زاكروس عثمان
في الصباح أراد الجرح خبزا ساخنا لكنه تلقى رصاصة اخرى في ظهر عامودا، جفل سپاسکو من نومه وجد الجنية تركت له رسالة وداع، عاد إلى المدينة شاهد الذبول الذي في خاطره بوجه المارة، الهواء مقطوع وكذلك الماء والكهرباء، ويأس يجلد الأجواء، وقطيع مضرج بجهله.
نظر سپاسکو إلى أحفاد قابيل وهابيل وجد أنهم يحزنون سريعا يغضبون سريعا ولكنهم يندمون متأخرين جدا، وحين يندمون يغرقون في جرحهم وليست لديهم سفينة نجاة، من قتل هابيل هو سكين الجهل في يد قابيل الذي لو امتلك معرفة ما كان الحسد يتغلب على عقله حتى يسمح له بالقتل، هناك رغبة شديدة لدى سپاسکو في الانتحار، كيف أن قابيل القرية يطمع في امرأة هابيلها بدل ان يفكر في استرداد نسائه اللواتي خطفهن الغرباء، اجابت القبور اجابت العندكو: انه الجهل الجهل الجهل هو من يقتلنا، سنبقى قابيل وهابيل طالما نصنع من الحروف فتن وأرباب، متى نصنع سلما لنخرج من الهاوية، لم تجب عامودا حيث كانت البنادق ما زالت موجودة على أسطح المنازل تحظر زقزقة العصافير وثرثرة النساء.
المشهد واضح ولكنه ليس جميل، رعيان مزيفون باتوا خلف الحدود، تركوا قياد القطيع لصبيانهم، رعيان يستقوون على بعضهم بعضا بالذئاب والضباع واللصوص، ورغم أن القطيع يعرف حقيقة الرعيان إلا أنه يصر على اتخاذ الكلاب أربابا له، مشهد تعيس لا معنى له سوى جهل مطبق، القرية مصابة بالحمى وليس من دواء ولا من طبيب، سمسار يشرب البيرة في هولير ليس لتخفيض حرارة طفل نائم في انبوب تحت جسر صغير ينتظر المُهرب كي ينقله مع ذويه إلى الضفة الاخرى لدجلة بل هو يرطب جسد راقصة عراقية صدف انها تنزل معه بنفس الفندق، والثرثار الذي رقد على البيض في استنبول يهاتف طبيب ليس لمعالجة شاب اصيب برصاص الجندرمة لحظة عبوره الحدود بل يسأل الطبيب أن كان يسمح له تناول حبتي فياغرا في ليلة واحدة، إما المتغطرس فلم يجد سوى الدم يسكبه على جبين القرية لتزيد الحمى.
أصبح حال اهالي القرية كحال” ركاب طائرة لا علم لهم بأنها مخطوفة، لا يعرفون إلى أين تتجه و لا من هو قائدها وما هي المحطة القادمة، ما يعرفونه انهم على متنها ولكن لا يعلمون أنهم في رحلة إلى المجهول” بدأ الشك يراود سپاسکو حين تغوط الأجرب في بئر القرية وحين بدأت والدته التي لا تميز بين الليرة التركية والليرة السورية تتحدث عن الدولار، وحين ترك زيغانو تهريب الحشيش والتحق بالسكرتير، نعم نعم ثمة جيوش مكلفة بخطف القرية، ليست هناك خيارات جيدة والقطيع منقسم بين سيء وأسوأ والأسوأ، نظر سپاسکو إلى ما هو أبعد من أنفه وراهن على المتغطرسين ليس لأنهم جيدين إنما لاعتقاده أنهم أقل سوءا من السماسرة والثرثارين، ربما يكونوا بيضة ذهبية تنجب ديكا يضع حدا لفوضى الدجاج، ويجيد اللعب مع الثعالب دون أن يقع في أحابيلها، ها هم يبلون بلاءا حسنا في سري كانيية، ويقطعون الطريق على خنازير وكلاب حفيد ارطغرل الذي لم يرتاح إلى ما هو موجود في جعبة المتغطرسين، فقرر أن يثقب الجعبة ويسقط ما بداخلها ويقتل حاملها قبل أن يكبر، ولكن بعد تكسر سيوفه في سري كانيية تيقن أن الحرب لم تعد تدار في ساحات المعارك بل في القاعات المغلقة وبات عليه تقديم رشاوى إلى الذئاب الكبيرة كي تسمح له بالعواء، وحدث إن سادة الزمن توافقوا على هدم السد وإطلاق يأجوج ومأجوج، استغل حفيد ارطغرل الفرصة ليقودهم إلى شمعة عصفت بها رياح وزوابع لكنها أبت الانطفاء لترضع القرية جرعة نور في الليالي الطويلة الحالكة التي حلت بها، شمعة ظلت متقدة في قلوب أبناء الجن، على نورها يتسامرون يعشقون يرقصون وينتظرون آهورمزدا الذي طال غيابه ليبني لهم مملكة لا يطالها سواد الليالي.
