جلال زنكابادي والمثقف اللامسمى

 إبراهيم محمود

كيف يمكن الحديث كتابةً عن هذا المثقف النوعي جداً جلال زنكابادي ( 1951-2023)؟ كيف يمكن الإصغاء إلى مثقف تنكَّر لاسمه، حباً بثقافة يريدها إنسانية في الصميم ؟
مثقف كردي. نعم، إنما أي كردي هذا الذي أريدَ الحديث عنه، باختصار شديد، على الأقل، ليكون ماثلاً أمام أنظارنا، وهو لم يُسمّ نفسه مثقفاً، معبّراً بذلك لتاريخ قادم. لإنسانية تستوعبه جيداً !
ربما كان سؤال المثقف من بين أصعب الأسئلة، إن لم يكن أكثرها ليس عسراً في إيجاد الجواب المناسب له أو القريب منه فحسب، وإنما استحالة تأكيد ذلك، لحظة مكاشفة بنية نشأته وحمولته المفاهيمية وتشعبه في المجتمع في مختلف جوانبه. لأنه، وكونه مثقفاً بالمعنى الأكثر شمولية، يحُول دون تحديده موقعاً، دون تأطيره فكراً، دون مكاشفته هويةً معرفية معلومة وثابتة .
ذلك هو الوجه الأكثر جلاء للذي يخلع عنه وجهه اليومي المعتاد، ويدع إمكانية النظر فيه لمن تكيفوا مع الحياة، أو مع روتينها اليومي، لأن المثقف هنا نسَّب نفسه إلى الآتي واللامتعين .
وربما من هذا المنطلق أجدني مع جلال زنكابادي الذي عمَّر سبعين عاماً ونيفاً، كما تقدَّم. وحيث تلخصت حياته في التالي: ولِد بائساً وربما عاش بائساً وشبه منبوذ، ومات بائساً منبوذاً، لأنه سجّل في عهدة اللامسمى اسماً وانتماء وثقافة، دون ذلك لمَا كان هذا الموت المأسوي الذي عرِف به ” جلطة دماغية ” في إثر ميتات يومية كثيرة جرّاء ما اختاره لنفسه، سوى أن إفلاسه من مجمل الحب والاهتمام والتقدير له، نظير ما انتقاه لنفسه، منحه حضورَ المثقف الواسع المدى، المأخوذ بما لا يستطيع إلا من أدركه روحياً في بذله وعطائه ورحابة مخياله وسطوع ثقافته !
من هنا يمكن الكلام، من هنا، ربما يمكن الكتابة، في حدود الممكن، وهو اللاممكن تعريفاً.
المثقف الذي يَرى ولا يُرى
لأنني مهدت للموضوع انطلاقاً من المثقف النوعي الذي يتنكر لاسمه، لحياته الاعتيادية، ويرمي في ارتحاله الثقافي إلى ما لا ينغي حصره وتأطيره.  لهذا، أجد من الأنسب، تجاوزاً مع هذا المنطلق، أن أشير إليه باعتباره المثقف الذي يرى ولا يُرى، رياضيَّ روح. ولهذا كان من الصعب على أغلب الذين يعيشون في محيطه المجتمعي، وأشير إلى وجود نسبة كبيرة من الأكاديميين الذين ألفوا التعامل مع الشهادة عبوراً إلى مجرد الوظيفة من هذا المحدَّد ،دون ذلك لما كان زنكابادي بمثل هذا التهميش، حيث حاول أن يعيش مفهوم القراءة والكتابة كمنتم إلى الغرب، وإن لم يصرّح على أنه ذو نسَب غربي، إنما،كانت ممارسته جهة القراءة والكتابة النوعيتين، وما في كل ثقافة من قدرات أو مؤهلات تستحقها لنيل شرف التحدث بلغتها، تميَّز بها زنكابادي، من خلال تلك العبارات التي يصوغها، والتي تفصح عن مدى تفهم معناها العميق والدقيق كثيراً. 
وأحسب أن الذي يقرأ ما يكتبه تأليفاً، أو شعراً، أو ترجمة بينية، سوف يتأكد له هذا النوع من التعامل القائم على تقدير الموصول إليه، أو المسمى، أو الجاري النظر فيه وتقديره بجلاء. ليكون أكثر من زنكابادي، وزنكابادي نفسه، وهي معادلة هندسية تجلوها ثقافته المتعددة المصادر!
إن الثلاثين من مؤلفاته في تنوع موضوعاتها: تأليفاً وترجمة، شعراً ونثراً، قراءة نقدية تاريخية، ونقاداً ثقافياً، ومقاربة أدبية شعرية، والارتقاء بمفهوم الشعر إلى ما يؤمّن له اسماً يعنيه حصراً،
والعبرة ليست بالعدد، إنما بالمدد الفكري، البحثي، النقدي والإبداعي، وما أكثر مخطوطاته التي تنتظر النظر فيها، وضبطها وإعدادها للنشر، بوصفها كنوزاً معرفية وثروة قومية وحتى إنسانية في تنوع موضوعاتها ومجالاتها، كما أعلمتُ بها كثيراً وبلسانه. إن تاريخه اليومي يشهد له على مدى ضلوعه في خرق السائد، وفي حالة تضييق الخناق عليه إما عملياً أو إعلامياً أو غيرهما.
