نحو وعي أوسع لموسيقى الشعر

 ابراهيم محمود

–  3  –
الجسد الكردي الملغَز في الشعر:
حاولت – حتى الآن- التحدث في موسيقى الشعر، فيما يمكن أن تكونه الموسيقى، بما يتجاوز الحدود التي تتأطر داخلها، التعرض للشعر، أكثر مما هو مَعرَّف به سماعياً، وفي القرطاس الالكتروني خصوصاً، ومن خلال ذاتية الموسيقى التي تتأصل بلوغَ سن رشد هارمونياً، أو نبوغ صدى عالي المستوى روحياً، اعتماداً على موقف الشاعر الكردي، وكيف يصرّف جسده شعرياً، كيف يموقعه: يهَرمِنَهَ: من الهارمونيا، وفق علامات، لا يعود للعلامات الخطية، أو الخطاطة العلاماتية من قيمة مرجعية، إلا القيمة التذكارية وحدها فقط، عندما يقيم جسده في العالم، وهو على عناية كاملة به، وقد توزع بين مدى مرتجع: فيما ينوبه ماضياً، عبر ارتباطه بمن ينتمي إليه مكاناً وزماناً، وعما يثيبه، وهو يندفع به، في منتهى طاقته، ذات الصلة الحميمة بالعالم، جامعاً بين المتعارضات، بين مخلفات ما كان بفواجعها، وتحالفات الراهن، ورهاناتها المستقبلية،
كيف يصعد بأخطائه، وهو على علم قاعدي بها، ينبري في الكذب باعتباره شاعراً، دون أن ينسى من يكون : كذاباً عالي الطراز، ومصرّف الكذب الحميد شعرياً، في عالمه، لتكون له حداثته المختلفة، تلك الحداثة التي لا يعبأ بها سواه: الغربي: المنهمك بجسده المستقبلي كثيراً، ساحباً ماضياً ما، خلفه، والعربي المرئي، المقروء من قبله كثيراً، كنموذج قابل للدرس للمقارَن، المنهمّ بتراث يضمه إليه، وهو في حيرة النموذج التراثي، وغرابة المنتقى، ومدى نجاعته، وهو يرنو إلى المستقبل، من منظور حداثة، تحمل أبوّة ما، لما هو ماض فيه، مهما بدت حداثته سريالية الطابع( من ينسى أدونيس هنا؟).
لعلي، في هذا الملتقى البحثي، والمتسلسل، في أهبة البحث عما هو موسيقي، أحاول الحديث عن الجسد الكردي، الجسد الملغَز في الشعر، وما يمكن تخيل الموسيقى المتشكلة من خلاله، دافعاً بالبحث إلى مدى آخر، أوسع، وأكثر غوراً، تأملاً وتحملاً للمزيد من الأسئلة في دورة السرد الشعري المختلفة، في سيمائها الكردية، سريالية الكردي المغايرة، علاماته التي تشده إليها: مستقبلياً، يجيد استعمال البوصلة التاريخية أماماً، مثلما يقلقه النظر وراءً، حتى وهو في أكثر مشاهده ذات المحك الشعري الطليق، حضور ذات فردية، إذ تكون فردية محيَّرة وعيَ عالمٍ.
الجسد- الجسد – الجسد: ثالوث ، به ينطلق، وبه يحلق، وبه يعلَق.
أعني هنا، مأ أشار إليه أحد الباحثين في الجسد، في مفتتَح عصر النهضة، حيث القرون الوسطى تكون آخذة بتلابيبه من الداخل، ومن خلال مهرجانات، مناسبات، أوقات تعزل الفرد عن جسده الفردي، مثلما تراهن عليه، وهو في بؤرة الإقامة الفردية بالذات، إنه ( الجسد المضحك)، لأنه يستجيب لندائه الذات، ونقيض الذاتي ( إن الجسد المضحك في الأفراح الكارنفالية يتعارض بطريقة جذرية مع الجسد الحديث. إنه بديل ورابط للناس فيما بينهم، وإشارة لتحالفهم. إنه ليس جسداً منفصلاً …- انظر كتاب دافيد لوبروتون: انتروبولوجيا الجسد والحداثة، ترجمة : محمد عرب صاصيلا، المؤسسة الجامعية، بيروت، ط2، 1997، ص 29).
أتحدث عن فن إتقان الكذب في صناعة الشعر الذاتية، عن كرنفالية الجسد للشاعر الكردي، وهو يتقدم حداثياً، ويتلغم أجدادياً، إن جاز التعبير، إذ تحركه الأحداث، فيعجز عن التواصل القاعي المائي معها، بسبب كرنفالية جسده، جسده المضحك، الموغل في الكذب الشعري، وهو المدرك أنه شاعر، لكنه المدرِك بدوره، لما لا يستطيع تسميته واقع حال، لمحكوميته كرنفالياً.
ربما، يكون ذلك، بُعداً رئيساً في عدم الارتقاء بوعي الموسيقى داخلاً، حيث ينبري شاعراً.
أعني جانبه المكبوت فيه، حتى وهو يمارس اعترافاً بما هو محظور ما عليه بتسميته، كون الاعتراف بالمكبوت، يستدعي ما وراءه، أي جسده الذي يعتبره حقيقته الواضحة تماماً، وهو يمارس إفراغاً له، وملئاً، بطريقته، ليسمي حداثته، وهو الكرنفالي كثيراً.
ثمة نماذج مختلفة، وما أوفرها، من خلال المنبر الانترنيتي، لا أريد أن أضحي بجماليات الكثير منها، بكذبها الجميل، لأن ثمة ما يتحرك خلف الواجهة، هذه التي تمثل جسد الكردي شاعراً، فأنا أحاول تذوق هذا ( الكذب الجميل)، رغم أنه لم يبلغ الظزاجة المرجوة، بقدر ما يرتسم فجاجة رؤية للعالم، من جهة الموقع الذي يعنيه هو بالذات، لأنه لا يُنسى ككردي هنا، ولو في أكثر من لغة !
ثمة مقبوس للشاعرة ميرفت .ي. جاسم Mürüvet.Y.Cacim، من قصيدتها المنشورة حديثاً نسبياً، أي سنة 2006، وفي موقع ( روزآفا)، وهي (  تهّدهَد :   DE LORÎ) – رغم أن هذه المفردة عصية على الترجمة لصلتها بما هو فونيتيكي، دلالي،يقدم مادة دسمة في هذا المنحى.
ففي الوقت الذي تسعى الشاعرة إلى موقعة جسدها حداثياً، إلى خلق مناخها الشعري المعبّر عما تشعر، وتريد قوله واقعاً، ومن ثم بث الموسيقى التي تأتي بمثابة الجسد الغض ، والطفلي، ذاك الذي تغمره الهدهدة، وهي تبث شجونها من داخل الجسد، وإن تجلت محكومة بالآخر، بماضيها بالذات، ومندفعة إلى مجاورة مستقبل، يخصها حداثة مقام، وهذا المقام البرزخي، لا يخفي شتات الذات، قهر الروح داخلها، أعني عدم ضبطها، كحداثية، لأنها منجرحة روحاً، ولا هذر القول، بسبب هذا الشتات، شتات الجسد الكرنفالي الكردي، وانغماره بهجانة واقع الحال، وهذا معبَر آخر، ومؤثر، عن مدى صلة الشاعر، ناشد الحداثة، تميز الجسد المقتدر، بإرثه التليد، مقارنته بسواه، مما ذكرنا: فربياً وعربياً، كما هو جغرافيته التي أودعَت جسده، وميرفت ” مروَت” في الملفوظ المتداول كردياً، لا أظنها أفلحت في الاستحواذ على كامل جسدها، لثقل معاشها:

De were tariya dilê min
Ramana min ya koçber
weke êşekê bikeve nav bedena min
ji bedena min biqetîne vî rihê kole
Li benda te me ez
bibe xumam û hêsir
di kortikên çavên min de
û bibare dilop bi dilop
paqij bike demên çuyîn ên bi qilêr
ji min re dîrokeke nû bineqişîne
De lorî
De were tenêbûna min
xwe berde şibaka dilê min de
û bi tenêbûna xwe ve were
tu di ramana min de yî
ramana min bi te ve ye
bêkesiya te qeyd û zincîr in
di dilê min de
dilê min tenêbûna te dihêre
De lorî bihêre lorî

De were evîna bê evîndar
bê deng bibihîse hawara dilê min
wek beybûnê vebe li rûyê min
û ez di menzîla evînê de me
Hey wax tenêbûn tenê hatiye
Li benda bihareke din be
axx dilê min lorî de lorî

 ألا أقبل يا حلكة قلبي
فكري المرتحل
كعلةٍ تسلَّل إلى جسدي
اجتثَّ من جسدي هذه الروح الخانعة
أنا في انتظارك
صِر غماماً ودمعاً
في محجرَي عيني
وانهمر قطرة قطرة
نظّف تلك الأزمنةَ المنصرمة الوسِخة
دوّن لي تاريخاً جديداً
تهدهد
ألا أقبل ياعزلتي
انطلق شطر نافذة قلبي
وأقبِل بعزلتك
أنت طيَّ فكري
فكري لصيق بك
وحدتك أغلال وأصفاد
في قلبي
قلبي يطحن وحدتك
 ألا تهدهد، واطحن، وتهلل
ألا أقبل أيها العشق دون العاشق
اسمع صراخ قلبي في صمت
تفتح كأقحوانة في وجهي
وأنا في مقام العشق
أواه، أواه، العزلة وحدها أقبلت
انتظر ربيعاً آخر
أوواه قلبي، تهدهد، وتهلل.
إن ميرفت محكومة بمن تحب، وما يعنيه الحب هذا دلالة، وفي الوقت ذاته، تكون متطلعة إلى الأمام، وهي في مجمل محاولتها، تظهر موقعها، مدى تأثيرها في من تحب.
 ولكن، وكما تعلمنا الكلمات المتواعدة هنا، لتصيغ المشهد الحسي ذاك الذي يعتمل داخلها، لا يبدو عليها ذلك الاتساق والتناسق في مكونات الصورة الشعرية، تلك التي تكفل بإيقاظ روح الموسيقى، إذ لم لم تمنح كلماتها الفرصة الممكنة لجعل المدوَّن شعراً، وبالقدر الكافي من الومض الشعري، كون جملة العلاقات التي أدخِلت ،بين الكلمات لم تولّد فيها الحركة النافذة المفعول.
إن هذا يرجع ، ليس إلى قلقها الداخلي فقط، وإنما إلى رغبتها فيما تريد وفيما لا تريد، في ذاتيتها من الداخل، في توزعها بين ما هو ماض، كما تقول شخصيتها التقليدية بجلاء، وهي تهفو إليه، وتتكتم، كما هي مطلوبة، باسم التقليدي فيها، ونشدانها للآتي الملهِم لها، حيث ثمة حداثة في انتظارها، حداثة الجسد الذي يعدها بما تتوق إليه، باسم مكبوت لم يُفصَح عنه كما يجب.
الحداثة تحرر الداخل من الداخل، كما هو تحررالمتخيَّل الذي تحف به الشفافية، والقدرة على المكاشفة للروح الخاصة، للقلب الممتلَك أنثوياً، من سلطة المتخيَّل ذي التاريخ القابع داخلاً: علاقات وتصورات وصياغة كلمات، وحتى تشكل أحلام…
الحركة التي تستولدها الكلمات، ترادف حضورها المتناثر داخل القصيدة، حضورها الممثَّل بالكلمات: بين أن تكون ممثَلة ذاتها، وممثَّلة بذاتها التي تعتَم على شخصيتها كثيراً.
الإثنان سواء، كلٌّ رهينة وحدته، عزلته، ولكنها في الوقت الذي تتبدى قوية، اندفاعية، خارج المكان الضيق، تظهر رهينة المكان، ثابتة، في انتظاره، ليكون هو إطلالتها الحياتية فقط.
لا أتحدث عن كلمات استخدِمت في غير محلها من جهة الدقة، كما في ( biqetîne)، والتي تعني حرفياً( اقطع)، والمطلوب هو فعل ( اجتث)، كما أوردت استجابة للمتصوَّر، أي بصدد عبارة ( الروح الخانعة)، وكما في qeyd û zincîr، والاكتفاء بواحدة يفي بالغرض، وما يخص مفردة رئيسة، هي tenêbûn، كما لو أنها تعني  ( الوحدة – العزلة المحققة)، كما الحال مع ( hebûn- nebûn: وجود- لا وجود)، أي ( tenêtî )، هي الدقيقة هنا، ووفق مقتضى المسرود الشعري ومتطلباته الدلالية، وتبقى عبارة( دوّن لي تاريخاً جديداً) تقريرية، لأنها تكون تحصيل ما قبلها، فلا داعي البتة لتثبيتها، طالما أن ما تحدد سابقاً، هو الذي يكفل بمهمة كهذه، ويعني هذا، أن المفردة الشعبية، والتي تدركها الأمهات المرضعات ، وهي ( de lorî) بقيت دون القيمة المجازية المتوخاة، وهي مفصلية كما يظهر، إن من جهة التوظيف الرمزي، أو العلائقي بين الكلمات كافة، كما لو أنها هي ذاتها تنشد من يهدهدها داخلاً.
القصيدة في طور الحداثة الملموسة، ولكن وعي الجسد المقابل، وهو وعي القهر المتفعل في الجسد هذا، لم يمنح الشاعر، ما أراد ته : رفع َشأن كلمات متسلسلة، وصدح موسيقى ضمناً.
وربما كانت قراءة القصيدة الأحدث للشاعرة، وهي (  آه قلبي، أواه يا قلب Ax dilê min wax dilo) ، والمنشورة في موقع ( روزافا) في الشهرالرابع من سنة 2007،  ما يشي بهذا التلاشي الجسدي، في حمَّى الآخر، الآخر المنشود بكامل دلالته القادرة على إرساء دعامة التوازن النفسي في كينونتها، إنساناً وكأنثى، حيث الحداثة تظهر أكثر انكفاء: انحساراً، وحتى تخوفاً من تصعير خدها في مواجهة ما هو قائم تقليدياً، في المسرح الجسدي الكرنفالي، الجسد الممهور بالتقليد كثيراً، كما تردد اللغة، معاناة الذات الأنثوية، وقلق الرؤية من الداخل:

Ax dilê min wax dilo
Çi maye tiştên ku te ji min nebirî,
Çend heb tiştê bêxêr mane ji min re
Yek çavekî bi hesir û dilekî herikî
Çend bîraninên di nav mij û xumamê de mane ji min re