خافت ذئاب طوران من رب زرادشت، قلقت ثعالب فارس من هزيمة الدجال، ولم ترضى أفاعي الصحراء عن صحوة النعناع، وحوش تصطاد في العتمة لا تحب الضياء، الفريسة أبناء الجن، هذا ما احبت الفراشة أن تخبر سپاسکو به، أنهم يجلبون يأجوج ومأجوج ليهدروا الشمعة، باركت دراكولات العولمة جيوش الظلام وأخذت تسن أسنانها لتمتص أنهار دماء تنبع من رقاب مقطوعة.
شاهد سپاسکو على جنح فراشة قتيلة خريطة غد يشبه الأمس لكن تضاريسها لا تشبه اية تضاريس عرفها من قبل، أجواء وعرة تنزلق عليها تنظيرات سكرتير أجرب لا يعرف كيف يحك ظهره، فكيف يعبر الطرق الصعبة، خريطة تتدحرج عليها مثاليات مثقف بائس درس تضاريس الأرض ولكنه لم يدرس تضاريس البشر، الحرب تبدل ثوبها القديم، والواقع لا شكل له ولا مقياس، بعد اغتيال الفراشة أصبح وراء كل ثانية شكل غير متوقع، وراء كل نهاية نهاية أطول، المتوقع الوحيد رصاصة، أما الحياة والموت مجرد احتمالات ربما يكون البطيخ احمرا او يكون أقرعا، بعد تجفيف الزمن أصبح هناك متسع لكل شيء الا النوم لم يعد له متسع في جفني آسيا، كيف تنام وقد سقط كوكب مزدحم بالذئاب والخراف في عينيها، ضحكت بمرارة وقالت: تبا لك ايها الأبله أهذه هي قريتك الكونية التي حدثتني عنها هي ذي تلقي بنا خارج القوانين والنواميس، سمعها سپاسکو أراد أن يقول أن الواقع يخلق نفسه بنفسه ولكنه التزم الصمت كي لا تسمعه.