هوذا حال الكاتب الذي لا يريد أن يكون كما يكون الآخرون، إنما يكون ما لم يكنه بعد، شاعراً يشده إليه المستقبل، وكاتباً من النوع المقاوم للسكوت على الخطأ أبعد مما تأسره نفسه،وناقداً كما تحفّزه روحه المضيافة بالعطاء المختلف، وبصيرة لا تبقي لأي إطار معتاد قائمة.
وهو ما يجد صعوبة في الإقامة بسلام في مجتمع ينفي فيه من يخرج على ما هو حشدي طبعاً.
وجسده الذي عرِف بمقاومته من الداخل روحياً، عرِف بوطأة الزمن الاجتماعي والسياسي والثقافي الموجه، كما نقرأ في مقال لمقرَّب منه هو الكاتب والشاعر إبراهيم يوسف، وثمة مانشيت يتصدر المقال في صحيفة ” القدس العربي – اللندنية، 28 آذار 2017 “:
(جلال زنكابادي أحد رواد الحداثة الشعرية: كاتب عراقي يعرض مكتبته للبيع لشراء أدوية له ولزوجته )
وتالياً، وفي وقفة مكاشفة مؤلمة تعزز مدى معاناة السائر عكس التيار:
( وعلى الرغم من أن زنكابادي مستقل، ذو أفكار ديمقراطية، إلا أنه لم ينج من مصيدة آلة القمع، إذ تعرض أكثر من مرة في حياته للترحيل والإبعاد، نتيجة عدم قبوله بالخنوع، لأنه كان صاحب موقف من آلة الاستبداد، ما تسبب في دفعه ثمن ذلك غالياً، وقد انعكس ذلك على حياة أسرته التي طالما عاشت القلق، وكان أن تعرض أكثر من واحد منها لبعض الأمراض الخطيرة، من بينهم زوجته وابنه الذي توفي قبل حوالي عام وهو في ريعان شبابه.)
ما لا يٌسمى فيه اسماً كغيره، عنوان قصيدة تقاوم ما هو مألوف، سلوكية مبحث، تخرج عن سياق الذوق العام والمتداول والمأخوذ به رسمياً أو شبه رسمي، طريقة تفكير تبقيه أكثر من متحرر مما هو معرَّف به شعوريا. لقد كان زنكابادي المعروف في صورة الهوية، في عمره، في علاقات عرِفت بتوترها وقلتها، في الفضاء الرحب الذي اختاره لفكره وإلهامه الأدبي، وذائقته المعرفية، على حساب الطعان التي كان يواجهها هنا وهناك.
ما لم يرده بدءاً من اسمه، إلا للضرورة الرسمية القصوى، تجاوبَ مع نزوعه الإرادي الذاتي، كعاشق لغات، كرحالة ما بين حدود ثقافات ومُصادقها، وكسكنى أدبيات لها براعة تكوينها الإنساني، والكردية التي تشكلت طوع متخيله وثقافته ضمناً.
وفي ” قصائد تأبى أي عنوان “( طبعة 2009 ) ما يشكل ترجمان ما لم يأت بعد على الضد مما هو قبل وحاضر ببؤسه.
وفي المعنون بـ ” إهدائه ” إشارة واضحة وصارخة إلى بلوائه، إن جاز التعبير:
( إلى كل من نأوأني وآذاني،
وكل من لم يبال بوحشة اغترابي المديد في منساي..
ومنهم أغلب أصدقائي!
محذراً إياه ألّا يستحيل تمساحاً وفياً سخيّ الدموع 
بعد رحيلي…)
هو ما نتبينه في كلمة الإهداء المؤلمة الآلمة، في مستهل مجموعته الشعرية الصارخة صوتاً” ها هي معجزتي!: قصائد حب: 1965-2005 ” ( منشورات الجمل، 2009 ) إلى زوجته:
( إليك، يا نعم الحبيبة، الصديقة، الرفيقة، الحليلة، الأخت والأم، 
فلولاك لما أدركت رحموتَ الحب في رهبوت الصلبان المعقوفة وأهوال الحروب والاحترابات، ولما صمدت وقاومت، بل لما كانت هذه القصائد وغيرها..
وأنت ” يا مانح الحكمة للتراب” أمن العدل والإنصاف أن تجازيها بالسرطان ..)
وهو ما نتبينه بسهولة في إهدائه الذي يتقدم ديوانه البدعة الروعة ” هكذا شطح الكائن مستقبلئذ ” ( طبعة 2013)، أي ( ..ثم إلى المبدعين المغمورين رهن الإقصاء والتغييب والتهميش والتعتيم في كل زمكان..).
