حسن هشيار سَردي (1897-1985) وذكراه المنسية

شيار سليمان
قبل عدة ايام في 18 ايلول 2023 ، مرت الذكرى السنوية الثامنة والثلاثون لرحيل الأديب والمفكر والمناضل حسن هشيارسَردي (مەلە حەسەنێ کورد)، الشخصية المميزة في الحركة السياسية والثقافية الكردية في القرن العشرين ، سواءً على صعيد كردستان الشمالية ومشاركته الفعالة في ثورة الشيخ سعيد ، أو على صعيد كردستان سوريا حيث كان من الرعيل الأول لحركة التحرر الكردية هناك ، وله اسهامات وبصمات مميزة بين اقرانه المناضلين الذين وضعوا اللبنات الاساسية للوعي والتنويرالكردي في تلك الحقبة الهامة.
حسن هشيار له تاريخ نضالي طويل سواءً على الصعيد السياسي أوالثقافي واللغوي،ومؤلفاته الفكرية والأدبية مميزة لأنها تمس صميم قضية شعبه التي كانت هاجسه الأول وسخّر جل حياته من أجلها.
قلم حسن هشيار كان نبعاً غزيراً وصافياً وكتاباته مرآة تعكس حقيقة شعبه ، بوفاء لا مثيل له ونظرة ثاقبة ، كطبيب متمرس استطاع أن يضع يده على مواضع الألم في جسد مجتمعه ويعبّرعنها بقلمه ويضع الحلول الناجعة لها ، ليس فقط بالكلمة ، انما بالعمل الميداني الفعال بين صفوف الناس، لذلك استطاع أن ينال رضى وتقدير واحترام كل من عرفه عن قرب من كل الشرائح ، سواءً عامة الناس أو الطبقة السياسية والثقافية والفكرية، وكان هذا التقدير جلياً في كتابات معاصريه من الكتاب ، وكان الشاعر الكبير جكرخوين واحداً منهم ، حيث تحدث عنه في كتاب مذكراته”ژینەنیگاریا من” وفي اشعاره ، وكتب له رسالة على شكل قصيدة شعرية في ديوانه الاول “بروسك و پێتی” ، يتبادل معه هموم الوطن ويصف شوقه الى صديقه هشيار بالنار التي تأكل احشاءه فيقول:
Ji Hişyar re
“الى هشيار”
Ey Hesen, Yezdan dizane dûriya te dil me pat
أيا حسن ! يعلم الله أن فراقك ألهب قلبي.
Bêjimar derd û xeman şîn kir di dil de tirh û kat.
وجعل الهموم والأحزان تنمو وتعشش فيه.
Jan û kul golên mezin berdane ser cobarê dil
بحيرات من الآلام صبت في أنهار أحزاني.
Kaniya êş û xeman îro di dil de bû Ferat.
وصارت ينابيع الأوجاع والهموم اليوم كنهر الفرات.
Ey Hesen, dijwar e ew rêça ko em tê re diçin
أيا حسن ! أن الطريق الذي نسلكه وعر وصعب.
Em bi dîlî û nezanî vir dixwazin ta Xelat.
رغم كل أوضاعنا السيئة وجهلنا ، مطالبنا كبيرة ، من هنا حتى جبل سيبانێ خلاتێ. 
Bê nivîsîn û nivişt û xwendinê çon em dijîn
كيف لنا ان نعيش بدون الكتب والقراءة والكتابة.
Serxwebûn kê girtiye bê komel û ceng û civat.
من ذا الذي نال الاستقلال من دون ان يحارب ويطور  مجتمعه وينظمه. 
Ey Hesen! Hişyar î lakin wek Cegerxwîn dil bi kul
أيا حسن ! انت واعٍ ويقظٌ ، ولكنك مثل جكرخوين قلبك مليءٌ بالهموم.
Her bijîn xortên ko nuh tên ew fidakarê welat.
ليحيى الجيل الجديد والشباب ، فأنهم فدائيو الوطن.
حسن هشيار كان مميزاً بين اقرانه من الكتاب ، سواءً بثقافته الواسعة أو من الناحية التقنية ، لأنه كان يكتب نتاجه على آلته الكاتبة “داكتيلو” ، آلته التي كان يتم استعارتها من قبل اصدقائه من الكتاب ليكتبوا بها مؤلفاتهم قبل الطباعة.
