التعلُّم من خبرات الحياة

ابراهيم البليهي

 إن اضطرار الأجيال الجديدة للانخراط في متابعة التعليم في مختلف مراحله: لا يُكسبهم اختلافات نوعية في الرؤية وفي مهارات التفكير عن الذين لم يلتحقوا بالتعليم ففي الوقت الذي يُلزَم فيه الدارسون في حفظ معلومات متنافرة تنتقل من سرد وقائع التاريخ إلى مسائل الرياضيات والكيمياء والفيزياء وغيرها مما لم يشعروا هم أنفسهم بالاندفاع إليه ولا التلذذ به فبينما يكون الدارسون يتجرعون مواد اختارها لهم غيرهم وأُلزموا بحفظها يكون الذين هم خارج مؤسسات التعليم يمارسون العمل فعلا في مدرسة الحياة فيكتسبون من النضج ومهارات الأداء وحكمة الحياة ما لا يتاح للدارسين أن يتعلموه بإلزامهم بحفظ معلومات متنافرة. 
إن الإنسان كائن تلقائي والأصل في معارفه أنها تأتي استجابة تلقائية لاحتياجاته ودوافعه وأشواقه النفسية ومتطلبات عقله فبناء قدراته مشروط بممارساته وباحتياجاته ودوافعه وتطلعاته وآماله وما يعترضه من مشكلات وما تتمخض عنه ظروف العيش التي تحيط به.
 إن الإنسان لا يتغير منهج تفكيره لمجرد أن يدفعه أهله للانخراط في التعليم وإنما يتعلم حين تجتاحه تساؤلات عميقة حادة كتلك التي اجتاحت ديكارت ودفعته إلى الاستقصاء بنفسه عن الإجابات الممكنة …. 
إن مواجهة ظروف الحياة بوعي وتساؤل وتمحيص هي المدرسة الحقيقية. ولكن لأن تعميم التعليم في مؤسسات تعليمية وربط التوظيف في اجتياز التعليم طارئ على المجتمعات لذلك شاعت أوهام عن وجود تميُّز نوعي بين الذين اجتازوا التعليم والآخرين الذين واصلوا الانخراط في مكابدة الظروف والتعلم من هذه المكابدة. تتكشف المفارقة حين تقرأ قصيدة نبطية رائعة تزخر بالوعي والنفاذ وحكمة الحياة مقابل سذاجة صارخة تنضح بها عقول الكثيرين من الذين يفخرون بشهاداتهم الدراسية. إن المعرفة العميقة الممحصة لا يمكن اكتسابها إلا باشتعال الهم المعرفي داخل الذات أما التعلُّم إلزامًا أو اضطرارًا فهو عقيم النتائج مهما رافقه من ضجيج ومهما تمخض عنه من انتفاش فارغ ….. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

رضوان شيخو

يا عازف العود، مهلا حين تعزفه!
لا تزعج العود، إن العود حساس..
أوتاره تشبه الأوتار في نغمي
في عزفها الحب، إن الحب وسواس
كأنما موجة الآلام تتبعنا
من بين أشيائها سيف ومتراس،
تختار من بين ما تختار أفئدة
ضاقت لها من صروف الدهر أنفاس
تكابد العيش طرا دونما صخب
وقد غزا كل من في الدار إفلاس
يا صاحب العود، لا تهزأ بنائبة
قد كان من…

ماهين شيخاني

الآن… هي هناك، في المطار، في دولة الأردن. لا أعلم إن كان مطار الملكة علياء أم غيره، فما قيمة الأسماء حين تضيع منّا الأوطان والأحبة..؟. لحظات فقط وستكون داخل الطائرة، تحلّق بعيداً عن ترابها، عن الدار التي شهدت خطواتها الأولى، عن كل ركن كنت أزيّنه بابتسامتها الصغيرة.

أنا وحدي الآن، حارس دموعها ومخبأ أسرارها. لم…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

فَلسفةُ الجَمَالِ هِيَ فَرْعٌ مِنَ الفَلسفةِ يَدْرُسُ طَبيعةَ الجَمَالِ والذَّوْقِ والفَنِّ ، في الطبيعةِ والأعمالِ البشريةِ والأنساقِ الاجتماعية، وَيُكَرِّسُ التفكيرَ النَّقْدِيَّ في البُنى الثَّقَافيةِ بِكُلِّ صُوَرِهَا في الفَنِّ، وَتَجَلِّيَاتِها في الطبيعة ، وانعكاساتِها في المُجتمع، وَيُحَلِّلُ التَّجَارِبَ الحِسِّيةَ، والبُنى العاطفية ، والتفاصيلَ الوِجْدَانِيَّة ، وَالقِيَمَ العقلانيةَ ،…

إبراهيم اليوسف

الكتابة البقاء

لم تدخل مزكين حسكو عالم الكتابة كما حال من هو عابر في نزهة عابرة، بل اندفعت إليه كمن يلقي بنفسه في محرقة يومية، عبر معركة وجودية، حيث الكلمة ليست زينة ولا ترفاً، مادامت تملك كل شروط الجمال العالي: روحاً وحضوراً، لأن الكلمة في منظورها ليست إلا فعل انتماء كامل إلى لغة أرادت أن…