إبراهيم محمود
قيلَ أنه في وضْع القواميس، باستثناء كل الأعمال الأخرى كتابةً، حسبك أن تنجو من النقد. إنما أليس من استثناء في هذا الجانب، نشداناً للإنصاف، والتمييز بين عمل قاموسي وآخر؟
لعل القاموس الذي أصدرته مؤسسة سبيريز” دهوك ” بالكوردية” بالحرف البهديني ” والمعنون بـ ” قاموس آمد الميداني “: فه رهه نكَا ئامه د يا مه يداني “: كوردي- كوردي- عربي، إعداد إسماعيل طه شاهين، ومتابعة وتدقيق نَوزاد هروري، في مجلدين، من القطع الكبير، وضمن ” بوكس ” جميل، وملون، بعدد صفحاتهما التي تقارب الـ ” 2300 صفحة”( الأول في 1160+ الثاني في 1130 صفحة ” وتجليد أنيق، وعنوان نافر” بارز”، أي ” قاموس آمد، يشكل في مجهوده، ومردوده أقرب إلى الاستثناء، بالنسبة لمحتواه، وأهميته بالنسبة إلى الكوردية كلغة، والكُرمانجية منها كلهجة، ضمناً.
هذا القاموس الذي صدر حديثاً، يستحق التقدير، وإضاءته خاصيته، ولو تعريفاً موجزاً به، وخاصة إذا كاشفنا مدى حاجتنا إلى أعمال قاموسية تعتمد أسلوباً علمياً في بنيتها .
لكلمة المسئول عن سبيريز قولٌ فصل
( الكلمة التي سطَّرها كاتبنا الكوردي والشاعر القدير مؤيد طيب، وهو المسئول عن مؤسسة سبيريز، للطباعة والنشر، على الغلاف الخارجي لكل من البوكس، والمجلدين، لها دلالتها وقيمتها الاعتبارية، وهي أنه: بعد نهوض اللغة الكوردية عموماً، والكرمانجية خصوصاً، ترافقَ هذا النهوض مع انبعاث كبير في حقل الانشغال بالقواميس. ومن ذلك الحين وإلى الآن، ظهرت مجموعة كبيرة من القواميس، ونحن في مؤسسة سبيريز، طبعنا الكثير منها، مثل: قاموس كَولى، قاضي، مايى، شيرين، كانيا سبي، ويندار. وحديثاً: قاموس آمد الميداني، حيث إن واضعه الأستاذ إسماعيل طه شاهين، إلى جانب التدقيق والمتابعة من قبل الأستاذ اللغوي نوزاد هروري، منكبٌّ عليه منذ أكثر من أربعين عاماً، وهذا القاموس كان همه الأكبر.
ما يميّز هذا القاموس عن القواميس الأخرى مجتمعة، هو أنه خلافها كافة، يظهر معتمداً الطريقة الفنية والعلمية لوضع القاموس، حيث إن لكل كلمة ما تعرَف به من معان لغوية مختلفة: تفسيراً وشرحاً.
ليخلص إلى نتيجة منطقية، في ضوء الوارد تسطيره: ونحن كمؤسسة سبيريز فخورون بهذا القاموس، ومن وجهة نظري، أنه مثلما أن هناك الكثير من القواميس في كل لغة، سوى أنه في كل زمن، هناك قاموس من بينها يتصف بالثراء، ويستحق المصادقة عليه واعتماده مرجعاً.
وهذا القاموس في اللغة الكوردية والكرمانجية البهدينية، يستأهل أن يتواجد في كل بيت.).
هذا القول لا يؤتى على ذكره لمناقشته، إنما للاستنارة به، وفي ضوئه يمكن قراءة القاموس وهو بعنوانه المكاني” الكوردي ” ومتابعة ما يأتي في إطاره والاستفادة منه .