إن محاولة ترجمة المقبوس، تظهر ضياع المعنى أكثر، وخفوت الإيقاع، بصورة أكثر إيلاماً، نظراً لسيرورة القهر داخلاً:
آه يا قلبي، أواه يا قلب
ما الذي بقي لدي، ولم تستحوذ عليه
ثمة  القليل العديم النفع بقي لدي
من ذلك عين دامعة، وقلب جار ٍ
ثمة ذكريات باقية لي،  طي الضباب والغمام … الخ.
ليس هذا تقهقراً عما سبق ذكره، وإنما هو التعبير الصريح، وربما هو اللافت، بمدى معايشة الذات الشاعرة لذاتها، حالة الجسد من الداخل، وكيفية متابعة الجسد لأموره اليومية تبصرةً، وكشف مقام، وما يتبع الإجراء اليومي والحدثي هذا، من تأثير داخلي، ومن تعبير، مقلق، وموسيقا، لا تلفت الآذان إيقاعياً.
وأظن أن الحال مع آسو عليكا Aso Elîka  ، في قصيدة(الجثة الرخوة : Termê xav)، وهي منشورة في موقع ( روزافا)،حديثاً، أي سنة 2006، في المستوى ذاته، من جهة الربط  اللاعملي بين ما هوحداثي منشود، وما هو في حكم التراثي، على صعيد تقنية الكتابة، وما يأتي في إثرها إيقاعياً، وأعني بهذا، ذلك الوعي النابض بالمرغوب فيه، وعي الدمج المتبصر بالحداثة التي لا تخفي تاريخيتها، أي ارتباطها بما هو ماض، وجعل الماضي هذا مركزاً، في نطاق تفرد الشخصية الشاعرة، ونباهة الموقف ذاتياً، ليكون التحرر مما هو كرنفالي، العلامة الأبرز، لهذا التوجه الشعري، واستشراف إيقاع مختلف موسيقياً،  وهذا ما يمكن ملاحظته من المدوَّن فيها:

Li qiraxa vî dilî
Termê evîna neqşok,
Bê ewlebûn hilgirim
Reh hişk e wek pûş
Te gêre bikim
Bidêrim li ber bayê vê payizê,
Tu bibî ka û kapik
Li ser tirabêlka vî canî,
Te bi gorî bêhna pehîzokê bikim
Û berdim bêhna te yî tîr ji qorzîka vî gewdeyê herifî
tu hilperikî bû xwîna min î lerizî
ez te li nav mayînên vî welatê bêkêr belav bikim,
di hişkaya te de hilma barûdê biçînim,
te derxim meydana her bajarî…
li te bicivînim siyên giran, te bikin pîşo li ser birînên vî giyanî.

