تقرير: رائد الحواري
بعد انقطاع طارئ بسبب إجراءات الاحتلال التعسفية بحق مدينة نابلس ومواطنيها عقدت اللجنة الثقافية في دار الفاروق جلسة أدبية لمناقشة ديوان “على حافة الشعر ثمة عشق وثمة موت” للشاعر الفلسطيني فراس حج محمد.
افتتح الجلسة الناقد سامي مروح منوها إلى أسباب انقطاع الجلسات والصعوبات التي تحول دون قدوم أو خروج الزملاء من نابلس، ومبينا أن انعقاد هذه الجلسة يعد أمرا في غاية الأهمية، وذلك لما فيه من تحدٍ لإجراءات الاحتلال، وأيضا لقيمة اللقاء الذي يكشف عن وجود كتاب وشعراء في فلسطين استطاعوا أن يكونوا لأنفسهم مكانة شعرية خاصة بهم بعيدا عن التأثير أو تقليد الآخرين.
ثم فتح باب النقاش وكانت أول المتحدثين الروائية فاطمة عبد الله، التي قدمت قراءة نقدية حول الديوان، وأضاءت على ما فيه من أفكار وصور شعرية واستعرضت مجموعات الديوان الخمسة، وترى الكاتبة أن “الشاعر في هذا الديوان يكتب القصيدة خارجا عما ترسخ في الأذهان أن القصيدة هي التي تكتب الشاعر … والشعر إلهام، والشاعر يوحى إليه…”، وفي تقييم عام للديوان بينت الكاتبة أن هذا الديوان بشكل عام معرضا لتفنن الشاعر وتنوع موضوعاته ولهذا كان من الصعب على القارئ تناول الديوان دفعة واحدة، إذ من الصعب جدا خلق جو نفسي عام لتلقي تنوع الموضوعات فعلى القارئ الخروج من حالة ذهنية إلى حالة ذهنية أخرى، ومن نقلة نفسية إلى أخرى. ولكن أيضا في هذا الديوان ما يطرد السأم من النفس، فتتركه برهة لتعود إليه بشوق محدثا فيك المتعة والدهشة”.
في حين ينحاز الشاعر لطفي مسلم في كلمته إلى الشعر الموزون بشكليه القصيدة الكلاسيكية وقصيدة التفعيلة، ورأى أن قصيدة النثر لا بد من أن تستقل وحدها في ديوان لا تختلط بالقصائد الموزونة.
أما الكاتب همام الطوباسي فقال: “اشتقنا لهذه الجلسات التي تعطينا شيئا من الفرح وتلبي طموحنا في المعرفة وتزيدنا ترابطا وتماسكا، ففي زمن القهر نحتاج إلى الحب، لأنه ملاذنا من عالم القسوة، والشاعر يستخدم لغته الشعرية في التغزل بالنساء، فكان الديوان ممتعا، جميلا، سلسا، والغلاف يخدم ما فيه من مضمون”.
وتحدث الشاعر سماحة حسونة فقال: “سأتكلم عن قصيدة النثر، إذ ليس من السهل صياغتها، لما تحتاجه من فنية، من هنا تنوع أشكال القصيدة في الديوان له ميزة، حيث يجعل القارئ يشعر أن هناك متعة في كل من قصيدة: التفعيلة، وقصيدة النثر، والقصيدة الكلاسيكية، فالشعر لا سلطة لنا عليه، هو يأتينا كوحي، وإننا نكتب ما يميله علينا، إن كان فرحا أو حزنا، حبا أم حربا”.
أما الكاتب علاء عاشور فقال: “أحب أن أتعلم منكم، فأنا أحب وأعشق الأدب، هذه الجلسة الأولى التي أتشرف بحضورها، وأرجوا أن أستفيد وأقدم لكم شيئا مما أكتبه في جلسات قادمة”.
ثم تحدث الشاعر عمار دويكات قائلا: “اعتقد أن المضمون الذي يقدمه الشاعر في ديوان “على حافة الشعر ثمة عشق وثمة موت” أكبر من الشكل ذاته، فالمضمون يسبق الشكل، والفكرة تتقدم على اللغة، رغم سلامة اللغة وقوتها. فالمواضيع الفلسفية عند الشاعر أكثر عمقاً وتمكنا ودراية فكأنه يكتب بروحه لا بجسده، وإذا انتقلنا إلى كتاباته عن المرأة مثلاً نرى تحولا في شكل الكتابة وسرعة في اللغة وبساطة في الدلالات”. ويضيف “يعطي الشاعر فراس حج محمد أهمية قصوى لعناوين إصداراته ويهتم كثيرا بشكل الغلاف، وهنا نرى غلافا إبداعيا يتماهى مع المضمون للنصوص”، ويختم حديثه قائلا: “الشاعر فراس حج محمد يكتب نفسه دائما، يكتب ما يراه وما يريده، يرسم ذاته سواء كانت متشظية أم كانت متماسكة”.
