غريب ملا زلال
خبات حسن إبن مدينة القامشلي، ولد فيها عام 1985، لينتقل إلى دمشق و ينال من إحدى ثانوياتها الشهادة العامة ( الباكالوريا )، و يسافر بعدها إلى أوكرانيا لإكمال دراسته، لكن ظروف الإغتراب تدفعه إلى العودة، أصيب فيما بعد بجلطة دماغية أجبرته الجلوس على كرسي متحرك، لكن الحياة لم تسود أمام عينيه و روحه لم يقلل من عدد شهقاتها، و قلبه بقي يدق للحياة، كل ذلك لم تلن من عوده، بل بقي مثابراً على الحياة بكل نبضها، و تحول الأمر له إلى تحد للظروف، و لنفسه، فهو قادر أن يكون كما كان يشتهي، لم يستكن، بل بدأ التحدي يغلي في دواخله و بأنه أكبر من كل العوائق مهما كانت حجمها، فإزداد إندفاعه نحو الحياة و تثبيت الذات أكثر، و بأن ما تعرض له لا يمكن أن تؤخره لتحقيق ما كان يحلم به، فكل إنسان فيه ما يعيقه عن تحقيق حلمه إذا ركع لها و لم يفعل من أجل تحقيقها أي شيء، و بمعنى ما فإن خبأت لم يفقد ذاته، بل عاد ليكتشفها من جديد، فوقف أمام مرآتها، مفتوناً بإرادته، و شديد الإعجاب بالمشاهد التي يراها،
فالحقيقة لا تخفى، بل تقال و عليه أن يقولها ليكون، ليخطو نحو عوالم تنتظره لتحتويه و أفكاره التي باتت هي تصوراته و إن بشيء من التكثيف، و العوالم تلك مهما كانت متماسكة أو متناقضة فهي تؤكد بأن من يخطو إليها تخطو إليه على نحو أكثر، ففيها من التحولات ما يجعل المرء يتمسك بالتكوين الأول للذات، حيث المشاهد قد مر فعلاً بعمليات هي التي ستشكل النفس أو بما يمكن أن نطلق عليه العملية النفسية التكوينية و الكشف عن الأحداث الممكنة بإستعادة اللحظات المبكرة منها و اللاحقة في تشكيل و تكوين الأنا، فخبات أعيد و أقول لم يفقد ذاته بل أصر أن يعيد كشفها بكل تكويناتها الجديدة، فكانت الريشة و الألوان إحدى أدواته في ذلك، و لفتت الأنظار إليه و بدهشة و إعجاب و هو يرتب زمن و حياته، و يقول قوله و فعله بلغة فنية عابرة للمكان و الإنسان، بلغة مكسوة بالحب و الجمال و بكل سوائل الروح .
خبات حسن مذ كان طفلاً و هو معجون بالفن، و كأنهما توأمان ولدا معاً، لم يتخل أحدهما عن الآخر مهما كانت الظروف قاسية، بل أحدهما يُحْيي الآخر و يتحول إلى سند له في الأوقات الحرجة و في المنعطفات الصعبة، و ما أكثرها في هذا الزمن المر، و لهذا ما إن تعرض خبات للوعكة الصحية الثقيلة إلا و كان توأمه بجانبه، لم يبرحه لحظة، رافعاً من معنوياته و التي هي عالية أصلاً، لم يبتعد عنه بل تحول إلى أدوات بين يديه، به يعيد ترتيب حياته من جديد، الحياة التي يصر خبات بأنها جميلة و تستحق أن تعاش، ففيها من الطيب ما يكفي شهيقنا و زفيرنا رغم الخراب المستعر في كل مفاصلها، و لهذا فهو لا يبتعد في لوحاته عن أسلوب محاكاة الواقع بلغته، و برؤيته الذاتية علّه بها يتجاوز المألوف، يبتعد عن الطبيعة مهما كانت تحولاتها مغرية، يقترب من الإنسان و من علاقاته البنائية مهما كان ذلك مؤلماً، يعطي حصيلة إنتاجه له، و به يشعل مساحاته البيضاء، محتفظاً بحركة قوية في روحه قد يحتاجها في كل عمل، حركة أشبه بجوكر في الألعاب المعروفة، يستعملها خبات بذكاء و في الوقت الذي يشاء، ما يجعله يحول الإنفعالات و المشاعر إلى واقع ما يخصه هو، يقتبس من التاريخ، و من الشخصيات ما يخدم خطه الذي يشتغل عليه، حالماً بالوصول إلى ما يميزه على نحو أكثر، فالعمل بحب و عشق لا بد أن يثمر، و شجرة خبات ليست عارية، بل مورقة، و ستثمر في موسمها و سيكون المحصول وفيراً و شهياً، و هنا يمكن القول بأن ما يعمل عليه من تسجيل لحظات مرئيّة و تقديمها في صور مسطحة و عبر درجة لون ما مع درجة من ضوء عبرها ستعكس مهمته و ما يبذله في إيقاظ الإدراك البصري لمتلقيه، فهو الأقرب إلى المسالك التي يراقبها بحذر شديد ليوقظها في الوقت الذي يشاء، ليسير فيها و هو يحدثنا عن الوجوه المغطاة بالنوافذ، عن المشاعل المختنقة و إلزامها ما لا طاقة لها، فهو الأقرب إلى الجزء المتحرك الأصلح للبقاء، الجزء الذي يعي حاجته إلى ذاكرة نشطة، قادرة على استيعاب سمات أشكاله الفنية، كاشفاً بها بعض العقول المتأملة إحساساً خاصاً بالجمال، المتفقة مع سلوك التذوق الفني و التفضيل الجمالي لدى متلقيه، نعم هو أقرب إلى اللعب المميز لكائنات أعلى تطوراً مقارنة بالكائنات الأقل تطوراً، من حيث التنوع و الإختلاف و من حيث المتغيرات التي تساهم في تبايناتها و الاستمتاع بها و هي ترتقي بتركيباته و معرفته و ثقافته، منها إلى الجزء الصامت الذي يحتاج دوماً إلى تجديد الحيوية و الروح فيه، و هذا يجعله بالضرورة أن يبحث عن الخصائص الإنسانية الفردية للبشر و التوكيد عليها في كل حين .
خبات حسن يسعى بذاته نحو خرائط اللامألوف، و يشعر بثقة في قدرته على القيام بأشياء جديدة، و الهدوء و السكينة من الأمور المهمة لديه، رغم أن أعماله غير ذلك، ففيها من الصخب و الوجع ما يزيد ذلك التداخل الإنساني المؤلم فيها، و هو قادر على تنظيم ما يراه عبر وحدات بصرية متماسكة قابلة للتحديد، و هذا ما يساعده على تشكيل مشهده و إدراكه بسهولة، و يلعب الحاجات الإنسانية القريبة منها و البعيدة كعوامل متاحة له لإضفاء معانيه عليها، و هذا ما يخلق حالة من التوازن المناسب بينها، و بالضرورة يعكس ذلك حالة من الإندماج في كثير من جوانبها، و على نحو أكثر بين مفرداته ذات المنحى الكولاجي المرتبط بفكرة الملاذ أو ما يساعد على الإستجابات الجمالية المتميزة .