Tu şekirê ristok bû, li ser lêva min tu dilopa tenahiyê bû,
di çavê min de rondika şahiyê bû,
lê tu îro meşka zuha , cilmisî ye, bi stûna nig şkestî ve bi darvekiriye,
êdî hew…hew…hew te dinoşim tu jiyana stewr e lê…
ويمكن وضع المقابل لما تقدم، بالصيغة المقترحة التالية:
على حافة هذا القلب
جثة الحب المتلونة
أحملها بلا ثقة
العصب صلب كالقش
أدرسكِ
أذرّرك أمام هواء هذا الخريف
تكون تبناً ونخالة
على غضار هذه الروح
أجعلك قربان رائحة الشتاء
وأطلق رائحتك المكثفة، من زاوية هذا الجسم المتهاوي
أنت ناوشت  دمي المضطرب
أنثرك وسط حقول ألغام هذا الوطن العديم الجدوى
في صلابتك أزرع بخار البارود
أخرجك إلى ساحة كل بلدة
أجمَع عليك الظلال الثقيلة، تجعلك رماد المحروق على جروح هذا الجسد
كنت السكَّر المنظَّم، على شفتي، كنت قطرة الوحدة،
كنت ، في عيني دمعة السرور
لكنك اليوم القِربة اليابسة، المتداخلة، معلقة بالعمود المنكسر
إذاً ، كفى.. كفى، لم أعد أهتم بك  إيه ِ… أنت حياة عاقر
مهما احتوت القصيدة من حركة( وهي موجودة)، ولكنها كشأن المصاغ شعراً، واضحة الاضطراب، كما هو جسد الشاعر في تبيّنه : المقتدر والمنكسر، إذ يمارس رجولة تجلوها فحولته التليدة، والتي تتأصل فيه، كما هو سرده البياني في  سياق المشهد الشعري، ولكنه يعيش فحولة مهزومة أمام رجولة تعجز عن وعي واقعها، وهو يدوّن واقعة شعرية، واقعة حداثية، ليس لفقه الكلمات داخلها، ما يشي بالصدى الموسيقي اللافت، كون انزياح المعنى الأدبي قد توارى وراء كم ملحوظ، من الاستخدامات غير الدقيقة من الكلمات، وبالتالي، لتكون الموسيقى واقعة في فخ تصور المسرود، وليس ما ارتآه الشاعر بالذات:
وهو يوغل في الوصف، كما هي البداية، وعبر عنف لا يمكن التكتم عليه.
وعندما يتحدث عن النخالة، وهي لا علاقة لها بالقش، إنما مسحوق القش المطحون، بقاياه في الأسفل ( ÛR، والنقيض في الطرف، يكون التبن القاسي الذي لا يصلح علفاً للحيوان ، أي (Kozere)، والنخالة لصيقة الحنطة بعد قشرها، ثم طحنها، ثم أن العلاقة بين المراهَن عليه، وهو يخاطب من يود، وما تكون عليه تسلسلاً، يخرج عن سياق المنظور الشعري، الشعر الذي لا يخفي ولَه الشاعر به، ولكنه أيضاً، لا يخفي  عدم سيطرته على الكلمات التي تنمحه حضوراً باعتباره شاعراً، وفي الإثر تكون الموسيقى، في منتهى حداثة المتصوَّر إيقاعياً: تأزماً.
وتفصح تجربة الشاعر عبدالرحمن عفيف، عن نزوع مقاوم نحو التمايز، وهو نزوع يظل في حكم المرجأ، على صعيد الوعد بحداثة، كما هي مشتهاة، الوعد ببث موسيقا تحمل وزر كتابة القصيدة التي تعرَّف به، كما يكون هو معروفاً باسمه، دون التنويه إلى ستارة خلفية، تمثل المؤثرات الفاعلة أو النافذة فيما يتخيل، أي فيما يكتب، تحت وطأة إرهاصات الآخر، أكثر من كونه تناصاً، إنما من باب التأثر الملحوظ، وأشير هنا إلى سليم بركات، هذا الذي تناولته في هذا المنحى كثيراً ، في كتابي ( قتل الأب في الأدب” سليم بركات نموذجاً”) إصدار حديث ” سنة 2007″، وعبر نماذج مختلفة، ولا أظن عبدالرحمن ببعيد عنه، وهو يحاول التعريف بذاته شعرياً، في الكثير مما يكتب، ويزاوج بين الكتابة بالعربية والكردية، ولديه ترجمات أيضاً، عن الألمانية وغيرها، وحين أسمي ذلك، فمن باب لفت النظر إلى مدى الانفتاح على الآخر، ولكنه انفتاح يسبي الذات كثيراً، عندما الآخر يفضي بغواية الجذب.
أشير هنا إلى قصيدته ( في قمر التوت الأبيض)، حيث قرأتها في مجلة ( سورمي) المحلية، العدد 2-3| 2006، والعنوان واضح في حداثته، في التحليق بالذات، والتحرر من وطأة الآخر: التقليدي، أو الآبائي، ولكن، وربما هي إشارة من الداخل، ومكانية، كما هو الاسم اللقب غير مدون ( عبدالرحمن عفيف حسيني)، يكون التقليد بالاسم غير مرئي، إنما هو متسرب إلى الداخل، ومن خلال الصفاء الكتابي المتصوَّر، وتتالي مسرديات السرد المكانية، كما لو أن القارىء يتابع بصرياً، وقع خطى الشاعر في المكان، المكان الذي تركه خلفه بركات ذات يوم، ولكنه أطلق فيه طيفه الكلي السيطرة الاستقطابية، في احتواء جملة متخيلات المعنيين به، وليس عبدالرحمن بمنجى من هذه السيطرة، حيث العلاقة أكثر من كونها ( قلق التأثر)، وأنا أشير هنا إلى كتاب الأمريكي هارولد بلوم ( قلق التأثر” نحو نظرية في الشعر”- الترجمة العربية، بيروت،1998، الفصل الأول خصوصاً)، إنه ( إقلاق التأثر) بالذات، انزياحاً في رصيد الذات الخبراتي: النظري والعملي، في مجال مكاشفة شعرية الذات الخاصة، وموسيقاها المعزَّزة بها :
أجد هنا في وحدتي العالم
أجد الكرسي ثانية
أجد شقاقئق النعمان في حوشي
أجد فنجان القهوة
بهذه النعمة أحمل الكرسي
وفي الحشائش الطويلة
في السياج المصدأ
في درج القبو
أعرف ثانيةً
….
أسأل درج البيت في عامودا
وفي الشباك
” هل ترتج يا ضوء . أمينة- ؟”.
موقف الباص الأزرق
في الريح
شجرة التوت في يد . أمينة -… ص 124.
ثمة سياحة مكانية، سياحة لا تخفي طابعها النسخي ( السمولاكري)، في بذل المجهود المضاعف، لأن تأتي القصيدة في مستوى مأمول متخيَّل، منمذج في الذاكرة، لأن المستحضَر لحظة القراءة، هو النموذج، صانع النموذج، مجسده، جسده المتحوَّل يُمنياً: بركاتياً( من البركة)، كما لو أن النموذج هو خط عرض غرينتشي، يهتدي به الكردي متنمذجاً من الداخل النفسي، رغم سياحته المديدة في الأرض، وهو الممتلِك لما يعرّف به متميزاً عن غيره شاعراً.
إنها دوزنة متبوعة، مثلما هي موسيقى مستعادة، لتؤلَّف كلمات في سياقها، لا العكس.
وكما قلت، فأنا هنا، لا أمارس تجريداً، للشاعر، وكقارىء، قبل كل شيء، مما يميزه كلياً، وإنما أشدد على هذه التغويذة النفسية في تمثل الآخر، والبعد الكرنفالي المتحوَّل فيه بالمقابل، وأنا أشير مثلاً، إلى قصيدته المكتوبة بالكردية، والمنشورة في موقع ( روزافا) في الشهر الثاني من سنة 2006، وتحت عنوان لا يخفي غرابته، غرابة النموذج نوعاً ما( دائمياً دائميا: Timmî ye timmî ye)، رغم أن صنعة العنوان المذكور تتجاوز الترجمة المقابِلة.
ولعل ما أثاره  سليمان آذر Silêman azer، من صور وتداعيات، في قصيدته المنشورة، في الشهر الثالث، من سنة 2006،في موقع ( روزآفا)، وهي بعنوان( مشاهد من الذكرى bîranînê Dîmenin ji  ) يمكن اعتباره التجلي اللافت في مضمار الشعر الحداثي، أعني سعيه الدؤوب في أن يكون حداثياً، وهو يمارس ترجمة ذاتية ما، لجسده، برغبات وتطلعات وتهيؤات مختلفة، والسؤال الذي يمكن طرحه في هذا المنحى، ونحن إزاء هذا الكرنفال الشعري الموسوم، هو: إلى أي مدى، يمكن اعتبار هذه القصيدة، في مسبكها الشعري، قد أفلحت في خلق موسيقاها المنشودة؟ أي مشكل في بنية القصيدة، في شعر سليمان آذر، وهو يحتفي بجسده، مع من يهوى ؟ ثمة اثنا عشر مقطعاً قصيراً في المجمل، ربما تأثراً بالمفهوم الدلالي للرقم ( 12)، عدد شهور السنة خصوصاً، عدد سني عمر الطفولة، والدخول في عالم الصبا :