أما القاص منجد صالح فقال: “لقد تم اطلاق الديوان في مركز حنظلة في رام الله، برعاية مكتبة الرعاة وجسور، وهذا اللقاء الذي يناقش ويفصل ما جاء اللقاء الذي جاء يناقش ويفصل ما جاء في الديوان يعتبر تتويجا لإشهار الكتاب، فراس حج محمد متعدد المواهب، فرغم أنني أحب فراس كناقد أكثر منه شاعرا، إلا أن هذا الديوان فيه ما هو جديد على مستوى الشكل الذي قدمت به القصائد، نتمنى لهذا القلم أن تكون عنده محبرة متسعة وكبيرة تستطيع أن تلبي قدراته الإبداعية”.
أما الأستاذ نسيم خطاطبة فقال: “أنا مع الشاعر فيما يطرحه من مواضيع محظورة اجتماعيا، فالشاعر يكتب ذاته، وما يشعر به، ولا نستطيع أن نضع له طريقاً نقول له: اسلك هذه، ودعك من تلك”.
وتحدث الناقد سامي مروح فقال: “الشاعر فراس حج محمد شاعر متمكن من ناصية الشعر الذي ملأه بكل إحساس إنساني، وهذا يدل على عفوية الشاعر في طرح الصور الشعرية التي تحمل الدلالة لتنقلك إلى أعلى من المضمون، ويتنقل الشاعر عبر قصائده ليشكل حاله رومانسية جميلة، فتشعر في حالة ذوبان داخل القصيده وتجعلك في حالة من التجلي، بمتعة لا متناهية”. وبخصوص اسم الديوان أشار مروح إلى أن ارتقاء الشاعر باسم الديوان كان نقلة نوعيه لتعيش في معترك جدلي يرقى بك إلى فكر فلسفي فالعشق والموت لصيقان، فحالة العشق تفضي إلى الموت”.
أما رائد الحواري فقال: “الديوان لا يمكن أن يقرأ في جلسة واحدة، وذلك لوجود أكثر من ديوان في هذا المنجز الشعري، فالقارئ يشبع عند قراءة أي قسم من أقسام الديوان الخمسة، مؤكدا أن الشاعر حج محمد قادر على انتهاك المحرمات الثلاث خاصة تابو الجنس، لأنه يريد للقارئ أن يفكر وأن يتحرر من الأفكار التقليدية الموروثة.
وفي مدخلة للمحامي الحيفاوي حسن عبادي- الذي تعذر عليه الحضور لظروف خاصة- وصف الديوان ولغته بأنها “جميلة، انسيابيّة، وجرأة طرحه، كعادته، يُحسد عليها وصارت ماركة فراسيّة مسجّلة”. وأضاف عبادي في معرض تناوله للمجموعة الأخيرة من الديوان، “في حبسة الكوفيد التاسع عشر”: “يصف فراس بعدسته المجهريّة وحروفه التغيّرات الصغيرة والكبيرة التي حدثت لهذا العالم، كلّها مشفّرة ومبرمجة لمصالح من يتحكم في عالمنا، في طريقه لصهر الوعي الجماعي وبناء كائن جديد يسيّره وَفق مصالحه، وهنا نلمس رؤية الشاعر وتفاعله مع التغيّرات الكونيّة، بمجسّات عالِم يتفاعل ولا يقف باكياً على الأطلال”.
وفي نهاية الجلسة استذكر الشاعر فراس حج محمد المرحوم “محمد عبد الله البيتاوي” ودوره كمثقف وناشر وكاتب كرس حياته لخدمة الثقافة الفلسطينية والمثقفين، وعقب على آراء المتحدثين، مبينا أهمية النقد في الحياة الثقافية، وأوضح وجهة نظره في الأدب الأيروسي، فقد تم طرحه في الديانات، وفي الكتب السماوية، وفي الحضارات القديمة، وفي الأدب القديم، ولم يخل التراث العربي من ذلك، فوجد عند ابن حزم وجلال الدين السيوطي على سبيل المثال”. وأضاف الشاعر حج محمد أن “مهمة الأدب الجيد تكمن في اتحاد المتعة، والأسلوب، والفكرة، لكن الأهم يبقى الأسلوب الذي يقدم الفكرة، ومن هنا تنشأ المتعة لدى القارئ. وأما بخصوص تنوع الأشكال الشعريّة في الديوان فهي أمر قصدي يحرص عليها الشاعر منذ تنبه إليها الشاعر محمد حلمي الريشة عندما أشرف على طباعة ديوان “وأنت وحدك أغنية”.
في نهاية اللقاء تم تحديد الجلسة القادمة يوم 18/8/2023 لمناقشة رواية “المرافعة” للأسير الأديب حسام الديك.