضح من الأمثلة أن كلمة Hu, Ho
لها شأن كبير في اللغة الكردية فقد سارت اللغة الكردية بعفو خاطرها على آثار الآفستا في تضمينها في بداية الكثير من الكلمات ك كلمة :
Hogir: صاحب ، صديق
Hi+ gir
Hoşeng: الحكيم، الفهيم ، البصير
Hi+ şeng
و أخيراً كلمتي تحية اللقاء و الوداع Hoben
Ho+ben
و
Homeyî
Ho+ meyî
اللتين اجترحهما الدكتور فيض الله الخزنوي استناداً على
معاني و أصوات و جذور كلماتنا الأصيلة بعد تأمل و استقراء و تمحيص دقيق لجواهر كنوزنا اللغوية في تراثنا العريق .
حديث (إِنما مثل الجليس الصالح وجليس السُّوء: كحامل المسك ونافخ الكير) معروف
الكِيرُ : جهاز من جلد أو نحوه يستخدمه الحدَّاد وغيره للنفخ في النار لإذكائها، والجمع أكْيَارٌ، وكِيَرَةٌ
الكير: (مصطلحات) بكسر الكاف جمع أكيار وكيرة ، زق يستخدمه الحداد وغيره للنفخ في النار لإشعالها = منفاخ. (فقهية)
كلمة كردية صرفة معربة عن
Gure
گوره
بمعنى مذكي النار
من Gurkirin
تذكية النار
Agir gur kir
ذكى النار
و صوت النار حين تلتهب : gur gur
انظر : نعمت علي سايه
كوردي عربي ، زاري كه لهورى يه ص ٤٥
مشط
………..
مشط: مشط الشعر ، مركبة من كلمتين كرديتين
Mû+ şe
موو+ شَه
Mû: شعر
(يأتي اسماً و فعلاً ) Şeمشط
أي
مشط الشعر بالكردية ( hairbrush)
Şekir: مشط
Şekirin: تمشيط
الكلمة ورد ذكرها في الآفستا .
معنى الكلمتين:
مشط الشعر
كثيراً ما تزاد التاء ( T) على صيغة الفعل في اللهجة الصورانية.
أما فرشاة فقد سبق التأصيل لها ، و الكلمة موجودة في الآفستا ( Dendan ferêsh) فرشاة الأسنان
فرشاة العربية مقتبسة من firşe
تلفظ كثيراً firçe
اقتبستها معظم اللغات الأوربية و منها الإنكليزية ( brush) و كل الكلمات الكردية دخلت للغات الأوربية عن طريق اليونانية و اللاتينية ، لأن اليونانيين و الكرد كانوا على تماس حضاري مباشر لآلاف السنين في الأناضول ، قبل الاحتلال التركي الطارئ له منذ ٨٠٠ سنة .
كلمة : şe
شًه
مشط
موجودة في firşe
فرشاة.
الجزء الأول من كلمة:
firşe
Firshe
فرشَه
Fir
أو
Vir
: مقطع صوتي كردي دال مسجل في الآفستا ، مؤصل سابقاً ،للدلالة على الفرك و الخفق، و الملامسة الحركية بالتمرير ، ناتج طبيعياً عن طريق الشعور بالاحتكاك
بين مادتين .
و من كلمة fir-vir
الكردية اقتبس الفعل العربي ( فرك )
يستعمل كردياً أيضاً حتى الآن مع اختلاف مواضع الوقف و الحركة ( firka) فرك.
مصدره في الكردية: firkandin
موجود في الإنكليزية بمعنى الاحتكاك ( friction)
و بقية اللغات :
Catalan: fricció
Albanian: fërkim
Corsican: friction
Danish: friktion
Esperanto: frotado
French: friction
Galician: fricción
Haitian Creole: friksyon
Hausa: friction
Latin: frictio
Malagasy : friction
Maltese: frizzjoni
Norwegian: friksjon
Romanian: frecare
Spanish: fricción
Swedish: friktion
Welsh: ffrithiant
تحرك جسم على سطح جسم آخر .
تمشيط منطقة ما : تفتيش، مسح ، الخ محمولة عليها بالنقل الاستعاري المجازي ضمن الحقل الدلالي لأصل معنى المشط .
مع ذلك سيأتي من يقول بأن أصل تلك الكلمات كلها عربية !مع علمه بأن الآفستا الكردية تسبق أقدم نص عربي ب ١٥٠٠ سنة أما المصادر الحيثية فحدث ولا حرج .
كل الكلمات السابقة و الكثير غيرها لا يمكنها البقاء فترة أطول خارج بطون المعاجم الكردية بسبب قصور الذهن عن مواطن ورودها ، أو الجهل بأصولها ، أو لمجرد اقتباس العرب أو غيرهم لها ،طالما تصدى علم اللسانيات في إماطة اللثام عن منابتها بالدراسة العلمية المحققة .
إذا بقي الكرد في دوامة تفسير العالم والحياة و الكون و اللغة و الحضارة و الدين وفقاً للروايات العربية المتأخرة (القرن ٨-٩) ميلادي المتمركزة بتعصب إيديولوجي عمدي منحاز حول العروبة( جغرافيا – شخوص- تاريخ – دين – لغة) وأن أن اللغة العربية صناعة إلهية
و أن اسماعيل أول من نطق العربية! و ما إلى ذلك من قصص مفبركة في العصر العباسي ،الشبيهة بالقصص العبرية ،فتلك طامة كبرى .
و إذا بقي الكرد بعيدين عن (الآفستا )و غيرها من مصادرنا اللغوية الحيثية و الميدية و الميتانيةليس كأم شرعية حصريةللغة الكردية بل كمصدر لثقافات العالم و لغاتها فسيتحولون إلى عبيد و رقيق لدى الأمم الأخرى وإن الأمة الكردية سيكون مصيرها الزوال و الانحلال و الانقراض.
العودة الجادة و الملحة و السريعة و الانعطافة الحادة للثقافة الكردية باتجاه الينابيع الزرادشتية العذبة هي قضية حياة أو موت فناء أو انبعاث و هذه الدعوة ليس لها صلة سببية بالمعتقد بقدر ما هي قضية نهضة متعلقة بمصير لغة و حضارة و تاريخ و علم و أدب يتوقف عليها كل ما بعدها .