1
çend,
  lêvên,
     evîndar.
memikên evînê,
      ajotin.
û tê de,
windaçûn.

2
Ne xem e,
  erê,
   ne xem e.
ko,
tu,
  rût bî,
  gunehkar bî,
  mîna,
helbestekê.

3
Di tarîşevan de.
  xewin,
   li pêsîran,
  digerin.
tek,
  evîn,
         şeveder,
          dimîne…!!!

4
ko,
dilê,
    helbestvane,
     weke çavên te bin.
evîn,
   tu,
    hêlîna,
       avanake.

5
Di van,
bakuran de.
roj,
bi hatinên xwe re,
deryayin sor,
  şiyar dike.

6
Pilêtek,

ji demê kirî.
ramîsanek jê re derket.
evîngehek vekir.
û bûbû,
ramîsanfiroş…

7
Hêviyekê,
  keriyê xewnan,
      rakir,
şevînê.
ne dem,
çêrandin.
û
ne li şûnwara,
     Vegerandin.

8
Şev,
ji min xeyidî,
         û çû.
roj,
Ji min xeyidî,
      û çû.
dem,
ji min xeydîn,
      û çûn.
ez,
   û mirin,
     mane dost,
             û çûm.

9
Çivîkekî,
ji şaxên darekê,
          barkir.
Sibehê,
gulşenekê,
xwe bi benê sêdaran ve,
      daleqand.

