المثقف ضرورة أم حاجة…

عبدالباري أحمه

بعيداً عن كل التعاريف والمصطلحات التي تناولت المثقف، نجد بأن المثقف بالمفهوم الاصطلاحي هو” ناقد اجتماعي” وتنحصر مهمته وهمه بتحديد وتحليل الحالة الاجتماعية والسياسية، ووضع حلول يمكن من خلالها تجاوز أغلب العراقيل التي تقف أمام انضباط وتنظيم مجتمعه، ومن خلال ذلك يمكن وضع نظاماً أكثر جدية وعقلانية.
من هذا التعريف البسيط يُعد المثقف من القوة الفاعلة والمحرك للمجتمع، من خلال تطوير الافكار المهمة للارتقاء بالمجتمع كونه يمتلك كماً هائلاً من الثقافة والوعي، من هنا نجد بأن المثقف ضرورة تاريخية، وليست حاجة للاستهلاك أو للتداول اليومي، وقد يرى البعض بأن المثقف هو اشكالية جدلية، يشبه” الجدل البيزنطي” لكن الحقيقة هي أنه شخص يمكن أن يكون واضحاً وعضواً فعالاً في مجتمعه ليس ألا، كونه يعتمد على أدوات وآليات يومية يرتقي بنفسه وبمجتمعه نحو حالة أفضل، نحو حالة من الاستقرار الحضاري بشقيه المادي والمعنوي، هؤلاء يمكن أن نطلق عليهم صفة المثقف كونه مشغولاً دائماً بقضايا وطنه وأمته.
من هنا نستنتج بأن المثقف العضوي(غرامشي) يمشي في وسط الشارع أمام الجماهير، وليس على الرصيف كـ (اليعاقبة) ينتهز الفرصة ويستغل بعض نقاط الضعف كي يتسلق الثورة ويصبح بطلاً وهمياً في سجلات صفراء، في رجافا تحديداً نحن بحاجة إلى مثقف وثقافة يومية وحياتية تخرجنا من الفوضى والمفاهيم المستهلكة للمثقف، ونمارس ثقافة الحياة الحرة، من خلال نشر ثقافة ذهنية مجتمعية وبشكل أفقي، تتناسب ثقافة وخصوصية كل المكونات والاثنيات في منطقتنا، لكن سيبقى المشهد ناقصاً إذ لم يدخل ويعمل النصف الاهم من المجتمع في هذا الحراك، لأن هذا النصف الكل(المرأة) تمثل الجزء الاهم في ترسيخ ثقافة الأم الآلهة، وغيابها أو تهميشها يعني غياب النصف، ولا يسمو المجتمع بالنصف الذكري مهما كان مثقفاً وواعياً، بكل المعايير لا يمكن أن يعطي لقب المثقف ألا لمن يحمل رسالة لمجتمعه، ويتحمل مشكلاته ويشعر بالمسؤولية تجاه وضع حلول لهذه المعضلات، ويعمل على تبني الحلول لها، وينهض بمجتمعه حتى وأن تطلب التضحية من أجل ذلك.
من كل ما تقدم يجب أن ندرك بأن المثقف ضرورة تاريخية ولمرحلة تاريخية وانتقالية، لأن المجتمعات في هذه المرحلة تعاني من مشاكل سياسية واجتماعية وحتى اخلاقية، ولا يمكن أن ينال الشخص هذه الصفة(المثقف) لذاك الذي ينظر لنفسه وكأنه يختلف عن كل الناس ولا يشبهه احداً، وقد يتعالى على مجتمعه بفلسفة واهية كي يثبت بأنه مميز عنهم، وربما ينسى بأن المثقف الحقيقي هو الذي يعيش في وسط مجتمعه ويرى من واجبه الإنساني والاخلاقي والوطني أن يكون متنوراً وينير الدرب لمجتمعه، ويعمل على خلاصهم من كافة أشكال القهر والجهل والتخلف، وخير ما ننهي به هذا المقال ما حدث مع “جريجور سامسا” في رواية المسخ لـ (فرانز كافكا) عندما أستيقظ جريجور من نومه اكتشف بأنه تحول إلى حشرة كبيرة وبأرجل كثيرة لا تستطيع التحرك، ما نتمناه ألا نجد مثقفينا قد تحولوا إلى هذا مشهد نتيجة قراءاته لبعض الكتب وتيقن بأنه مثقفاً، ونسي بأنه مخادع وزائف لأنه يقول ما لا يؤمن به.  
المقال مخصص لبينوسانو و ولاتي مه

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إعداد وسرد أدبي: خوشناف سليمان
(عن شهادة الراوي فاضل عباس في مقابلة سابقة )

في زنزانةٍ ضيقةٍ تتنفسُ الموت أكثر مما تتنفسُ الهواء. كانت الجدران تحفظ أنين المعتقلين كما تحفظ المقابر أسماء موتاها.
ليلٌ لا ينتهي. ورائحةُ الخوف تمتزجُ بالعَرق وبدمٍ ناشفٍ على أرضٍ لم تعرف سوى وقع السلاسل.
هناك. في ركنٍ من أركان سجنٍ عراقيٍّ من زمن صدام…

صدر مؤخرًا عن دار نشر شلير – Weşanên Şilêr في روجافاي كردستان، الترجمة الكردية لرواية الكاتبة بيان سلمان «تلك الغيمة الساكنة»، بعنوان «Ew Ewrê Rawestiyayî»، بترجمة كلٍّ من الشاعر محمود بادلي والآنسة بيريفان عيسى.

الرواية التي تستند إلى تجربة شخصية عميقة، توثّق واحدة من أكثر المآسي الإنسانية إيلامًا في تاريخ كردستان العراق، وهي الهجرة المليونية القسرية…

حاوره: ابراهيم اليوسف

تعرّفتُ على يوسف جلبي أولًا من خلال صدى بعيد لأغنيته التي كانت تتردد. من خلال ظلال المأساة التي ظلّ كثيرون يتحاشون ذكرها، إذ طالما اكتنفها تضليلٌ كثيف نسجه رجالات وأعوان المكتب الثاني الذي كان يقوده المجرم حكمت ميني تحت إشراف معلمه المجرم المعلم عبدالحميد السراج حتى بدا الحديث عنها ضرباً من المجازفة. ومع…

مروى بريم

تعودُ علاقتي بها إلى سنوات طويلة، جَمَعتنا ببعض الثَّانوية العامة في صفّها الأول، ثمَّ وطَّدَت شعبة الأدبي صحبتنا، وامتَدَّت دون انقطاع حتى تاريخه.

أمس، انتابني حنينٌ شبيهٌ بالذي تقرّحت به حنجرة فيروز دون أن تدري لمن يكون، فوقه اختياري على صديقتي وقررتُ زيارتها.

مررتُ عن عمَدٍ بالصّرح الحجري العملاق الذي احتضن شرارات الصِّبا وشغبنا…