إبراهيم محمود
هي قصيدة..
ما أن تسمّي الشجر شجراً
حتى تنفتح شهية الشجر للترحيب بها
حتى يسارع إلى زيارتها
وهي في عليائها
حتى تكتسب القصيدة رواء الخضرة
وتترنم ظلال بين سطورها
****
هي قصيدة
ما أن تسمّي النبع نبعاً
حتى يطرح النبع عنه مباذله المائية
حتى يخرج طليقاً رشيقاً
عارياً كالحقيقة
سامياً كالبراءة
من داره الصخرية
حتى يطرق باب القصيدة
ويُلبِسها أعذب سلسبيل له
فتكتسب القصيدة مناعة ضد أصناف العطش
تكتسب القصيدة صفاء حلْم النبع
رونق استلقائه في الشمس المجنحة بنورها
***
هي قصيدة
ما أن تسمّي الجبل جبلاً
حتى يهتف الجبل فرحاً: وجدتها !
يميل بكامله صوبها
يبتسم بكبريائه لها
يحضنها بكل شعابه
يحيطها شغفاً بأعالي أصوله الأرضية
يصل بها إلى ذروة تعانقها نجوم
تتنشط القصيدة
تستشعر هيبة الجبل منسكبة في شرايينها
***
هي قصيدة
ما أن تسمّي السماء سماء
حتى يفتر ثغرها عن جموع مجرّاتها
تلوّح لها براحتها الرحبة
تغدق عليها بلاتناهي مداها
تشهق القصيدة انتشاء
تتسلل السماء إلى داخلها
تتمدد القصيدة وملؤها تلذذ
بحلول سماء لا تجارى طيّ كلماتها
***
هي قصيدة
ما أن تسمّي السهل سهلاً
حتى يتنشط السهل طفلاً تداعبه النجوم
يستقيم بكامل خصوبته
يرفع لها ساحات من طرب جهاته
تكتسب القصيدة ثراء المقدَّم من عافية السهل
تتقافز إلى مسالكها أصناف الأعشاب
النباتات بأهوائها
المنحدرات بتثاؤباتها
التخوم الدغلية باحتياطي ذاكراتها
***
هي قصيدة
ما أن تسمي البحر بحراً
حتى يرتعش البحر مجدّداً نشاطه
يخرج بكل حيتانه وأسماكه
رامياً بنفسه في حضنها
شواطئها تلبِس القصيدة من زهو الأمواج أردية ندية
تبصر القصيدة ما وراء الأعماق
الشطآن ترمي حلتها الذهبية عليها
الأمواج تهتف: امخري عبابنا بسلام حتى مطلع السرمدية
***
هي قصيدة
ما أن تسمي الضواري ضوار ٍ
حتى تتسابق فيما بينها
تتمسح أسود، نمور، ضباع، وذئاب
بأذيال القصيدة
ترقص فرحاً هازة رؤوسها طوعاً لها
تهبُها أرطالاً من حرارتها الجسمية
وفورات من بأسها
تنافسها تماسيح وهي تتوسل ابتسامة منها
تمد القصيدة ضلوعها على الجهات كافة
***
هي قصيدة
ما أن تسمّي الإنسان إنساناً
حتى تأخذه رجفة حمّى غير مسبوقة
حتى ينصدع من عاليه إلى أسفله
حتى يبث القصيدة في المجمل
مخزونه من شوك، قطران، استفزاز،
من تهديد ووعيد
تتملك القصيدة غرابة
تدوخ القصيدة في رعب المرئي
تفقد القصيدة توازنها
بالكاد تبصر القصيدة ما هي فيه
بالكاد تستعيد وعياً متبقياً منها
و…تنتحر في أرضها