أقام حفيد ارطغرل دولة خلافة، زحف يأجوج ومأجوج وبايعوه فأرسل حشودهم إلى كوباني، حين انقلب الليل كانت القرية تينة هشة دعكها الغرباء ليذوب سكر الحياة ويذهب في شقوق الارض، ويسقط سپاسکو في المرارة، فقدت شجرة القناعة ثقتها بالبستاني الذي ما عاد يملك ورقة تستر عورته، هرب الأنبياء والصالحون والتزم الجميع أدوارهم كما وردت في قصص السماء وتواروا عن الأنظار، انبرى المتغطرسون من أبناء الجن يقاتلون كائنات الجحيم وحدهم لم يلتزموا بوصايا الرب أصروا على اللعب، ربما لأن دورهم لم يرد ذكره في الكتاب، جابه المتغطرسون في معارك انتحارية بحار المغول التركستان الافغان والعربستان، انتهز الظلام هشاشة وجدان الرعيان وسذاجة القطيع فضرب خاصرة كوباني، صرخ رأس مقطوع: آه يا ظهري سألوه يضربون بطنك وأنت تشتكي الوجع في ظهرك، أجابهم لو كان لي ظهر يسندني ما ضربوا بطني، صرخت رؤوس كثيرة في كل قرية مر بها أخطبوط ابن تيمية، كتاب يمد أذرع الفتاوى يلتهم نساء واطفال، الناس حيارى يسألون هل الرحمن رحيم حقا، وكانت الإجابة طفلة نائمة في العراء لا ذنب لها سوى أن والداها قررا انجابها في ساعة بدأت فيها قلوب البشر تنجب عقارب، بدأت براميل تسقط من السماء، نامت الطفلة جائعة مع ما علق في ذهنها من دوي انفجارات صرخات نساء بكاء اطفال ونباح كلاب بوليسية سلطها الجندرمة الأتراك على النازحين لحظة اجتيازهم للحدود، نامت الطفلة وما زالت تتردد في اسماعها صرخات شبان وقعوا في قبضة عناصر الجندرمة الذين انهالوا عليهم ضربا وتعذيبا، لم تفهم لماذا سالت الدماء من اجسادهم لماذا تكسرت عظامهم ولماذا العسكر يدوسون على اجسادهم، نامت الطفلة على قطعة بلاستيك فوق أرض رطبة تسلل البرد إلى جسدها وامتزج بالأهوال التي شاهدتها أخذت تبكي في نومها تقول: اخي يضربني، في وقت كان الأخ هائم على وجهه بعيدا عنها، وما زال هناك بعض العميان يعتقدون ان التاريخ قد انتهى.
رقص حفيد ارطغرل فرحا في قصره، و زاد في اذرع الأخطبوط يمني النفس بالتهام القطيع وقطع دابر رعاة متغطرسين يحاربون ليلة متعددة الأبواب، زحفت ضباع الكثرة تفترس قرى ابناء الجن، حاصرت آرين ميركان في مشته نور، لبوة منفردة أبت ان تذل الشجاعة على يد الكثرة، لم تعطي فرصة للوحوش للنيل منها، صرعت كل من حاول ذلك، تكاثرت الضباع من حولها، فما كان منها إلا ونثرت جسدها، ارتفع وهجا ينير سماء بلاد الشمس ابدا، لبوة ارسلت وحوش حفيد ارطغرل إلى الجحيم، لقنتهم درسا جعل كل ضبع يفر بعيدا كلما لمح لبوة كوردية، زحفت عناكب الجيران تريد التهام قلب المدينة، وليس للكوردي إلا عناده وشجاعته وجنونه، كلاب تنبح الله: أكبر، جاوب المتغطرسون: المقاومة حياة، ضحك رعيان الثرثرة كعادتهم في عبهم تشفيا من اخوتهم وقالوا: ساعات و سوف يسقطون، لم يدرك السلطان و أوغاده أن مسحة الجنون لدى المتغطرسين سوف تعيد للتاريخ شبابه وتقنع طيور الأبابيل أن تقلع من خارج الكتاب وتمطر موتا على رؤوس العناكب، بهت حفيد ارطغرل وهو يسمع العالم يتغنى بكوباني، كيف أن الشجاعة حطمت أنف الكثرة، هب راع حكيم أرسل فرسان الشمس ليدوسوا كرامة السلطان وساروا يشاركون المتغطرسين في تقبيل تراب كوباني، انها اللحظة التي ينتظرها مليون سپاسکو منذ ثلاثة آلاف عام، تمنى هذه المرة من الدم الذي يوحد أبناء الجن أن لا يسمح للسياسة