النجاح بين الحب والإرادة

ماجد ع  محمد

نقرأ في قصة إريك بتروورث الواردة ضمن حكايات  كتاب جاك كانفيلد ومارك فيكتورهانسن “شوربة من أجل الحياة” أن عناية ومحبة المعلمة إلى جانب قوة الإرادة الشخصية لدى طلاب الأحياء الفقيرة كانت وراء نجاح العدد الكبير منهم، أي نجاح مئة وستة وسبعين طالباً من بين مئتي طالب ممن استطاعوا تحقيق نجاحٍ باهر رغم الظروف الصعبة لهم، وعند سؤال المعلمة عن السبب الرئيسي لنجاح طلاب الأحياء الفقيرة، كان جوابها: “إن الأمر في منتهى البساطة، فقد أحببت هؤلاء الطلاب”، وصدقت تلك المعلمة في الذي قالته حينذاك، إذ تبين في الوقت الراهن بأن الحب والاهتمام من قِبل الأهل والبيئة التدريسية كان وراء نجاح الطالبة “هنار طه نوري” التي أحرزت المركز الأول على مستوى إقليم كردستان في شهادة المرحلة الثانوية (البكلوريا) الفرع الأدبي، والتي قالت إن جميع المدرسين كانوا بارعين وقدموا لها الكثير، مضيفة أودّع مدرستي اليوم وأنا أعطي رسالتي الأخيرة، هذه المدرسة أعطتني الكثير من المودة كما أعطت جميع الطلاب، إنها مثل الأم، وكادرها يهتم بجميع الطلاب، وقد شعر المشاهدون بما تحس به الفتاة تجاه معلمات المدرسة أثناء زيارة وزير تربية إقليم كردستان “آلان حمه سعيد” والوفد المرافق له منزل الطالبة المتفوقة.
وعمن يمرون بظروف حياتية صعبة فلا يستسلمون بل وينطلقون من بؤر الوجع نحو ما يتمنون بلوغه، فما يقال عن نجاحات الطلاب أو الرياضيين على وجه الخصوص يقال عن مجالات النجاح الأخرى في الحياة، بما أن الرياضي يحتاج إلى إرادة فولاذية وهدف سامي وخطوات عملية يومية ومثابرة للوصول إلى الغاية المرتجاة في نهاية المطاف، وفي الأخير الحصول على أرفع البطولات. 
لذا نلاحظ في عالم الملاكمة وكمال الأجسام وأغلب فروع ألعاب القوى أن الأوائل عادة ما يكونون من أبناء المجتمعات الفقيرة أو المعدومة، وحيث أن المنتمي إلى تلك الفئة عندما يضع هدفاً نصب عينيه مع توفر الإرادة تراه يحقق ما يريده أكثر من أبناء الأسر الغنية، وحيث أن الرياضة بالنسبة لأبناء الفئة الأخيرة تسلية وتضييع للوقت وقضاء الساعات في تلك النوادي من أجل الاستمتاع.
من كل بد أن ما يقال عن الرياضة ينسحب على الدراسة، وفي هذا الإطار أكدت نتائج الامتحانات في اقليم كردستان العراق العام الحالي صحة ذلك الرأيي وخاصة أن  ظروف حياة الطالبة “هنار طه نوري” كانت سيئة وفق ما نُشر في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال مشاهد منزلها المتواضع ووضعها الاقتصادية الرديء، إلا أن الفقر والحاجة المالية لم يقفا عثرة في طريقها، وقد استطاعت أن تتقدم مئات الطلاب والطالبات من أبناء الطبقة الميسورة.
والأمر نفسه تكرر مع الطالبة سروة صالح قادر بحصولها على المرتبة الأولى على مستوى محافظة أربيل والمرتبة الثالثة على مستوى إقليم كوردستان بين خريجي مرحلة الثانوية العامة (البكالوريا)، علماً أن سروة تتحدّر من عائلة متعففة، حيث أن والد سروة، يعمل منذ 28 عاماً في بيع التمر والخضروات والفاكهة على عربة متجولة ويقف وراء عربته قرب شارع الأطباء في مدينة أربيل، ولكن ظروفها الاقتصادية الصعبة لم تكن عائقاً أو حاجزاً بل دافعاً للتقدم ونيل ما تريد.
ولكن مقابل إصرار البعض وتصميمهم إلى جانب العناية التي يتلقونها والتي تحثهم على التقدم للأمام، ثمة نماذج بشرية تعاني سلفاً من ضعف الإرادة ولا قدرة ذاتية لديها على الصمود واجتياز المضائق الحياتية، وسرعان ما تراهم منحدرون نحو مهاوي الإنكسار أو مراتع الفساد، وأضعف الإيمان يستسلمون للكسل والاتكال على الآخرين، وحيث يغدو الظرف لدى بعضهم حجة لعدم الحراك وذريعة للتعكز والتطفل على الأهل أو المؤسسات أو الأفراد، بينما الظروف القاهرة ذاتها من خلال الكفاح المستميت قد تدفع صاحبها أو صاحبتها نحو أرفع القمم، وبدلاً من اللجوء إلى الشكوى والبكاء والتململ تراهم يستثمرون واقعهم التعيس ويجعلونه الركيزة الأساسية للانطلاق نحو ما يودون الوصول إليه من خلال العمل الجاد والإلتزام والسهر على حساب راحتهم وأهوائهم الشخصية. 
على كل حال فسيرة حياة بعض الأشخاص الناجحين في العالم ممن كانوا في قاع المجتمع أو حتى في قاع الحياة نفسها وصاروا بفضل الإرادة التي لا تلين في أرفع الأماكن، تؤكد بأن المرء قد ينال هدايا عظيمة بعد النجاح، بينما النجاح نفسه لا يُهدى ولا يُعطى، فهو ليس مادة يمكن شراؤها بالمال ولا ميراثاً يصلنا من الآباء والأجداد، إنما هو يأتي في خاتمة جهدٍ عظيم وبعد إيصال ساعات الشروق بالغروب، والإصرار على المضي للأمام رغم العراقيل وتجاوز الصعاب، ولكن في الوقت نفسه علينا ألا ننسى أبداً دور الرعاية والاهتمام من قبل المحيطين والمعارف، والمثال الختامي الذي سنورده هاهنا، هو أنه لولا انتباه واكتشاف موهبة السيدة فيروز من قِبل الاستاذ الموسيقي محمد فليفل الذي سمعها وهي تنشد بعض الأغاني في إحدى الحفلات المدرسية وهي بنت صغيرة وجعلها فيما بعد تلتحق بالمعهد الموسيقي اللبناني لربما اختلف مسار حياة فيروز برمته، ولا استطاعت أن تحقق كل هذه النجاحات طوال حياتها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…

