ألفُ وصيّةٍ للورد

فراس حج محمد| فلسطين

ما بين كلِّ رصاصةٍ وجسدْ
يصنعُ الوردُ مسافته الأخيرةَ
يرتوي 
ويُطيلُ هذا السردُ عمرَهْ
***
ما بين كلّ هديل حمامتينِ 
قرقعةٌ عبثيةٌ مجبولةٌ بغبار طلع النائحاتْ
ضياءٌ مطلقٌ، ورحابةٌ، وسناً، ولحنُ أغنيةٍ على وترٍ شجيّْ
لهذا الوردِ في هذي الوجوه المسفراتِ
روايةٌ بيضاءُ في الإيقاعِ تعلو بانهمارِ “المرحمةْ”
تحِنّ لدقّة القلبِ الدقيقةِ
والرؤى مثل انبلاج نبيٍّ حاملٍ رؤيا السماءِ “الممطرةْ”
في وصايا عشرةْ:
الوردُ للونِ، واللونُ للهِ، واللهُ يسري في “الرياحِ العاتيةْ”
والريحُ رائحة وغادية مثل الظلالِ مزنّرةْ
والظلّ خطّ الشمسِ تكتبه جسرَ العبورِ “محرّرةْ”
والأرض سطرٌ في الحياةِ الشاهدةْ
والشهدُ يشهدُ أنّ روحَ الوردِ زيتونُ الجبالِ وطعمُ لبِّ الثمرةْ
والطعمُ هذا الطعمْ
لذّة مقصورة لتذوبَ في نهر الصفاءِ “مغامِرةْ”
والنهرُ يتلو الحكمةَ الجُلّى على الخلائقِ “جامعةْ”
والضوءُ متّصلُ الغناءِ، يشعُّ أنغاماً يُعرّفُ في “السماءِ السابعةْ”
ألفٌ من الآلاف هائمة تُعَمّدُ نفسها برحيق وردةْ
واللذّة الكبرى انتباهُ الروح في عليائها
تُروى بنورِ سنائها
ترضى بحبّ حبيبها فتعيدُ للأحياءِ وجْدَهْ
***
ما بيننا شيءٌ تبقّى؛ سرونا الممتدّ فينا 
مثل مدّ سحابةٍ رجراجةٍ تهمي
ليكتبَ سرَّه الوعدُ الإلهيُّ العميقُ في دمنا 
فجرَ ارتفاع صوت المئذنةْ
ويلقي الساجدون على الرمالِ آخرةَ التعاليم المهيبةِ
تشربُ زهرة من عطرنا كأساً تَنفّسُ في الصباحِ تدفُّقَهْ
***
ما بيننا لغة مفهومة من كلّ ما يحوي الترابُ
من الحقيقة والخيالِ يحومُ حولَهْ
لغة لها شكل امتداد اللحم في شريان طفلةْ
ما بين معناها المخبّأ في الغيومِ وبيننا
أحلامُ سنبلةٍ تهدهدُ خيلَهْ
وتفيض سبعاً ثمّ سبعاً، سبعمائة ضعفِ جَوْلةْ
تُسرّحُ في اشتعالِ النارِ ظِلّهْ
ما بين كلّ رصاصتينِ جديدتينِ قادمتينِ من “غول البلادْ”
يستعيد الوردُ شكلَهْ
ما بين كلّ رصاصةٍ وخليّة ومسافةٍ، وحشٌ بدائيٌّ
تفرّدَ بانتقاءِ الوردِ، تنبت ألفُ وردةْ
ما بين كلّ وصيّة ووصيّة للوردْ
تشتدّ أنفاسُ الرحيقِ بكلّ صولَةْ
لا شيء ينفع غير هذا الوردِ في دمنا 
حنينٌ “كامل الأوصافِ” نعزفه ليظلّ مرويّاً 
كنرجسةٍ
قرنفلةٍ
وفُلّةْ
صلّى الإلهُ على الحقولِ مباركاً أمواجها في كلّ جُملَةْ

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…