وما في العنوان من ثراء مفهومي، وقابلية لأن ينظَر في محتواه لتلمس عمقه الدلالي.
وأخيراً وليس آخراً، ما يُستشَف من محتوى الإهداء في ” ديوان عمر الخيام ” ( منشورات الجمل، 2010)، ولسعة الزمن المهدور في وضع مثل وضعه مجتمعياً وسياسياً:
( عرفاناً بجميل عظيم
يتعذر عليَّ ردّه ما حييت،
أهدي هذا الكتاب
إلى سائر النجباء الغيارى الذين آزروني
في محنتي المصيرية) .
في الشعر الذي يفجره حاضره ويتبصره مستقبله
إنها قوى مضادة تشكلت في إرادة تعيش كونيتها داخله، مأثورها الإنساني رغم منحدر العمر الوعر، والحياة الوعرة، والعلاقات السديمية والصادمة بوعورة أبعادها، والمسالك المهددة له بمخبئاتها. ليكون اللامنتمي جائعاً منجرحاً وليس  منذوراً لمن يريد استهلاك جوهرة روحه، أو براعة متخيله في المؤتى الشعري، ومكاشفته الثقافية المتبصرة لليل محيطه الحالك السواد .
هو ما نتلمسه بحرقة المكتشف، وهاوية المعزَّزة في المتداول اجتماعياً، في ” قصائد تأبى أي عنوان” بداية:
يا للهول
أي ذاكرة مهترئة
ما برحت تحتل تاريخي
تزدري رياح مستقبلي في
وطن منفيّ في ( فوهررستان ) 
تلعق طحالبُ تماثيل طواغيته
سماءه الوطفاء
حتى تشيخ شمسه الغريبة الثكلى .ص 1 
وما يعزز  جمرة المعنى في القصيدة شقيقتها التوأم في منادمة القهر المعمم كثيراً، في” هكذا شطح الكائن مستقبلئذ “:
طوبى لمن يدرك شطحي، مذ حثثت ملحمتي غير الطليّة
-لتتبجحي أنت
أيضاً
فهذا زمكان النقود والحمير المزيفة
أجل تبجحي
كالساسة الطفيليين، مادامت
الجواميس تنشد ( المارسيليز )
ليتسلق الزعماء أهراماً من الجماجم حتى
يستحيلوا مقاصل قشيبة ثم
ديداناً مقدسة..ص112
عن أي شعر يفيض به كامل جسده؟ أي شعر يشير إلى شاعره؟
ثمة ما يخرج عن صورته الاسمية، ما ينزع عن الاسم زمكانه، ما يخرج القصيدة من رحمها اليومي العالق في الهواء الملوث،لتكون طليقة حريتها، وهي تتمرد على اسمها، على لحظة ولادتها الأولى، كما لو أنها أطلقت الزمان من عقاله مؤبداً، وما لبثت أن عادت إلى الزمان المعهود، ليكون في مقدور متابعي الشاعر تلمس ولو جانب من لغزه المؤجل دائماً. فالشعر دائماً هو أن يميت في كل نشأة شعرية له ما كان معروفاً به، لئلا يحاصَر، وينتهي أمره، وأن يبعث في جينته المستجدة ما يرتقي به إلى حيث لا يحاط به، على مدار الساعة، فلا يعود الشاعر عينه أكثر من لسان لامرئي، وقلب لامرئي، والجسد مجرد وسيلة يتلاشى عند الانتهاء من قوله .
هو ذا امتحان اللامسمى المحلَّق بلاتناهيه للمسمى التقليدي والعرفي، ليعتيَن عالياً، ليكون له اكتشافه لمعناه وقد غيّر في أمره صورة مبناه، وقوَّضه، حباً بالمغايرة المطلوبة، فلا يقبَض على الشاعر نفسه، إنما يكون السر المقلق لمن في نفسه هوى الشعر ومعايشة روحية له .
لا بد أن الشاعر الراحل عاش الموت مراراً من خلال كتابته لما هو إبداعي بصورة فعلية، مات ولم يمت، كرمى المقدَّم إبداعياً، لأنه أمات في روحه جسده، ليستطيع الإقامة في لاتناهي المنشود شعراً. ولا بد أنه ذاق مرارة المكابدة ليصل إلى حلاوة المعايشة الروحية لما هو شعري.
أليس دريدا هو من يشير، حيث الشاعر كان على علم ما بحيوية المبتكَر شعرياً(قانون القصيدة هو أن الأثر الموجود فيها، متروك، مهجور، غير مدروس، يعمل. فمن ناحية، القصيدة عبارة عن نعمة موجهة إلى تمرة ممسوحة، محروقة، في الرماد. ومن ناحية أخرى، من خلال العمل كباق، من خلال التكرار، يحتفظ هذا الأثر بمبادرة سيادية لا يمكن التنبؤ بها.) حيث نقتفي أثر هذه المكاشفة في دريدا والشعر(Derrida, la poésie )، وما امتهنه زنكابادي عميقاً هو هذا الموصول إليه محيطياً، ليبرع في التلاعب بالصور الشعرية، لتعترف القصيدة باسمه.