وما يحز في النفس ، بالرغم من كل ذلك الجهد والكد والتعب طيلة عقود من الزمن ، ظل معظم نتاجه حبيس الغرف المظلمة دون طباعة أو نشر، ولم يقرأ له شعبه سوى ما نشر في المجلات مثل هاوار وروناهي وروجا نو و آكاهي ، وكتابه الوحيد الذي تم طباعته ونشر باسم “دیتن و بیرهاتنێن من” ، وهو جزء من خمسة مجلدات من مذكراته ، حيث تم ذكر نتاجه الغير مطبوع في الصفحات الأخيرة من ذلك الكتاب ، وهي وفق القائمة المنشورة:  
Pênc cildên dîroka kurd ji (8000) sal berî zayînê heyanî sedsala 19 an. 
خمس مجلدات عن تاريخ الكرد منذ 8000 عام قبل الميلاد وحتى القرن التاسع عشر.
Pênc cildên dîtin û bîrhatinên min ji sala (1914 – 1983) an de.
خمس مجلدات من مذكراتي منذ عام 1914 حتى 1983 . 
Dîwanek ji helbestan.
ديوان شعر. 
Zerdeşt û Noroz Bûza û Konfişyos.
زردشت ونوروز بوذا وكونفيشوس..
Felsefa Xebata welat.
فلسفة النضال من أجل الوطن..
Gazî û hawara navbera Zagros û Zara.
نداء استغاثة بين زاغروس وزارا..
Erûza Kurdî.
العروض والأوزان الشعرية الكردية..
Kirasê sipî û destê reş.
الثوب الابيض واليد السوداء..
Nozde hejmar ji kovara AGAHI.
تسعة عشر عدداً من مجلة آگاهي..
Muzekeratên (Qedrî beg) wergerandin.
مذكرات قدري بك ، ترجمة..
Deh muzekereyên ku min dane şoreşa Îraqê.
عشر مذكرات قدمتها الى ثورة كردستان العراق.
Şoreşa şêx Seîd û Araratê.
ثورة الشيخ سعيد وآرارات..
عندما نقرأ عناوين  نتاج حسن هشيار الغير منشور، وخاصة بعد قراءة مذكراته المطبوعة ورؤية الدقة والاحساس والوفاء والتضحية والثقافة الموسوعية   العالية في ذلك الكتاب، تعتصر القلب غصة ويلفه ألم كبير وتتبادر الى الذهن أسئلة محيرة، ترى لماذا تُرك كل هذا النتاج القيّم بين غبار وعتمة الزمن ولم ير النور ليقرأه من كتب هشيار من أجلهم؟
لماذا ظل كاتبها خلف الستار ولم يُحتَفى به على الساحة الأدبية والفكرية والسياسة الكردية كما يجب ، لدرجة أن ذكرى رحيله تمر كل سنة منذ ثمانية وثلاثون عاماً مرور الكرام ، من دون أن يأبه بها الاعلام الكردي ولا حتى اتحادات كتابنا ومثقفينا ؟ 
نعلم ان الشعب الكردي شعب وفي ولا ينسَ جهد كل من بذل في سبيله قطرة دم او عرق او مداد قلم ، ولكن الأوضاع التي مر ويمر بها حولته الى ما يشبه الجاحد والناكر للجميل والتضحيات ، فكيف كان لجيل القرن العشرين أن يعرف مفكريه في وقت كانت كتبهم ممنوعة من التداول وتَلِف وتعفَّن معظمها في جحور جدران البيوت الطينية أو تحت الأرض خوفاً من المصير المخيف الذي كان ينتظر مروجيها. 
وكيف للجيل الجديد في القرن الواحد والعشرين أن يعرف عظماءه اذا لم يقرأ نتاجهم ويقيمه ليبني عليه.
لذلك وبمناسبة مرور 38 عاماً على رحيل الأديب والمفكر والمناضل الكردي حسن هشيار، ما هو مُتَأمَل من كل المخلصين والغيورين على الثقافة والأدب والقضية الكردية ، وخاصة من عائلة وأقارب كاتبنا العظيم الموقرين، هو أن يحفظوا نتاج هشيار من الضياع ، لأنه سخَّر كل حياته من أجل تلك الثمار ، ويخرجوها للنور حتى يقرأها الجيل الجديد الذي كتب راحلنا الكبير من اجلهم ليستفيدوا منها ، حتى تسكن وتطمئن روح هشيار التي كانت دائمة اليقظة وتسهر الليالي مع القلم والكتاب كالحارس الأمين على قضية شعبه المغبون.
لندع أفكاره وكتبه تقع في أيدي الباحثين والمدققين والناقدين ، حتى تعرف الأجيال قيمة هذا الجندي المجهول وتكتب اسمه بأحرف من ذهب في سجل الخالدين. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…