10
Sirûdek,
    ezberkir.
û
sînga wî bû bû,
çiyayek ji hêviyan.
ne çiya,
      bilind dibû.
û ne sirûd,
hate xwendin.

11
Pêlek,
ji devdawa,
      deryayekê de ket.
pêl bû rondikek,
û derya jî,
ma çav

12
Du,
pencere.
hemberî hev.
westane.
di bendewariya,
vebûna dergehekî de.
du pencere,
camên xwe di pûtexana,
bendewariyê de,
yek,…
  bi yek…
     serjêkirin.
û
li bendeyî,
  wê bendewariyê ne,
     du,
          pencere
بداية لا بد من التنويه إلى  أن المقاطع السالفة، تذكّر بقصيدة ( الهايكو) اليابانية، رغم اختلاف الفارق في الثقافة، وصلة الهايكو ببيئتها ووظيفتها التليدة، وهذا النوع من الشعر، أو النموذج الشعري المتيبنن( من التأثر بطريقة كتابة شعر الهايكو يابانياً)، يمكن تلمسه، أشبه بعدوى، لدى الكثير من شعراء الكرد، بوعي أو بدون وعي، من ناحية التقليد، وما وراء هذا التمثل الشعري، ذي الإيقاع المختلف( انظر للمزيد، حول الهايكو، وأبعاد الهايكو، كتاب كيتيث ياسودا: واحدة بعد أخرى تتفتح أزهار البرقوق” دراسة في جماليات قصيدة الهايكو اليابانية مع شواهد مختارة”، ترجمة وتقديم : محمد الأسعد، سلسلة إبداعات عالمية، العدد 316، 1999).
ثمة لعب على الكلمة، من خلال بذل المزيد من الجهد،لاستقطاب صور تشكل مشاهدَ، ما كانت تجد قبولاً لدى الذائقة الشعرية قديماً، ولا هي بمقبولة عند البعض، وربما الكثيرين، هنا وهناك راهناً، كونها تتطلب تكثيف جهود مضاعفة، للربط بين عناصرها، وقد تناغمت في إيقاعات متتابعة، عدا عن صعوبة أخرى، تخص الاختصار في كل مقطع، والاختلاف، حتى في السرد واتجاهه في السرد الخطابي، بين المخاطب المفرد والجمعي، والغائب، والتنويع في الموضوعات، كما لو أن الشاعر يمرن ذاكرته، جسده، على تقبل هذه الشحنات الانفعالية وقد استشاطت آثاراً شعرية، أي أن القارىء يجد نفسه، ومن خلال العنوان الموجّه ( مشاهد من الذكرى)، إزاء تداعيات مفككة، إلى درجة أن القارىء المعني يحتار، مثلما يتلبسه الاضطراب، في مرتقى قول شعري كهذا، فيما إذا كان الشاعر، قد تلقَّى هذه الدفعة من الصور، دون فصل زمني، بين مشهد وآخر، أو- وهذا هو الأهم- أراد وضع قارئه بالذات على المحك، مثلما عرَّض نفسه للاختبار، وسط حزام صاعق من الموضوعات المنفصلة باتجاهاتها، إلا عبر نسبها الوحيد، باعتبارها تحمل إمضاءة الشاعر وحده. لقد خطى الشاعر إلى الأمام، كثيراً، بلعبته الشعرية هذه، أي تبدى حداثياً، فيما أتى به، ولكن إلى أي مدى، كانت حداثته من الداخل، وهو في صياغة هذا الكم المحدود واللافت معاً، من الكلمات، هذه التي تشغل مساحة محدودة، إلا أنها تغطي مساحة واسعة جداً، من ناحية مراميها المختلفة، وما يمكن للموسيقى أن تكون قادرة على حمل القارىء على الاستمرار، ومتابعة التذوق هذا الفصل، بين مقطع وآخر، وهو يحتك بإطلالات ماض معاش، كما في الحديث عن الرعي الليلي مثلاً، وشأن العاشق، أو دوران الشاعر، في تمثل الحب أو العشق حول ذاته، وما يتعلق ببائع القبل( نتذكر هنا( بائع السلال)، كمفهوم تناصي ، تثاقفي، وأي رهان له، على إجراء مغامراتي من هذا النوع، والمستوى الثقافي الذي تتطلبه محاولة استيعاب مشاهد ذكرى كالتي رأينا..  أحسب أن ثمة الكثير من المشكل الحداثي في بناء شعري كالذي تقدَّم، مثلما هو النسيج الموسيقي المرافق طي هذا الكم من المشاهد الشعرية ، الموجزة والوامضة، وما هو فولكوري، تراثي، يتأصل في المحتوى السالف، ومايخص فعل إيصال المعنى، وتأصيل الإيقاع الممكن، أعني: هذا الجسد الكردي الذي يبذل جهوداً مقاوِمة، ليكون في مستوى عصره، دون أن ينسى تاريخه الذي قيل، وما زال، يقال فيه الكثير، أعني بصدد كرنفاليته التي لم يعتَق منها، كما ينبغي للضرورة الشعرية، أعني، للضرورة الموسيقية التي يكون متخيَّل الشاعر مسرحاً محلقاً ومفتوحاً لها.