أن تفرقهم مثلما تفعل كل مرة، خاف تجار الثرثرة من التقاء جناح الحكمة بجناح الجسارة أن يذهب بدكاكينهم فاعتبروا القوة مغامرة، خاطبهم أحد المتغطرسين: ما لم تكن قويا لن يطمع أحد في شراء بضاعتك لن تكون لك كرامة لدى خصومك كن قويا لتكون سياسيا مؤثرا، احتار سپاسکو في أمر هؤلاء الرعيان، فكر في امهات كوباني وهُننَ يضعن ايديهن على اعين اطفالهن حين يجبر احباب الله الأهالي على مشاهدة طقوس قطع الرؤوس، استرق أحد الأطفال النظر من خلال اصابع أمه دون ان يفهم لماذا بشر يسلخون جلود بشر آخرين، ذكر أمير الجهاد في بيانه أن قطع رؤوس الكورد فريضة دينية كونهم كفار، سأل الطفل والدته: أماه هل نحن كفار أجابت الأم: ليتنا كنا كفارا، ذهب الطفل إلى سپاسکو یطلب منه أن يعلمه الكفر فقال له: لستَ بحاجة الى تَعَلمه فانت كافر طالما انت كوردي، بالأمس كان شبيحة الرئيس القائد يسلخون جلودنا في المعتقلات، لم يتغير شيء سوى التهمة، اصيب الطفل بنوبة هستيريا وهو يسمع المساجد تُكبَر لجهاد يأجوج ومأجوج، فيما أجراس الكنائس نامت طمعا في عطايا السلطان، تقدمت الحشود تركل رؤوس مقطوعة، وتضع القرى على صليب النزوح، وكان قرار المتغطرسين هو أن يكتبوا نهاية جديدة ليأجوج و مأجوج غير التي وردت في قصص السماء، لم يأتي المسيح لنجدتهم لكنها العزيمة هي التي سحقت الجحيم، وجد الخليفة نفسه ثانية يتلقى خازوق، يا له من خازوق مدهون بفلفل حار، حين يدخل في طيز هذا السعدان يزيد من تقلباته في السيرك العالمي، تقهقر يأجوج ومأجوج، ساء حفيد ارطغرل والدجال والأفاعي أن يدخل أبناء الجن إلى العواصم، أن تبهر شمعة كوباني ابصار فراشات بدأت تأتي إليها من بعيد، كسب المتغطرسون معركة أسطورية، لكن الحرب ما زالت قائمة ولم تظهر بعد تلك الدودة الإلهية التي سوف تبيد جنود الظلام، إلى ذلك الحين ليس أمام أبناء الجن سوى القتال، وحساب منعرجات لا وجود لها على الخرائط.
وحوش كثيرة وخلفها دراكولات كثيرة، بركان متقلب المزاج، والواقع هيولى، الموجود الحقيقي ضباب احتمال وسراب احتمال، ليس هناك رأي سديد، من يحض على القتال وابنه نائم في حضنه سيكون رأيه فكرة قاتمة بالنسبة لامرأة تحتضن أشلاء ابنها، سأل سپاسکو نفسه هل يستوعب المتغطرسون هذه الأشياء، لم تكن لديه إجابة قطعية هو غير متأكد من حقيقتهم، هل غطرستهم هي غطرسة عاشق ولهان أم غطرسة شرير.
عاد سپاسکو إلى عامودا التي هَزَمَ فيها ابناء الجن أنفسهم وتركوا في حلق العندكو غصة لن تزول ابدا، لم يكتفي الرعاة المزيفون بالتصارع على هواء مراع ليست بحوزتهم بل اخذوا يزرعون الفتنة بين قطيع مثقل بالفتن، داخ سپاسکو من كثرة محاولاته في فهم تهافت السماسرة والمتغطرسين على فصل الابن عن الأب على فتح شجار بين الأخ والأخ على تخريب العلاقة بين الزوجة والزوج على بناء جدران الخصومة بين الجار والجار، ذهب إلى زوجة عمه التي انهكها الفقر ونالت منها السنين فابيض شعرها وسقطت أسنانها ولم تعد تملك غير أسمال وعلبة سگائر من التبغ الرديء، وربطة خبز وحبات بطاطا قوت يومي لها ولبناتها، وصل سپاسکو إلى بابها وهو متردد بالدخول إليها انه خجل من عدم قدرته على فك حبل الضنك عن رقبتها بقدر حرجه من السواد الذي فرضه المتغطرسون على عامودا، ولكن هو أحوج ما يكون إلى الحديث إليها، صاح سپاسکو: حبيبتي هل انت هنا.