في كلمة الإهداء
الأهداء يأتي عرفاناً بجميل من له صلة بأي عمل. هكذا هي كلمة الإهداء في مستهل القاموس” المجلد الأول ” ولتأكيد نوعية الجهود المبذولة في العمل القاموسي المضني والمثمر أيضاً، وفي الصدارة إلى روح والديه، وآخرين، ممن عرِفوا ببصمتهم في تقديم المساعدة من نواحيَ شتى: من هم معنيون بالكوردية لغوياً، ولديهم ذاكرة مكانية ومحلية تختزن كلمات لها وزنها الدلالي وتتم تهجئتها، وقد جرى تدوينها، مع ذكر أسمائهم، وقبل أن تنقرض، ولمؤسسة سبيريز المكانة المميزة ضمن لائحة كلمات الإهداء هذه، وهذا حق، لأن عملاً كهذا لا يستهان به، وهو يظهر بمثل هذا الرونق والإخراج الطباعي والورق القابل للتقليب، وتلوين الكلمات الرئيسة….إلخ.
ولكلمة المتابع والمدقق ” نوزاد هروري ” اعتبار آخر أيضاً
حيث يشير هروري منذ البداية إلى أهمية اللغة، ودورها للأغلبية طبعاً، حيث إنها على صلة بحياتهم الاجتماعية واليومية. أما بالنسبة إلى الأقلية، وهم النخبة بالتأكيد، فهناك المضيّ باللغة إلى ماوراء الستار للنظر في أمرها اليومي، وسبر حقيقتها نشأة وتشعب معان: كونها نافذة تستشرف مظاهر الحياة كافة في المجتمع..” ص 7 “
ولينوه إلى المكانة الخاصة للقاموس، جهة العمل فيه، وهي أنها تتطلب جهداً مضنياً وخاصة، في إطار الأنشطة اللغوية، وما أفصح عنه المعروف في العمل القاموسي في القرن السادس عشر، أي ذلك الهولندي” جوزيف جوستوس سكاليكَر ” والذي أعد قاموساً يونانياً – عربياً، جهة ذكْر المتاعب المكلفة ووصفها في هذا النطاق، وقد ركَّز على وجوب الإحاطة بالعمل من كل الجوانب ، وذلك في محاولة تجنب أي نقيصة أو خطأ أو ثغرة. ولا أكثر من أوجاعها، إنما هناك حالة عشق ووضع كلمات وأقوال لدى المأخوذين بها. ” ص 7 “
العمل القاموسي متعب ولا أتعب منه حقاً: لأنه موصول بصورة خاصة، بكلمات الناس اليومية من جهات عدة واستخداماتها.. وتالياً يرى أنه على يقين أن الصعوبات والعوائق التي تتخلل هذا العمل ربما أكثر ثقلاً. ” ص 7 “
والعمل الذي أنجزه إعداداً : إسماعيل طه شاهين، جعله هروري نصبَ عينيه وهو يضيئه من الداخل ” ص 8 “. من ذلك أنه من باب البداهة القول أن العمود الفقري للقاموس عموماً هو الكلمات. ولأن الكلمات تم التقاطها من الأفواه، كان لا بد من اعتماد منهج قواعدي لكتابتها. كنموذج،لا بد من إظهار أي حرف يجري اعتماده استجابة لأي صوت، وكيف يمكن كتابة الحروف المختلطة، والكلمة المتهجاة من أي نوع منطوق، وأي المعلومات تكون مهمة للتعريف بها وتثبيتها.
وأن واضع القاموس هنا هو الذي اعتمد من جهته منهجاً خاصاً به لكتابة الكلمات وتأكيدها مع معانيها.” ص 8 “.
وهذا ما يخص الحروف الصائتة والصامتة وكيفية كتابتها والتفريق فيما بينها
وعدا عن ذلك، يكون المهم هنا بالمقابل، هو إظهار نوعية الكلمة ونسبها من الكلام المنطوق…
وهناك ما يخص التمييز بين الكلمات جهة التذكير والتأنيث ” ص 8 “.