لا يظنن أحد( كما أرى)، أن ثمة توقاً إلى الحرية، هو الذي يدفع بالشاعر، ليتصرف بحاله هكذا، أو يتظلل بذاكرته المعنَّاة، بالصورة المرئية، إنما هو توق إلى الذات المنجرحة، وترنُّم بها، في مهاد التاريخ الذاتي غير المنفصل عن ثقافة قائمة فيها، عن آخرين، يحضرون فيها، بجانبهم الفولكلوري، أعني الجمعي، حيث تبرز المقاطع في مجملها ممهورة بما هو قهري، وهذا هو الخيط الذي يشد عقد المقاطع إلى بعضها بعضاً ( العذاب- التمني- المعاناة- التخوف- التوتر- ثقل المسئولية- القلق- اليأس- الحزن- الوهم- الحِداد الوجودي- عدم الاستقرار)، تلك عي العلامات التي تضع هاتيك المقاطع داخل خانة الجسد الكرنفالي، دون تجاهل طريقة إدارة العلاقات بين الصور الشعرية، والكلمات التي ساهمت في هذا الدور، ولم تفلح حداثياً، كما يجب. وذلك عندما نمارس تدقيقاً منذ البداية :  في المقطع الأول، ثمة تحوير للوصف ، حيث الحراثة من الحرث، بالمعنى الذكوري( نساؤكم حرث لكم)، ولكن التصعيد بالمعنى جلي، كما هو المتطلَّب الحداثي، إذ الشفاه تقوم مقام الآخر: الذكري، والحلمات مستعارة دلالة، وهذا رجوع ضمني إلى حاضنة الجسد الجمعي، رغم أن الصورة هذه لفتة ذكية بالتأكيد، تولّد موسيقاها الرحبة، ولكن ماذا لو وضع بدلاً من ( tê de)، أي ( فيها)، وما فيها من ثقل حركة، ومباشرة قاصر عن تأكيد الخفة الإيقاعية وعمقها( pê re) أي ( معها)، والأفضل من هذه وتلك( ودائماً أقدّم وجهة نظري)، تتكرر مفردة شفاه lêv، لتكون هذه التائهة؟ وكيف يمكن التواصل الشعري الوجداني معها، في فكرتها، حيث يشمخ جسد الأنثى الخصب، في إفوائه للرجل المنمذج عند الشاعر، إذا توقفنا عند المقطع الثاني، والرابع أكثر، حيث الفكرة مغايرة. ولماذا  نقرأ( عارية ومذنبة) بالتتالي، ومن ثم ( مثل)، ودورها المعهود ،في إخفاق القول القول الشعري كثيراً لقوته الدافعية المرجوة؟ إن وجود مفردة( عارية) تضع القصيدة على المحك، وأن تكون ( قصيدة) دون ( مثل)، يكون المتخيل أكثر إيفاء بالقيمة الجمالية. وفي المقطع الرابع ، يبدو القلب موضوفاً، ولكنه يظهر جمعاً لاحقاً من خلال ( bin)، وهذا سهو أو خطأ، أم  أن ثمة تركيباً آخر في المقطع هذا؟ أما في المقطعين : الرابع والثامن، فإن ( roj)، تختلف معنىً: إنها تشير إلى الشمس في المقطع الرابع، وإلى اليوم في المقطع الثامن، وثمة التباس في تصريف المفردة هذه، يبلبل وعي القارىء، حيث مفردة( rok) أو حتى ( ro) تكون جلية بمعناها، وفي المقطع السادس مثلاً ، بصدد ( bû bû)، أليس الاكتفاء بـ( bû) يفي بالغرض، عدا عن توافر عنصر السرعة المناسبة لثقافة قصيدة ومضة كهذه….
ويمكن تشكيل صورة أوضح وأكثر قيمة نقدياً، بصدد ما تقدم، لحظة معاينة نصوص أخرى، وصلة الشاعر بموضوعه، وكيفية ظهور القصيدة عنده، في تنوع موضوعاتها ، والمرتبطة بالجسد كثيراً، كرنفالياً، وفي موقع ( روزافا)، وبعناوين، تشهر حداثتها، كما في قصيدته ( الحلم المعطوب في العري :de  Xewna ewarebûyî di rûtbûnê )، في الشهر الأول من سنة 2006، وقصيدة (  ظل متعب مغطَّس من تحت المياه : Sîberek westiyayî ji binavkirnan )، في الشهر الخامس، من سنة 2007، وقصيدة(  إزاء نفضات عينك : ji ber daweşandinên çavê te)، في الشهر السابع من سنة 2007 …الخ، أقول هذا، ومن خلال أمثلة مختلفة، وأنا أشدد على أنه يستحيل أن يصبح أيٌّ كان حداثياً، أو نابغة شعر، من خلال قصيدة ما، وإن غدت هذه، علامة شهرة له، طالما الثقافة الشخصية، والسلوكيات اليومية، ومواظبة معايشة ( الحمَّى) الشعرية، تشكل فاعليات الخصوبة الروحية، وتجلي موسيقاها المائزة هنا وهناك.
   وبوسعي التوقف هنا، لأترك الباب مفتوحاً، لقارىء يفكر مختلفاً، ويتخيل مختلفاً، ولا أظنه، وهو في بحران الأثر الشعري، بقادر على التجرد مما هو موسيقي داخلاً، وأنا، أضع ترجمة مقابلة للنموذج الأخير، ترجمة، تأخذ في الحسبان، مجموعة من الاعتبارات الخاصة بوعي الشعري، ولغة الشعر، لحظة الانتقال من لغة لأخرى، وأنا لم ألجأ إلى ذلك، إلا، لتكون المقارنة بين المقروء فيما هو كردي أصلاً، وفيما هو منقول إليه عربياً، والمختلَف عليه: دلالة كلمات، وإيقاعَ موسيقى:

-1-
 عدة شفاه عاشقة
حرثت حلََمات العشق
وتهن فيها
-2-
لا بأس،
نعم، لا بأس
لو أنك عارية
مذنبة
كما القصيدة.
-3-
في حلكة الليالي
الأحلام،
تبحث عن الصدور
فقط العشق
يبيت في الليل خارجاً…!!
-4-
لو القلب الشاعر
مثل عينيك
فإن الحب
لا يعمّر أي عش
-5-
في هذه الشمالات،
الشمس بقدومها
توقظ البحار الحمراء.
-6-
اشترى من الزمن
بطاقة
ربح قبلةَ
افتتح محلَّ حبٍّ
وصار بائع قبلات..!!
– 7-
أملَ
ساق قطيع الأحلام
لرعي ليلي
لا الأزمنة تمت رعابتها،
ولا هي أرجعتها
 إلى ما انطلقت منه.
– 8 –
زعل الليل مني
ومضى
زعل النهار مني
ومضى
زعلت الأزمنة مني
ومضت
أنا والموت بقينا صاحبين،
ومضيتُ.
– 9-
عصفورٌ
هجر أغصان شجرة
صباحاً
وردة بهية
علَّقت نفسها
بأنشوطة ثلاثة أعمدة.
– 10 –
حفظ نشيداً
عن ظهر قلب،
وصدره استحال
جبلاً من الآمال.
لا الجبل ارتفع
ولا النشيد
أمكنَ قراءته.
– 11-
موجة
سقطت من
ذؤابة بحر،
الموجة استحالت
دمعة
والبحر استحال
عيناً.

– 12 –

شباكان
وقفا متقابلين
في انتظار
افتتاح بوابة
شباكان
في معبد الانتظار
ذبحا مراياهما
الواحدة تلو الأخرى..
وهما يترقبان
ذلك الانتظار
شباكان ..
——
ملاحظة: بالنسبة للمقبوس من قصيدة الشاعرة جانا سيدا، ثمة خطأ، حصل سهواً، في ترجمة البيت الأول، والصواب هو : ( عندما أمد اليد إليك)، وليس ( عندما  تمد اليد إلي) ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…