إتقان القول أم العناية بالمعنى؟

ابراهيم البليهي

كان اليونانيون مأخوذين بتأثير اللغة لذلك تطورت لديهم الخطابة فاهتم السفسطائيون بتعليم شباب أثينا قدرة المحاججة والخطابة وبلغ من تعظيم اليونانيين للقدرة الخطابية إلى أنهم كانوا يستخدمون مصطلح اللوجوس لوصف القدرة الكلامية ولوصف العقل ذاته فكأن القدرة اللغوية مرادفة لقدرات العقل ….
ثار سقراط ضد هذا الخلط فكان يرتاد تجمعات الناس ويطرح عليهم تساؤلات ويطلب منهم تعريف وتحديد ما يقصدونه حين يطلقون المفاهيم والمصطلحات ….
ورغم بلاغة افلاطون المتناهية فقد التزم بموقف سقراط وظل يطالب بالعناية بالمضمون والتركيز على المعنى مؤكدا أن اللغة مجرد وسيلة لنقل المعنى ….
لكن أرسطو أعاد العناية باللغة فألَّف عن الخطابة كما ألَّف عن البلاغة واحتفى كثيرًا باللغة معارضا أستاذه افلاطون ومعلم الجميع سقراط ….
ولأهمية الجمع بين قدرة الفكر وقدرة الافصاح فإن الملك المقدوني فيليب قد استقدم أرسطو وكلفه بتربية وتعليم ابنه الاسكندر فتلقى عنه الفلسفة والقدرة الخطابية …..
وظلت الفلسفة الغربية منقسمة بين من يركزون على المعنى ومن يركزون على القدرة الكلامية فكان فلاسفة المعنى هم :
افلاطون ، أبيلارد ؛ أوكام؛ راموس ؛ ديكارت ….
أما المهمون بالبلاغة فيأتي في مقدمتهم أرسطو ثم شيشرون وآخرون …..
وقد ألَّف الفيلسوف الروماني شيشرون كتابا عن الخطابة بعنوان ( الخطيب) ورغم ميله الشديد إلى تأكيد القدرة التعبيرية فإنه يؤكد : (( إن كان علي الخيار بين الصفتين فلابد أن أُفَضِّل الإدراك السليم بلا فصاحة على الحُمْق الفصيح )) 
الأكيد أن المضمون هو ما يجب أن يهتم به الجميع مع العناية قدر الإمكان بأناقة الأسلوب فاللغة لباس المعنى ولا شك بأهمية المظهر بقدر أهمية المخبر ……..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

علي الوَرْدِي ( 1913 _ 1995 ) عَالِم اجتماع عِرَاقي ومُؤرِّخ . اهتمَّ بِتَحليلِ شَخصيةِ الإنسانِ انطلاقًا مِنْ حَقيقةٍ بسيطة ، وَهِيَ أنَّ الإنسانَ لَيْسَ كائنًا نقيًّا ، ولا شِرِّيرًا خالصًا . إنَّه يعيشُ مُمَزَّقًا بَيْنَ مَا يُمْليه المِثَالُ ، ومَا يَفرِضه الواقعُ . وهَذا التَّمَزُّقُ…

صبحي دقوري

يُعد جاك دريدا من أبرز الشخصيات التي أحدثت ثورة فكرية عميقة في مسارات الفلسفة المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بفهم النصوص، وبنية المعنى، وحدود وجود الإنسان في إطار اللغة. لقد قدم مشروعه التفكيكي ليس كطريقة منهجية ثابتة، بل كحساسية فكرية تعبر عن التشكيك في كل ما يُعتبر بديهياً، أو مكتملًا، أو نهائيًا. وبالتالي،…

خالد حسو

الأغاني والأهازيج الكوردية، والرقص الجماعي الذي يتجلى في تماسك الأيدي خلال الدبكات الكوردية، ليست مجرد طقوس فنية أو تعبيرات عن الفرح، بل هي شهادة حية على حيوية هذا الشعب وإرادته الصلبة. إنها دليلٌ واضحٌ على حبه العميق للحياة، وسعيه المستمر للعيش بكرامة وسعادة، رغم كل مظاهر وأشكال الظلم والطغيان والاستبداد التي حاولت…

سمكو عمر لعلي

مقدمة

لم يكن الحاج أحمد ملا إبراهيم مجرد اسم عابر في تاريخ الحركة الكردية، بل كان رمزًا للنضال والمثابرة من أجل قضية شعبه. وُلد عام 1923 في بلدة عين ديوار، التي تقع اليوم ضمن الحدود السورية، لعائلة مناضلة تمتد جذورها إلى شرق كردستان من اقرباء سمكو اغا الشكاك ، حيث كان والده الملا إبراهيم…