اختلافات نوعية في الحضارة

ابراهيم البليهي

ظل الإنسان دهورًا سرمدية وهو جوَّال تائه يلتقط الثمار ويصطاد ما هو قابل للاصطياد من الأحياء
ثم ابتكر الزراعة فصارت هي المجال الأوسع للعمل تضاف إليها تربية الحيوانات وتدجين الدواجن. لذلك فإنه في كل الحضارات القديمة كان اقتصاد الشعوب والأمم يعتمد على الزراعة وتربية الماشية ولم يحصل التغيُّر النوعي إلا منذ وقت قصير وعلى سبيل المثال فإنه في الولايات المتحدة الأمريكية كان تسعون بالمائة من الأيدي العاملة يعملون في الزراعة وعشرة في المائة يعملون في مجالات أخرى تعتمد أيضا على الانتاج الزراعي بينما الآن انعكس الوضع تماما فتسعون بالمائة في أمريكا يعملون في قطاعات الصناعة والخدمات ولم تعد الزراعة تستغرق سوى واحد في المائة من اليد العاملة أي أن الوضع كان تام الانقلاب. 
كانت الزراعة وتربية الماشية هما المجالان الوحيدان للإنتاج وحتى من يعملون خارج هذا النطاق تكون أعمالهم مرتبطة بها وتعتمد عليها فهي لم تكن مجالات إنتاجية لذلك كانت إمكانات النمو في الحضارات القديمة محدودة جدا. ثم تبدلت الأوضاع الاقتصادية تبدُّلات نوعية هائلة فالحضارة الحديثة هي الحضارة الوحيدة التي استخدمتْ العلمَ وسخرت الطاقات المخبوءة في المادة لخدمة الإنسان وتنمية إمكاناته ووسائله دون سقف محدد لهذا النمو. إن الحضارة الحديثة هي الحضارة الوحيدة التي أدركت إمكانية تسخير الطبيعة لصالح الإنسان وأدركت أن الوسيلة لهذا التسخير هو التعرف على قوانين الطبيعة وأن هذا التعرف الذي يُمَكِّن من السيطرة لا يملكه أي نسق ثقافي متوارث وإنما السبيل الوحيد لهذا التمكين هو الملاحظة والتجريب مما صار يُعرَف باسم العلم الحديث. في الحضارات القديمة يَظهر أفراد يجتهدون في محاولة فهم الكون لكن هذه المعرفة لا تتحول إلى مشاريع إنتاجية وإنما كانت لمحض الفهم الفردي وبشكل معزول عن اهتماما المجتمع. لابد من إدراك هذا الفارق النوعي بين الحضارات القديمة والحضارة المعاصرة إن غياب هذا الإدراك قد أحدث التباسًا شديدًا وأبقى الكثير من الأمم خارج مجالات القدرات الإنتاجية …..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…