وما هذه الأصوات التي يُصغى إليها لحظة التفاعل مع مناخاتها إلا حصيلة هذا الجرف الكوني الهائل الذي يقف الشاعر على حافته متمعناً في المدد المائي الأزرق واللامتناهي، وهو ما يسمح لقارئه الفعلي أن يجد في مرآته الكبرى صورة له من الداخل لطالما اشتهاها، واكتشفها بعد مجاهدة، فالشعر هو ما يعرَف بكامله، وما يبقى نزيل اللغز بكامله، إنما تناصف المتشكل منهما.
ما الذي يمارس تحويلاً في الشاعر اسماً وكياناً وسياسة متخيل؟ إنه هو نفسه وقد تشكل لها كيان آخر، لم يعد له من صلة بما كان عليه في حياته اليومية. إنه التعددية التي لا بد منها، ليكون له في كل معايشة شعرية إمضاءة ولقاء مع مجهول أكثر من أناه التي يعرف بها، والمبدع هو الذي يحسن لقاء ماضيه، ليتمكن من لقاء اللامسمى في آتيه، ويؤمّن له بذلك رصيداً لا ينفد من البقاء.
أليس أوكتافيو باث ، هو من يقول في ( الشعر ونهايات القرن، ترجمة: ممدوح عدوان، دار المدىـ دمشق،1998)، ما يعزز هذه المكانة الاستثنائية له( إن الشاعر يغنّي ” أنا ” التي هي ” أنت ” و” هو ” و” نحن ” . إنه واحد من بين كثيرين. وهو أيضاً كائن فريد من نوعه. جوّاب مشّاء وكون في آن . ص 28) .
زنكابادي كان من هذه النوعية في قول الشاعر، في مصادقته، وفي الدفع بروحه إلى اللامتعين.
في ظلال الترجمة
زنكابادي مترجم بكل معنى الكلمة. وعبارة ” بكل معنى الكلمة ” لا تعني أن الذي كان يعرَف به ترجمة لا مثيل له، وإنما لأن الذي ظهر مترجماً بلسانه الآخر، لسان روحه المتعدد المواهب والقدرات، شاهد على مثل هذا الحضور وجواز استمراريته مترجماً.
واقعاً، كلٌّ منا يترجم، وإن لم يعرف حرفاً من الترجمة من لغة إلى أخرى. كما الحال في حياتنا اليومية، فيما بيننا، وداخلنا في خاصية المونولوج( حوار الذات للذات مع الذات )، وفي العلاقة مع لغة أخرى، تكون المهمة صعبة، ولا بد أن تكون كذلك لأن هناك مسئولية أخلاقية، وتاريخية تظل شاهدة على مدى اتقان المترجِم بما يقوم بترجمته .في ترجمات زنكابادي من لغته إلى أخرى، من أخرى إلى لغته، أو أي لغة كان يحسن التعبير بها: العربية، الفارسية، الإسبانية، والانكليزية وغيرها، كان يعيش حمّى التوحد مع اللغات ويتحرك على تخومها. لقد كان يمضي دائماً إلى الآخر الذي يقيم معه علاقات ترجمة، لهذا كانت عزلته، وصمته البليغ تأكيداً على مدى خاصية الترجمة، ومطلبها في تلك الإرادة المعرفية والذوقية للوصل بين لغة وأخرى .
في الترجمة التي يعرَف بها، ولإضاءة المفهوم الترجمي وقد أحسن تدبيره وتنويره زنكابادي، نستحضر فالتر بنيامين ومقولته الشهيرة في ” مهمة المترجم La tâche du traducteur ” حيث يشير إلى تمثيل الترجمة بالمزهرية المكسورة (المزهرية المكسورة. ستكون اللغات الحقيقية عبارة عن شظايا كثيرة ومتكاملة ولكنها ليست متشابهة أبدًا، والتي من شأن تجميعها معًا أن يعطي فكرة عن روعة المزهرية الأصلية المفقودة إلى الأبد.) كما يشير إلى ذلك جي يون شين في: في “مهمة المترجم” ومعنى علم التواصل ” La tâche du traducteur » et la sens-communologie-Dans Sociétés 2015/1 (n° 127)
ما تمكن منه زنكابادي هو هذا الجهد المبذول والمثمر في الترجمة، كما لو أنه عاش تعدده بأكثر من معنى.