سندس النجار

على مفارق السنين
التقينا ،
فازهرت المدائن
واستيقظ الخزامى
من غفوته العميقة
في دفق الشرايين ..
حين دخلنا جنائن البيلسان
ولمست اياديه يدي
غنى الحب على الافنان
باركتنا الفراشات
ورقصت العصافير
صادحة على غصون البان ..
غطتنا داليات العنب
فاحرقنا الليل بدفئ الحنين
ومن ندى الوجد
ملأنا جِرار الروح
نبيذا معتقا
ومن البرزخ
كوثرا وبريقا ..
واخيرا ..
افاقتنا مناقير حلم
ينزف دمعا ودما
كشمس الغروب …

خلات عمر

لم تكن البداية استثناءً،,, بل كانت كغيرها من حكايات القرى: رجل متعلّم، خريج شريعة، يكسو مظهره الوقار، ويلقى احترام الناس لأنه “إمام مسجد”. اختار أن يتزوّج فتاة لم تكمل الإعدادية من عمرها الدراسي، طفلة بيضاء شقراء، لا تعرف من الدنيا سوى براءة السنوات الأولى. كانت في عمر الورد حين حملت على كتفيها…

عصمت شاهين دوسكي

* يا تُرى كيف يكون وِصالُ الحبيبةِ، والحُبُّ بالتَّسَوُّلِ ؟
*الحياةِ تَطغى عليها المادّةُ لِتَحُو كُلَّ شيءٍ جميلٍ.
* الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌِّ آدابِ العالمِ.

الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌ مجدِّ آدابِ العالَمِ… يَتَفَوَّقُ هُنا وَهُناكَ، فَيَغدو ألمانية الشَّمسِ… تُبِعِثُ دِفئَها ونورَها إلى الصُّدورِ… الشِّعرُ خاصَّةً… هذا لا يعني أنه ليس هناك تَفَوُّقٌ في الجاوانبِ الأدبيَّةيَّةُِ الأخرى،…