ورطة الريح بعد الشوارب

إبراهيم محمود

اشتهت الريحُ أن تكون لها شوارب
وهي الريح التي لا يُرَدُّ لها طلب
شوارب تليق بها سمعةً ومكانة وسطوة
جيء لها بالشوارب التي تتناسب والمقاييس المطلوبة
أوه! 
كان لا بد أن يكون لها وجه
جيء لها بوجه يتناسب وهيبة الريح
أليست هي الريح؟
صار لها وجه فعلي
طربتْ له الريح 
أوه!
كان لا بد أن يكون لها قوام لتُرى عبْره شواربها
جيء لها لها بقوام يليق بنفوذها
أليست هي الريح؟
صار لها قوام والقوام أبرزَ هيبة الشوارب
ولكم انتشت بقوامها ومعه شواربها
أوه!
هناك ما هو مهم 
مهم جداً كيف جرى نسيانُه
بالنسبة إلى كل ما منِح للريح
الشوارب لا تكفي لتشعر بسلطتها
العضلات المفتولة لا تكفي لتشعر بقوتها
بروز الصدر لا يكفي لتشعر بسمعتها المقرَّرة
كان هناك من يجب أن يعلَم بذلك
الشوارب للذكَر
لا بد مما يؤكد خاصية الذكورة فيها
كيف فاتها ذلك
وهكذا أشهرتْ رغبتها للجميع ممن يعنيهم أمرها
لترى ما سيحصل بعدها
وجيء لها بما شعرت به نقصاً وقد تداركته
لم يسبق لها أن امتلأت نشوة وشعوراً بالعظمة بعد تلبية طلباتها كاملة
أوه!
يا للغرابة ! 
بعد منْحها علامة الذكورة
وقد شعرت أنها امتلكتها تماماً
أحسَّت أنها لم تعد كما كانت
ثمة تغيرات كثيرة طرأت عليها
وقد اهتز لها داخلها
رأت أن يديها أصبحتا باطشتين
أن عينيها ما أن تبصرا شيئاً حتى تدفعا بها إلى تخريبه
أن رجليها بدأتا تركلان كل شيء في طريقها
داخلتْها شهوة في ألّا تترك أي شيء على حاله
تجلَّت رغبتها العارمة في أن ترى الدماء مسفوكة وحارة في كل مكان
كرهت أن ترى أي شيء على حاله
كانت رؤية أي كائن في سلام يستفزها
فتندفع وتبث فيه الرعب
الحرائق في كل مكان
الصرخات في كل مكان
البلبلة في مكان
تبرأتْ منها النار
تبرَّأ منها الهواء نفسه
تبرَّأ منها التراب
تبرَّأ منها الماء
لقد أصبحت معزولة عن كل شيء
يا إلهي، ماذا فعلت؟
استغاثت بكل القوى الموجودة لتستعيد صورتها الأولى
أن تكون قوية إنما دون أن تخرب ما تلمسه أنفاسها
أن تكون ذلك الهواء العليل
أن تداعب الموجودات
عبَّرت عن ندمها عما اشتهتْه
بذلت جهوداً جبارة  لتستعيد طبيعتها الأولى
كان أول ما تخلصت منه وعانت الويلات بسببه
هو عضو الذكورة
فور تحرُّرها من سطوته
شعرت أنها تستعيد طبيعتها تدريجياً
على مراحل..على مراحل
لكنها اكتسبت تجربة دفعتْ بها لأن تسرد قصتها للجهات الأربع
ما صفير الرياح إلا هذه اللحظة التي كانتْها ولا تلبث أن تتحول إلى هواء تتنفسه الكائنات كافة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…