كمثال حي، أتوقف عند عمله الجبار عن ( الخيام: رسائله العلمية والفلسفية والأدبية) تحقيق وتقديم : د. رحيم رضا زاده ملك، وترجمته وتحشيته وتقديمه له، ومن منشورات أرجوان- دار التكوين ، 2013،وبراعة الترجمة، وتواضع المترجم، وما يناشده به قراءه( أرجو من قرّائي أن يشملوني بوافر جميلهم وعطفهم، فلا يحكمون على جهدي، الذي استغرق عشرين عاماً من عمري، عبر قراءة سريعة تستغرق سويعات أو ليال !” فأنا أناشد الجميع قراءاً ومختصين- قبل أن تشملوني بأي عطف وجميل، أرجو أن تصوبوا أخطائي- مشكورين سلفاً- لئلا تشيع وتستفحل وتضلل الآخرين لاحقاً. ص 17 ). عمل استثنائي في قابلية الانفتاح على لغة الآخر، ومحاولة الدفع بلغته” الفارسية ” لئن تنطق العربية بلسان من هو كردي أصلاً، وما في هذا التفاعل من مأثرة قدراتية وجمالية .
وهو ما نتلمسه في علاقته بـ” ديوان عمر الخيام ” وهو من ترجمته وتقديمه ( دار الجمل، 2010).
ثمة ما يشبه المفهوم الذي ترك عليه زنكابادي بصمته، وهو يقدّم للكتاب، ويتمثل فيه دور الناقد الأدبي، والمؤرخ، والذواقة للأدب، والمترجم، وما في ذلك من مطلب عسير، يليق بالترجمة كمكانة معتبرة . حين يشير إلى مقولة لجاك دريدا بصدد النص( لا يحيا النص إلا إذا بقي ودام. وهو لا يبقى ويتفوق على نفسه، إلا إذا كان في الوقت ذاته قابلاً للترجمة وغير قابل. فإذا كان قابلاً للترجمة قبولاً تاماً، فإنه يختفي كنص وكتابة وجسم للغة. أما إذا كان غير قابل للترجمة كلية، حتى داخل ما نعتقد أنه لغة واحدة، فإنه سرعان ما يفنى ويزول ” ص 12 ) .
ومن يقرأ هذا العمل يشعر بتلك المقدرة على الترجمة والحفاظ على جمالية كل نص: المترجَم والمترجَم إليه . حيث تمثلت ترجمته في خاصية ” المنثومة ” كما سمى ( المازجة بين النظم والنثر المسجوع. ص 14)ولا بد أنه وجد في الخيام ( 1048- 1131 ) ما وجده في وضعه ونفسه وموقعه في مجتمعه( كأي رجل عظيم ذي شخصية كاريزمية، حيكت عن الخيام العديد من الحكايات الأسطورية، من قبل محبّيه ومبغضيه..ص 38). وقراءة رباعياته تشهد في ترجمتها على مثل هذا النبوغ في عملية الترجمة ونوعية لقاء الآخر الغريب والمألوف روحياً في آن .
في ظلال الكردية انتماء وممارسة معرفة
جلال زناكبادي الكردي جداً وأباً، لم يدّخر جهداً في منح لغته وثقافة لغته، ومجتمع لغته، وهي في تمزقها، وهي موزعة بين لهجات، ما يستحق التقدير. الترجمة منها وإليها. إلى جانب المكابدة مع مجتمعها ومن يعرَف بها ثقافياً.
إن عمله الكبير عن الكوردولوجيا ، يكفي لإبراز تلك العلاقة الوفية تجاه لغته وأخلاقية الانتماء بالمعنى الواسع للكلمة.
هذا العمل الذي أبصر النور في ( مطبعة جامعة صلاح الدين في هولير باقليم كردستان عام 2014، يقع في 422 صفحة من القطع الكبير، و ينتهي بملحق للخرائط و صور شخصية لعدد كبير من الكردلوجيين بلغ تعدادها 58 صورة.) وحده ضامن بقائه واستمراريته المدرَك لواجبه القومي، وما يجعله بعيداً عن أي انتماء تعصبي ، وهو يقدم للكتاب جهة الذين تعاملوا مع الكرد، شعبه، حيث(يرى أن الاستشراق يتصف بتعددية تياراته العلمية و الفكرية و السياسية، و من هنا كانت له مذاهبه و مدارسه، فمدرسة الاستشراق الفرنسي، حسب الدكتور نوري شاكر، خطت لنفسها طريقاً خاصاً بها إذ حوَّلت الاستشراق إلى أداة معرفية قادرة على استشراف المستقبل، حتى لو رافقته محاولات كان هدفها كولونيالياً ص8..) . وفي ذلك ما يجعله قارئاً متقناً لخاصية قراءة الآخر.
إن ترجماته لكل من برهان شاوي، حمه كريم عارفومهاباد قره داغي، وديوان الخيام إلى الكردية…..إلخ، علامة فارقة في هذا المسلك الصعب والمجهد، إنما المعبّر في العمق عن ودّية العلاقة مع لغته كتابة وترجمة.
ذلك يدفع بنا إلى النظر في أمره، وكيف أحال عزلته إلى محمية روحية له لكي يسمعه من به صمم، وأئلا يكون هو الأصم، كما عرِف عنه مرضاً عضوياً وليس نفسياً. لقد كان وراء صممه منتج معرفة، في سياقاتها الأدبية والنقدية، أكثر بكثير ممن تميز بسلامة الحواس.
