ثعلبيات «قصص قصيرة جداً»

إبراهيم محمود

1
قرَّر الثعلب أن يصبح كاتباً. لم لا، هو ليس أقل موهبة من سواه. لكنه لم يخط حرفاً. إنه يحتاج إلى من يزكّيه، ومن يشهد أنه كاتب بالفعل. لمعت في رأسه فكرة. التفت إلى الوراء. كان ذيله يتمروح. صاح: وجدتها: هوذا ذيلي، هو من سيشهد لي بأني كاتب !
2
أول قصة كتبها كانت تدور حول الدجاج. أكثرَ فيها من ذكر الدجاج. أنساه ذلك أنه بصدد كتابة قصة. استرسل وراء خياله وهو يقبل على أكل لحم الدجاج بنهم، وسال لعابه كثيراً، وقلمه معلَّق في الهواء .
3
في قصة أخرى كتبها، نصب نفسه حاكماً على المدينة، وجعل كلاً من الأسد والنمر والضبع والذئب حماة للحدود. وأبقى ضبط السوق من مهام الحمار وحده، وكان عليه أن يختار له مستشارين، فاقتصر على كل من القرد وابن آوى.
4
سمع الثعلب بأن هناك مسابقة أعلنها الأسد لاختيار أجمل مديح في وصفه. قال الثعلب: أنا لها. مثلَ بين يدي الأسد، واستهل مديحه بذكر عظمته، ثم ربط العظمة بطيب لحم الدجاج، ونسي أنه ماثل بين يدي الأسد الذي أغاظه قول الثعلب، فأمر برميه إلى الخارج قبل أن ينهيه بضربة واحدة. استغرب الثعلب فعل الأسد فيه، وهو يقول: يا للخرفان، لقد وصفت له أطيب وأشهى لحم في العالم !
5
وجد الثعلب نفسه في مواجهة أفعى أناكوندا، ولم يكن له من مفر. استدعته حيلته المعروفة، أن يصطنع الموت، فيبعد عنه الأفعى العملاقة. وجمد في مكانه، كما لو أنه ميت من زمان.استساغت الأفعى صورة الثعلب، وهي تسحبه إلى داخلها. حاول الثعلب التحرك دون جدوى. كان محصوراً في معدة الأفعى.
سمع الثعلب بلعبة البوبجي،ففتنته، وقد قيل عن أنها تعتمد على الذكاء والفطنة. وبالفعل، فإنه حقق تقدماً كبيراً، وأثار ذلك انتباه المعنيين باللعبة، وطلبوا منه أن يمنح نفسه راحة، ويتناول الطعام. حيث عزموه إلى مطعم. وصدم حين رأى أن أغلبية زبائنه من الكلاب،فضعفت شهيته، وتكررت الحالة، ولم يستطع التركيز على اللعبة، وما كان عليه في النهاية إلا أن ينصرف زاعماً أن طعام المدينة ثقيل على معدته.
تصفحَ الثعلب إحدى مجلات السينما، فأثارته صور منشورة فيها لحيوانات مختلفة، وقرر أن يصبح نجماً سينمائياً، ووجد ضالته في إحدى الشركات الخاصة بها، حيث عرض مواهبه وحركاته، ونال إعجاباً. 
فوجىء الثعلب بأن المخرج هو ابن آوى، فأغاظه ذلك محتجاً كيف لابن آوى أن يكون مخرج فيلم يمثل فيه ثعلب. ورغم ما قيل له بأن هناك حيوانات كثيرة لا تحتج على ذلك، إلا أنه استمر في مقاطعته، وغادر حانقاً، وهو يردد بغضب: كيف أخضع لتعليمات من هو دوني مقاماً؟
8
في فيلم سينمائي هوليودي يعتمد على الخفة، كان هناك مشهد سيرك، وفيه ثعلب، أريدَ منه أن يقوم بحركة، تكسب الفيلم نجاحاً كبيراً، حيث أوجِدتْ طاقة مفتوحة في الجدار تعلو عدة أمتار، ولم يكن في مقدور الثعلب القفز إلى هناك صوب الخارج.
لكن فجأة، جاء القفز في غاية المهارة. لقد جيء بكلب ضخم، دون إظهاره للمشاهدين، ارتعب الثعلب لمرآه، ولم يعرف كيف طار في الهواء قافزاً إلى الخارج عبر الكوة تلك. 
9
لطالما سخر الثعلب من الأسد، وهو يتباهى بجحوره السبعة، بينما لا يملك الأسد أي ملجأ يحتمي به. وهو يشاهد في العراء دائماً.
وأطلق ضحكة في الهواء المحيط وهو:
أستطيع أن أتنازل عن أحد جحوري له، شريطة أن يكون تابعاً لي.
10
تنافس الثعلب والذئب على رئاسة أحد المجالس في المدينة.
دخلا في نقاش مفتوح على الهواء مباشرة.
كان الثعلب متحمساً، وأظهر تفوقاً على منافسه.
فجأة لم يستطع المتابعة، وهو يتلمظ وقد سال لعابه.
لقد شوهدت لوحة مرفوعة في مواجهة الثعلب، تمثل دجاجة ثمينة، رفعها أنصار الذئب.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيرين خليل خطيب

في أيِّ مجال إبداعي، أو أي حرفة تعتمد على الحس والموهبة، يظهر أشخاص يظنون أن بإمكانهم اقتحام هذا العالم لمجرد أنه يعجبهم أو أنهم يحلمون بالانتماء إليه. لكن الحقيقة المُرَّة التي مهما حاولنا تجميلها، هي أن بعض الطرق لا تُفتح لكل عابر، وأن بعض الفنون تحتاج إلى موهبة أصلية أو حد…

خالد بهلوي

اختُتمت الدورة الإلكترونية لتعليم كتابة سيناريو السينما الكردية، التي أُنجِزت بإشراف الدكتور جاسمي وزير سَرهَدي، البروفيسور في المسرح والسيناريو (الدراما الهوليوودية)، والمدرّس السابق في جامعة صلاح الدين في هولير، والحاصل على عدة جوائز دولية في كتابة السيناريو السينمائي.

قدّم الدكتور الدورة على مدى عشرة أسابيع، تناول فيها موضوع الدراماتورج وبنية القصة الدرامية، إضافة إلى محاور…

ا. د. قاسم المندلاوي

في هذه الحلقة نقدم للقارئ الكريم نبذة مختصرة عن فنانين آخرين، احدهم من غرب كوردستان، الفنان الشهيد يوسف جلبي، الذي تعرض الى ابشع اساليب الاضطهاد والتعذيب من قبل السلطات السورية الظالمة، وخاصة بعد سيطرة نظام البعث سدة الحكم عام 1966. فقد تعرض الكثير من المطربين والملحنين والشعراء الكورد في سوريا…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…