إبراهيم محمود
وأنتَ أنتَ أنتَ من على شرفة عيدك الرابع بعد رحيلك الأبدي طبعاً، وأنت أنت أنت في خضمّ سنَتِك الثانية في ذلك الرحيل يا الجدير باسمه الاجتماعي والثقافي: بافي رشو، أعني به: الكاتب الكردي، الجامع بين حرارة الشعر وعفويته، وصواب التفكير ورحابة صورته، والشغف الفولكلوري والمفتوح بالحكاية والقصة وروايتها كردياً، بلغته الأم، لغة آبائه وأجداده، ولغة الذين يكتبون في ضوء ما فعلوه ويفعلونه حتى النَّفَس الأخير من عمرهم حباً كردستانياً: محمد سيد حسين، وأشدّد على كردية الوالدين، وكردية النسَب، وكردية المكان، وكردية الزمان، وكردية الوجه والروح، وكل ما يصل بالكردية من وجع الروح، ومعاناة الكردي، فيما عُرِف به في ليله ونهاره، وفي أمله الكردستاني، ومأموله القومي، وثباته في طريقه الكردية القويم،
لأن الذي أقوله هنا، يشهد له في خمسة وعشرين أثراً أدبياً، بحثياً، وسِيرياً، وما يرفع من شأن مكانه الكردي في محيطه الكردي أبعد من جغرافية قامشلو والجوار الحدودي، والزماني، وحيث يلي اسمه في تأكيد : أنت أنت أنت.. وحيث يتجلى اسمه في ارتحالاته البعيدة كل البعد عما هو أحادي، أعني به: التحزبي، التكتلي، والفئوي، والمنسوب إلى هذا الطرف أو ذاك، فالكردستاني في رأسه ونفسه لا يعرَف بجهته الواحدة، إنما بجغرافيته الموحدة الواحدة التي يتنفسها ملء عمره وروحه، ملء يديه وعينيه وأصغريه: القلب والعقل، وملء صحوه ونومه، كما تقول قصائده، وحسرته المبثوثة في كتاباته التي ترفع من مقامه ليكون الرحالة في الزمان، حيث يظل حيّاً، حاضراً، بالتحديد، في وجدان من يعيش هذه الخصال، أي المناقب، وليس الجاري تجاهله، أو تناسيه، ترجمة لمن يمثّلون جهلهم للكردية الحقة، سياسياً كردياً مزعوماً كان، أم في زعم الكاتب الكبير، والمشدود إلى غيره، الناظر بغيره، والسالك طريقاً باسم غيره، هنا وهناك، وهو ما يدفع بي بالنسبة إلى هذا الذي كان، ويكون صحبة كتبه التي تبقي طريق الآتي مفتوحاً، فيكون كاتبنا السياسي المتبصر، والقصصي الأكيد المتنور، نوالدين زازا، والذي لا أشك، ولو للحظة واحدة، أنه لو كان عالماً بأمره، وهو في حمْله الثقافي الكردستاني، ووعيه البعيد عن الشعاراتية الجارية بأسواقها وزواريبها الخانقة، لكتب عنه، لراسله، كما هو المقروء في ” حياتي الكردية ” أو ” ككردي ” كما تقول رسائله، التي تسمّي كماً كبيراً من الكرد الأصحاء نسَباً كردياً، وممن كانوا يتواصلون معه، لكان من بينهم، لكان اسماً يعيَّن له مكان، مقعد صدْق كردي حميم، بجوار حمزة بك مكسي، عبالرحمن كَارسي، رشيد كرد، وقدري جان، وغيرهم.. لم لا؟ ألم يكن هؤلاء كرداً، وقد دفعوا لقاء حمولتهم الكردية الكثير الكثير؟ ولو أن الراحل في حضوره لا غيابه: محمد سيد حسين، كان أكثر صحة جسدياً، ومتقن لغة أجنبية ” عدا العربية، بالنسبة إليه ” لكان، ومن خلال ما تقوله فيه حياته، وعلاقاته، في عداد هؤلاء الذين تنبَّه إليهم زازا الكبير باسمه ورسمه الكردستانيين. وهو في عِدَاد من يرفع من مقام وطنه المأمول، ويحافظ عليه ما أمكنه ذلك، وشعبه الجريح في آماله، ولغته المنتظرة في وحدة اسمها، ويحافظ عليهما ما أمكنه ذلك، في اعتبار كردستانه جنَّته وقصيدته الكبرى، وهو يعمل في ” ورشته ” الروحية، وبصمت، ولا يدَّخر جهداً في التواصل مع كل الذين سعوا ويسعون إلى محاولة تحقيق هذا النصاب الكردستاني بكامل قواهم، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ليس منَّة، وإنما التعبير الذي يشهد على أنه لا يُسمّي فيه انتماء أو ولاء من خلال تحرير مقال أو قصيدة، أو خاطرة، ويغلق على نفسه الباب، ويكون البعيد عن تلك الهزات التي تتعرض لها جغرافيته وتاريخه، ومن له ضلوع، ومن داخل الكردية الهدارة تحزباً وزعم تثقف، وتفاخر كتابة بعيداً عن الدائر هنا وهناك، وإنما كان يكتب ما عاشه وتفاعل معه، وكان في ساحته.
وهو ما أتلمسه في خانة اسم تستغرق جغرافية محمد سيد حسن، وحبه الذاتي والعفوي، حال كثيرين، لم يسعفهم حظهم ” بختهم ” لأن يُسمَع إلى صوتهم العفوي والعميق، ويده النظيفة بما كان تكتبه وتمضي عليه كردياً، الاسم الذي كان الراحل الكبير وهو في حضوره الحي في الذاكرة الجماعية الكردية الفعلية، ينشغل به، كما تقول كتاباته في هؤلاء الذين عايشهم عبْر تلك الخطوط التي سلكها براً وجواً وبحراً، والجهات التي يمَّم شطرها وباسم وطنه المنتظَر، والذي تمثّله في شعره ونثره، وفي صرخته التي تشهد على صراحتها وفصاحتها وعمق مساحتها ” هاوار ” المجلة العالية الشأن والأثر المكين لرمز كردي، أعني به الكردستاني اسماً ومسمىً، لكان زازا يحتفي باسم يضاف إلى سجله، وكما كتب عنه بافي ” رشو ” شعراً ونثراً إلى جانب آخرين، ليكون عمق معاناته الروحية بأثرها الكردستاتي شفيعاً له، ليكون صاحباً له وصديق نضال .
فإليك يا الصديق الذي كان والذي سيكون، حيث أكرر: أنت أنت أنت، أعني بك، كما تعلم: محمد سيد حسين، وإليك يا الثري بما كتب وما هو وهب، وما سيقال فيه حقاً من حقوقه المنيرة، وإليك ما يمكنني قوله في روحك، وأنت أعيدها: أنت أنت أنت، وهي حاضرة بيننا، وما أثرته قولاً بصدد الرمز الكردي الكبير زازا، إليك تهنئة العيد بالمعنى الآخر، حيث كنت تعيش كرديتك بمقامها الكبير، وإلى أهلك والبدء بأفراد عائلك، وأحبتك، تحية قائمة وأبعد من كونها مناسباتية، ودمت الاسم الذي يتردد بصداه هنا وهناك، وإن كان هناك وهنا، من لايريد لصداه هذا أن يبلغ مداه كما كان في أثير معناه، ترجمان قصورهم المضاعف رؤية وتفكيراً وتدبيراً…
ملاحظة: بالنسبة إلى الراحل نوالدين زازا، سوف يصدر لي كتاب عنه مع نصوص ترجمة عن الفرنسية والكردية، قريباً، سيعلَن عنه في حينه.