ثمة الكثير من الحصاد الثقافي التاريخي النقدي الأدبي بامتياز، معهود به إلى قلمه الدقيق، كما هو مقروء في نصوصه، على الصعيد الكردي أدبياً:
هو ما نتلمسه بعمق، وبتلك الحِرفية التي تعرَف بكاتبها أبعد مما هو ذاتي، حين يتوقف عند كتاب مؤرخ أدب كردي معروف جيداً” معروف خزندار” وأثره النفيس طبعاً (تاريخ الأدب الكردي)، يقرأه كما يظهر من طريقة تعامله مع كتابه هذا، ويقتفي تلك الثغرات فيه، من دون تجريح، وتحت عنوان محدد(جولة خاطفة، وبضع ملحوظات نقدية- مستل انترني)  حيث يضيء صفحته المنتظرة والجديرة بالتسمية، بقوله(  يقع(تاريخ الأدب الكردي)في(3815صفحة من القطع الكبير)بأجزائه السبعة الصادرة خلال السنوات(2001-2006)عن(دار آراس للطباعة والنشر)وهو يتناول تاريخ الأدب الكردي المدوّن،منذ نشوئه قبل أكثرمن ألف عام حتى1975وقد حقق البروفيسور خزندار بهذا العطاء الكبير أحد أكبر مشاريع عمره؛إذ توّج بهذه الثمرة الكبيرة جهوده ومساعيه لما يزيد عن نصف قرن في البحث والدراسة،إذ أن محاولاته الأولى في هذا المضمار تعود إلى السنوات(1950-1953)ثم نشره لأطروحته لنيل الدكتوراه(تاريخ الأدب الكردي الحديث)بالروسية،وبعدها ممارسته التدريس في جامعة بغداد،ومن ثم بجامعة عنّابة،حيث خطى فعلياً أولى خطوات تنفيذ مشروعه..)
إنه لا يقلل من جهد خزندار قدرته القرائية اللافتة في عمل موسوعي كهذا، سوى أنه، ولتأكيد أن أي عمل، وخصوصاً من هذا النوع، لا بد أن ينطوي على ثغرات على أكثر من صعيد، وفي الوقت نفسه، حين يوجه زنكابادي ملاحظة لا تخفي مصداقيتها، وهي أن عملاً كهذا لا بد أن يأتي تسطيره بمزيد من التروي، ليكون أكثر سوية في توازن معلوماته، ولهذا تكون ملاحظاته تعبيراً عن تقديره له، فيقول:
(*لقد غابت أسماء بارزة ومهمة عن هذا السفر،كان الأولى بالأستاذ خزندار ألاّ يهملها؛لكونها أكثر حضوراً وتأثيراً في سوح الأدب الكردي من عشرات الأسماء التي حظيت باهتمامه،وهي ضئيلة الحضور والتأثير في حركة تطور الأدب الكردي.ونجزم القول أن(تاريخ الأدب الكردي)لايمكن أن يتكامل إطلاقاً بدون أكثر الأسماء الواردة أدناه،ولو في جزء ثامن بعنوان(ذيل الأدب الكردي)طبعاً بإضافة أعلام من اللر إليها) ويورد قائمة شهادة على مدى تتبعه لهذا العمل وانشغاله بأعلام الأدب الكردي، منها:
(شمس الدين الأخلاطي البريفكاني/الملاّ محمود بايزيدي/خالد آغا الزيباري/الملاّ منصور كَيركَاشي/بكر بكَـ أرزي/الشيخ طه مائي/طاهر شوشي/نورالدين بريفكاني/حسني بامرني/ممدوح بريفكاني/غياث الدين نقشبندي/طاهر رشدي/جلادت بدرخان/حمكي توفي/أنور مائي/علي سيدو كَوراني/قناتي كردو/حسن هوشيار/صبري بوتاني/محمد أمين بوز أرسلان/صادق بهاءالدين آميدي/موسى عنتر/سعيد إيبو/د.نافع عقراوي/محمد أمين عثمان/د.مسعود كتاني/مكسيم خمو/الملاّ خليل مشختي/سلمان كوفلي/علي بردشاني/مولانا خالد الشهرزوري/مستورة كردستاني/درويش نوروز/الملاّ عباس كاكائي/كَيو موكرياني/آية الله مردوخي/نجم الدين ملا/الشيخ أحمد شاكلي/جميل صائب..)
ومن ذلك أيضاً (لم يلتزم البروفيسور خزندار بنهجه الذي إختطه في تسلسل تقديم الشعراء والكتاب على أساس الأقدمية في التولّد،وهو النهج الصائب لإتساق التتابع والترتيب في مصنفات تاريخ الأدب..)