العمة: ادخل أيها القذر أين كنت منذ ثلاثة أيام ظننتك مثل البعض عبرت الحدود ووصلت إلى باريس.
سپاسکو: لست راعيا ولا حتى معاون راعي فلماذا اهرب.
العمة: اعرف انك غبي ولكن قلت لنفسي ربما تعقل الولد وانتهز الدم المهدور ليركبه إلى حيث النجاة، تعال اجلس وساعدني في تقطيع البطاطا أيها الفاشل.
جلس سپاسکو بجوارها قبلها قبلة عاشق وأشعل لها سيگارة وأخذ يقطع البطاطا سألها: هل رأيت ما فعلوا.
العمة: الكلاب أبناء عمومة الذئاب والقطيع أعمى وأطرش.
سپاسکو: ما زلت لا اصدق ما حدث، الكلاب التي ذكرتهم أسمعهم ينبحون باسم القطيع، أراهم يرفعون راية القرية، فيما انياب أفعالهم تنخر أعناق الخراف، أي صنف من الرعاة هؤلاء.
العمة: صنف كس امك… رعاة تفوح من جيوبهم رائحة الذئاب.
سپاسکو: يا ترى هم أغبياء أم خونة.
العمة: وهل هناك إلا شعرة بين الخيانة و الغباء، الغبي الذي يَقبل أن يحمل عصا الرعي و يسوق القطيع عن جهل إلى أوكار الذئاب يكون خائنا وإلا ما كان يحمل العصا وهو يعرف أنه ليس أهل لها.
سپاسکو: نحن أمام نوعين من الغباء او نوعين من الخيانة.
العمة: نفس الخراء الذي نأكله من أيام آدم وحواء، هناك خائن غبي ويقابله غبيا خائن والاثنان يؤديان مهمة واحدة، وهي إنهاء القطيع.
سپاسکو: نعم… ولكن البركان الحالي ليس شر مطلق أنه يقذف الجحيم ولكنه ايضا يقذف الذهب، والراعي الشاطر يجنب قطيعه المحرقة ويجني الذهب.
العمة: هذا إن كان الراعي يعمل للقطيع، ولكن الرعيان خاصتنا اقزام صغار يرضون بالأشياء الصغيرة، تركوا الذهب ليفوزوا ببضعة دولارات.
سپاسکو: قولي أنهم عملاء.
العمة: وهل العمالة بيضاء ام صفراء ام خضراء، الرعيان الذين يضيعون على القطيع فرصة الظفر بمراع كلها ذهب لن اجد لهم اسم غير اسم عملاء.
سپاسکو: اي فرصة.
العمة: فرصة بغل مثلك التي يستطيع القطيع فيها الفوز بالمراعي الذهبية
سپاسکو: غالبية القطيع لم يسأل نفسه بعد، لماذا هذه الصراعات والخلافات بين الرعيان.
العمة: القطيع لم يصل إلى مستوى ان يسأل نفسه ما هي مهام الرعيان، بل الاغلبية تعتقد ان من واجب القطيع خدمة الرعيان وليس العكس.
سپاسکو: لهذا في النزاع بين الرعيان نجد كل خروف يقف خلف راعيه بل يشاركه في النزاع.
العمة: سؤال يكاد يفجر راسي ولم اجد له اجابة، الخراف تعلم علم اليقين ان الرعيان مزيفون فاشلون موالون للذئاب ومع ذلك نجد كل خروف مستعد ان يمزق القطيع من اجل راعيه.
سپاسکو: المتبع عند كافة الخلائق ان الراعي يكرس حياته في خدمة القطيع، إلا ابناء الجن فانهم يضعون كل شيء في خدمة رعيان قيمتهم لا تساوي قشرة بصلة فاسدة.
العمة: لن نستطيع التقدم خطوة طالما نرفع ارجلنا إلى الاعلى ونضع رؤوسنا على الارض.
