الحيار تعجيز وإجبار *

  Stêra

 إن المرأة الكردية كغيرها من نساء العالم تناضل في سبيل تحقيق أهدافها الحياتية السامية ، وبلوغ مكانتها كند للرجل في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها ، وهي لا تدخر جهداً ولا تثني عزيمة ، بل تكدح وتجهد لتثبت أنها ليست أقل قدرة من الرجل في أي من مجالات الحياة  ويتجلى هذا الكدح في شتى صور تطور المرأة ، ففي ميدان الفن والأدب أثبتت موهبتها الفريدة باستطاعتها إضفاء رونق الأنوثة العذبة على الفن الكردي بما يحمله في طياته من جمال روحي وأصداء مؤثرة ، فسرقت الأضواء من الرجال وتربعت مكانة الصدارة بشموخ .
وكذلك في مجال الأدب تمكنت من إيصال صوتها إلى شريحة واسعة من الشعب بما تطرقت إليه من مواضيع هامة وبما طرحته من أفكار نيرة ساهمت بشكل فاعل في مسار البحث عن حلول مناسبة لها وعلى رأسها الهم الوطني والقضية الكردية ، ووضع المرأة الكردية في ظل التغييرات الحاصلة في العالم والمجتمعات المجاورة ، فحملت الأقلام بين أصابعها الناعمة وخطت بمداد آلامها رؤيتها للواقع الاجتماعي المعاش بكافة جوانبه ، فبرزت منهن أديبات مرموقات وشاعرات كبيرات .  ولم تتوانى عن الخوض في العمل السياسي فتعرضت للاعتقال والتعذيب والاستشهاد ، وعلى الرغم من ذلك ، ورغم التغييرات الطفيفة الحاصلة في الآونة الأخيرة في الحياة الاجتماعية الكردية و التي سمحت للمرأة بشيء من حرية الفكر واختيار بعض الأمور التي تتعلق بحيتها الخاصة ، إلا أنها لا تزال بعيدة كل البعد عن نيل ما تستحقه من مكانة لائقة  ، ولا تزال أسيرة بعض العادات الاجتماعية البالية التي تمارس بحقها إلى يومنا هذا ، ولعل من بينها مشكلة الحيار التي تعني إجبار الفتاة على الزواج بابن عمها أو احد المقربين دون أن يعار لمشاعرها أدنى اهتمام أو حتى مجرد التفكير بسلبياته وأضراره الوخيمة على تأسيس أولى لبنات الحياة الاجتماعية المتمثلة في الأسرة ، والسؤال هل سيستقيم مجتمع تعاني أسره من هكذا أمراض فتاكة ؟ بالتأكيد ما يبنى على خطأ هو عين الخطأ ، وما يفرزه سيكون سلبياً على الأفراد وعلى المجتمع ككل ، فمن ناحية يصنف الحيار ضمن مشكلة زواج الأقارب الذي يثمر أطفالاً معاقين في أحيان كثيرة ويخلق التنافر والتناقض بين الزوجين ويسبب لهما المتاعب الدائمة والخلافات المستمرة نتيجة عدم بنائه على الاختيار السليم ، ومن جهة أخرى يسلب المرأة شخصيتها ويجعلها كأي شيء من الممتلكات العائدة للرجل ، لذا من الواجب على المجتمع ككل بما يتاح له من إمكانيات ، العمل بجدية تامة بغية تمكين نصفه المهمش من ممارسة حياته كبشر ذو مشاعر ومواهب وقدرات فكرية ، و يفرض علينا ضميرنا الإنساني أن نكون في موقع المسؤولية التامة حيال ما تتعرض له المرأة من انتهاكات وتجاوزات.
——-
* – Wekhevî العدد 14 آب 2007

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…