و(لم يول الدكتور خزندار إهتماماً يذكر بالنصوص الإيزدية،ولم يقدم منها مختارات ضرورية،كما فعل مع طائفة اليارسان؛ويعد هذا ثغرة كبيرة في سفره…)…إلخ
ذلك ما يدفع بنا إلى النظر ملياً في الطريقة المجهدة والمثمرة التي اعتمدها كاتبنا القدير والراحل، وتلك الإرادة البحثية الفاعلة في سبر المقروء واستنطاق الصامت، نشداناً للأمثل .
حيث إن كاتبنا يتوقف عند كل جزء على حدة، مظهراً سمة متعة القراءة وتاليها متعة الكتابة عن المقروء، وما في كل منهما من رصيد معرفي، وصامت ينتظر من يجعله كلاماً ذا معنى.
وما يستوقفنا هو هذا الضلوع في عملية سبر البنيان الثقافي الكردي، وما يمضي هذا الإجراء له لأن يشخّص الكثير من الأدواء في الجسم الكردي ثقافياً، كما هو المفصَح عنه، في ( الثقافة الكردية: مشكلات.. معضلات وآفاق –طبعة سردم، السليمانية، 2010).
الإهداء علامة إشهار بخاصية هذا الانتماء الإنساني( إلى دانييل ميتران ( أم الأكراد) بداية.. تعبيراً عن الوفاء للآخر، في الوقت الصعب والمأساوي لمعاناة الكرد، وعلى خلفية من الهجرة المليونية لهم ورعب المعاش وقتذا:
في المدخل يجري تصنيفاً لأنماط المثففين، ويكتفي بالمثقف الذي يعنيه، كما هو الملموس في كتاباته وقراءاته، أي المثقف المتميز بقراءاته الموسوعية( وهو طبعاً استثنائي نادر محارِب ومحارَب  في آن واحد، طالما يدفع الثمن باهظاً، بل يعاني الغربة حتى وسط جمهرة المثقفين، بل يبدو كالفارس النبيل دون كيخوتيه( طبعاً بالمفهوم الحسن ، لا المبتذل) ونسبته ضئيلة جداً. ص 8).
يختار زنكابادي في كتابة نصوصه ليس ما يتناغم مع رؤيته، إنما ما يكون مهمازه المعرفي والرؤيوي للمستقبل ولمَا هو إنساني، جهة الحديث عن الثقافة المنشودة، كما هو المتمثل في المستشهَد به من قبل ” ف. إيفانوف “( الثقافة الإنسانية كلها، حتى زماننا الحالي هي إلى درجة معينة، احتجاج ضد المون والدمار، وضد الفوضى المتفاقمة. ص 17).
إنما ما ينطلق منه في أول مقال له في كتابه هذا يشدد على فعل التعبير التنويري في تمثيل اللغة ومضمونها القيمي، وما هو مطلوب من المعنيين بها كردياً، وما يخص الهوية( ودرءاً لأي إشكال أو التباس يلازم هذا الموضوع الحساس، نؤكد على أن تحقيق هويتنا الثقافية بمضمونها التحرري والديمقراطي إنما هو تطلع إنساني مشروع يتمثل في الاستقلال الثقافي الرافض لأية وصاية ويؤازره الكفاح من أجل الوحدة الثقافية لعموم كردستان الكبرى، والتي ستكون بمثابة النقلة الكبرى إلى الوحدة السياسية..ص28) .
ما ينظر إليه ثقافياً، وما ينطلق منه ثقافياً، هو ما يعيشه من علاقة مع الثقافات الأخرى وهي في تمثيلاتها القومية المشروعة بمحتواها الإنساني، ومناقبية هذا التميز، وما يترتب على كل التزام بمثل هذا التمايز جهة الاعتراف بالآخر الذي يعيش وضعية تجزئة سياسية واجتماعية، وبغية تجاوز تلك التوترات التي تثيرها معادلة مرعبة هي في علاقة: السيد بالعبد، وما يترتب على ذلك من ضمان استمرارية العنف بكل أشكاله الكارثية، كما في مآسي الكرد وأنفلتهم، أي السلسلة من أعمال العنف الإبادي” الجينوسايد ” ضدهم ماضياً وحاضراً، وتأثيرها المدمر في الذاكرة الجماعية وردود الأفعال التي تولّدها ومأساة التعايش في مجتمع تعددي انفصامي على خلفية من الممارسات السياسية بعائدها السلطوي وللثقافة مقدرة على إزالة اللبس، وتنوير الملتبس( إن الثقافة فعل حقيقي، وإرادة فكر، ومنطلق إبداع، وبعكس ذلك يتشوه،بل يموت كل شيء إنساني وجميل.. ومن هنا أدعو إلى فضح جميع العناصر الساعية للهيمنة دون أن تقدم للآخرين، الذين قدموها وجعلوها تتبوأ المناصب، حتى تكون في قلب الحقيقة، وفي الصورة بكاملها. ص 121).