سپاسکو: تقصدين ان نجعل الرعيان فداءا للقطيع وليس العكس.
العمة: على القطيع ان يدرك (عندما يتعارك ذئبان، ويقتل أحدهما الآخر، هذا لا يعني أن الذئب المقتول واجه حتفه دفاعا عن القطيع، إنما قاتل لإثبات أحقيته في افتراس النعاج) هذا حالنا خلاف الرعيان هو على من يكون له الحق في تسليمنا إلى الذئاب.
سپاسکو: هذا مرض.
العمة: اي مرض.
سپاسکو: لماذا لا يحتفظ الرعاة بالخراف لأنفسهم بدلا من تسليمها إلى الذئاب.
العمة: هذا ليس مرض بل منيكة، المنيوك لا ينال اللذة إلا إذا الهب زب كبير طيزه.
سپاسکو: اعرف منيوكا هرما يتوسل الزعران ويدفع لهم أموال كي تنال ازباهم من مؤخرته، ما اسعدنا رعياننا لواطيين بالجملة.
العمة: البركان الذي نعيشه عجيب غريب ساحر يجذب إليه الاقزام قبل الجبابرة ولكن ليست كل فراشة تذهب إلى السراج تنجو من الاحتراق.
سپاسکو: انه كذلك… كنت أعتقد أننا سوف نحوم من حوله دون أن نتحول إلى رماد ولكن بدأت اشك في ذلك، والعتب ليس على البركان بل علينا، نحن قطيع جاهل سلمنا مصيرنا إلى رعيان منايك.
العمة: همممم وماذا عن متغطرسيك.
سپاسکو: هوهووو المنيكة لديهم شبكة عميقة لها اسرارها و ايديولوجيتها ونظامها وفلسفتها ومهندسيها كل شيء يجري في كهوف بعيدة إلا المقابر يزرعونها قريبا منا على وجه الأرض.
العمة: هل خاب ظنك بهم.
سپاسکو: يجب أن ادوخ اكثر حتى أعطيك إجابة شافية.
العمة: جحش وسوف تبقى جحش بخصوصهم اعرف ماذا يدور في خلدك وسوف تبرهن لك الأيام أنك بالغت في التبرير لهم.
سپاسکو: معشوقتي أتيت إليك لتكسري رأسي وتخرجي منه اسباب الدوخة دعي هذا الحديث وهاتي لنا شيء من حساء البطاطا فأنا منذ ثلاثة أيام لم أتناول كسرة خبز.
على العشاء دار حديث عائلي بين العمة وبناتها و سپاسکو، طرحت احداهن فكرة الرحيل ما جعلت اللقمة تغص في حلقه، هذه اول مرة يسمع فيها أحدهم يقترح عليه ان يتحول إلى لاجئ، كأنه لم يتحمل فكرة أن يجد نفسه نازحا، لم يكمل سپاسکو عشاءه ذهب إلى الفراش وتمدد على دبابيس هواجس، ظل طوال الليل يسأل نفسه كيف يكون شكله وهو في خيمة النزوح ، مع أن هذا الاحتمال كان واردا في ذهنه، حيث أخبر زوجته بعد استيلاء العفن على البركان أن الأمن سوف ينعدم وأن الناس سوف تأكل بعضها بعضا في وضح النهار، وأن الكلمة سوف تكون كلمة من يحمل بندقية، وقد نجد انفسنا هائمين في العراء ليكون اقصى ما نفكر به هو خيمة، قد تقصفنا الطائرات كما قصفت حلبچة او نسحق تحت مجنزرات الدبابات أو نتناثر أشلاء على وقع دوي المدافع، ستأتي أيام نلعن فيها الحرية التي خرجنا نهتف لها، حين يصبح الماء والكهرباء والمحروقات والخبز والدواء ذكريات جميلة، سوف نشتاق إلى الخوف القديم الذي اعتدنا عليه حين يحتل رعب جديد قلوبنا كلما سمعنا أزيز الرصاص او صوت مروحية تحوم فوق المدينة في عتمة الليل.