زنكابادي، حين يتحدث عن أولئك الذين مارسوا الكتابة وهم كُرد بغير لغتهم، وهو نفسه مسمى هنا، لا يرى في ذلك انحرافاً عن جادة الصواب، حين ينوّه إلى ما هو تاريخي وظرْفي اجتماعي وسياسي، وتلك القدرات التي تمثلت في كتاباتهم، وإمكان النظر فيها على أنها علامات على مدى الإبداع، والتميز بتلك اللغة الأخرى، وما يترتب على ذلك من وجوب الاعتراف بهم، جهة تغيير  النظرة إلى الكرد بوصفهم شعباً وفيه من المؤهلات ما يستطبع من خلالها بناء كيان سياسي يعنيه، وتمثيل نفسه بلغته، إن منِح مثل هذا الحق المشروع له .
في كتابه ( فرسان السرد العراقيون من الأرومة الكردية- 2015)، ومأساة هذا التعبير في خلفيته، حيث نتلمس كما يقال زنكابادي في تقديمه للكتاب، ظواهر( العربفونية) ، ( الفارسفونية) و( التركفونية) وهي من إفرازات الغزو الثقافي المستمر منذ قرون وقرون.. و: تدل هذه الظواهر على أن كردستان ليست مستعمرة سياسية واقتصادية فحسب، بل مستعمَرة ثقافية دولية عانت وما تزال من انسلاخ واستنزاف وهجرة أكثر عقولها الكبير، التي تخندق الكثير منها كمدافع ثقيلة في معسكرتت أشرس أعداء أمتنا من الشوفينيين: العرب، الفرس والترك!..ص 5 )
هذه النظرة لا تعرِف به مناوئاً لثقافة الآخر، للآخر، وتوتره منه، فهو نفسه يعيش ارتحالات بين لغات، زوجته نفسه عربية، وهي التي شكلت السند الكبير له في نوعية كتاباته، كما رأينا ذلك في إهداء معلوم وذي دلالة إليها، وتخصيص مجموعة شعرية كاملة باسمها تعظيماً لمكانتها. إنما هو النظر إلى من يمارس تلغيم العلاقات، وبلقنة المجتمعات الإنسانية وتبرير أي استعباد للآخر. 
إنها نظرة ترتد إلى شخصية مجتمعية تتنفس بأكثر من معنى ما هو إنساني وعبر الانتماء إلى الأرومة الكردية بالذات، والتعريف بالذات من خلالها، وما يجعلها تنويرية في توصيفها.
ألم يقل هو نفسه في حوار معه عن علاقته باللغات(-اللغات بحور تثير فضول المتابع حتى توقعه في عشق الكلمات ومعانيها، والحس الجمالي وربما تحديات الابداع تدفعه الى الغوص عميقا في اعماق اللغة. ).
أولم تكن ضريبة هذا التموقع أقرب إلى العيش منفرداً بنفسه، محتمياً بعالمها الذي كان يزداد ثراء في وسط تجاهله، وسط كردي قبل غيره، أكثر مما أفصح عنه بقوله في الحوار الآنف الذكر(-لقد اخترت العزلة، فالعمر تقدم نوعا ما ونمط الحياة قد طرأ عليها الكثير من التغيير والمكيجة بل وحتى التشويه، وامزجة جيلنا التي جبلت على الصدق والوفاء والتواصل، لا تتوافق مع قيم العولمة والقولبة الرهيبة التي باتت تبسط اجنحتها فوق كل حدب وصوب.)؟ في موقع ” كوردي بيديا.
ذلك يضعنا في مواجهة المسئولية الأخلاقية، إن كنا نعرّف بأنفسنا مثقفين، إن كنا نقدّر في المثقف هذه القدرات التي تكفل له القيام بفعل الكشف عن تلك الأخطاء الكبرى في المجتمع، والإسهام في تشكل انعطافات نوعية في جسده المجتمعي والسياسي، وبتوافر الحرية، التي لا بد منها، لتحقيق فعل الانتماء الإنساني إلى المجتمع، والاستعداد لتمثيله قولاً وفعلاً.
ومن ينظر بعين بصيرته، إلى الجاري كردياً، لا بد أن يدرك أي مأساة يعيشها الكردي، ليس لأن الأعداء هم الذي خططوا ومازالوا يخططون لذلك حصراً، إنما ما يكون المصدر كردياً، طبعاً لأن الكرد مازالوا في ذلك ” البيت الزجاجي ” رهائن ذاتيين، بتعبير الراحل فلك الدين كاكائي.
زنكابادي عظيم دهره، رأى وكتب عما كتب، وعانق إنسانيته المتنورة، لأنه كان خارج ذلك البيت الزجاجي، ولهذا كان ذلك التعامل معه تهميشاً، ليموت شهيد مبدأه الإنساني ليس إلا!
ملاحظة: هذا المقال جرت كتابته، ليكون موضوع سيمينار مقرَّر في مركز بيشكجي للدراسات الإنسانية- جامعة دهوك، اليوم، الثلاثاء، 19-9/ 2023، الساعة 11 صباحاً

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…