وهناك الكلمات المركَّبة من كلمتين أو أكثر، وكيفية الحرص على كتابتها، وتوخي الحذر في ذلك إلى جانب المعاني المقابلة، كنموذج: مروفشيرن( ناف+ هه فالناف )…إلخ ” ص 9 “
وثمة الجانب المتعلق بمعاني الكلمات، إثر معرفتها، وهذا يمثل نقطة مهمة.. وثمة أمثلة واردة هنا ” ص 11 ” وثمة توسع في هذا الحقل اللغوي- اللساني ” ص11-13 “
وهناك نقطة مهمة أيضاً تسجل شاهدةَ عيان على مدى الجهد المبذول من قبل واضع القاموس، وهي تنصبُّ على تاريخ الكلمات، بما أن المعدَّ سعى إلى إبراز أصل الكلمة ” ص 14 “.
والشهادة الفخرية التي يمنحها مقدّم القاموس لواضعه، ترتبط بنوعية جهده الذي جاء علمياً،كما يظهر من تدقيقه فيه، وهو يشير بقناعة، عن أن هذا القاموس من ناحية المحتوى والمنهج في مضمار العمل القاموسي، يعتبَر الأول في ميدانه . لأن:
محتوى القاموس ينتسب إلى لغة الناس، وواضع القاموس لم يعمد إلى وضع شيء من عنده. وأن الكلمة المسجلة تشير إلى جهتها المكانية والاجتماعية . واعتمد القاعدة الدقيقة في كتابة الكلمات من أول القاموس إلى نهايته. وهناك إبراز للسمات اللغوية الخاصة بالكلمة: كيفيتها، وخاصيتها…وما يتعلق بمعرفة اللغة بناء على صفاتها النحوية وليس على السؤال العائد إليها ” ما هذا ؟ ” وليؤرَّخ للكلمة تالياً ..
ولواضع القاموس الحق في الكلام بالمقابل:
في مقدمته لقاموسه، يشير شاهين إلى أن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. إن هذه الكلمة تختصر حكاية/ قصة وضع هذا القاموس الميداني ، حيث يشير إلى مباشرته العمل الميداني منذ مستهل ثمانينيات القرن الماضي ” ص 21 “
طبعاً، لا بد أن يُراعى جانب المشقة في العمل الميداني، والتنقل بين الأمكنة، والسؤال عن الكلمة الواحدة من كثيرين، وفي أمكنة شتى، وبسويات ثقافية مختلفة، والربط فيما بينها، وما فيها من خلط، أو كمواد خام تتطلب فرزاً وتفريقاً وتوصيلاً بين الكلمات وأصولها الدلالية حياتياً .
ليشير إلى جملة الصعوبات في ذلك، من ذلك: عملية الجمْع للكلمات. ويقول عبارة لافتة، وهي أنه بدأ بجمع الكلمات كصياد يقظ ” ص 22 ” أي اعتماد الحيطة والحذر في ذلك.
وليس غريباً ولا باعثاً على الاستغراب قوله عن أنه مع الأيام كان الكلمات المجمَّعة تزداد وتشكل وزناً ثقيلاً . ” ص 22 ” وليرسل ما تمكن من جمعه إلى هروري ليكمل العمل في تنويره متابعة وتدقيقاً ” ص 23 “
ليشير إلى خريطة القاموس، وفي إطار القاسم المشترك بين القواميس كافة، جهة التركيز على الكلمات ووضعها في أمكنتها الصحيحة واحترام أصولها ..” ص 23 ” إلى جانب كيفية تسلسل الكتابة وفقاً لقاعدة معروفة في كتابة ألفبائها اللغوية ” من الألف ” بداية ” ص 24 ” وهناك أمثلة وارد تفصح عن الجهد المبذول في هذا المنحى.. ” ص 25 “
لقد حاولت إيجاز القول في القول المجاز، والتأكيد من وجهة نظري على أن هذا القاموس بما عرِف به في الكلمة المنقوشة على الغلاف الخارجي، والكلمة التنويرية للغوي هروري، وأهمية مقدمة واضع القاموس شاهين، عمل ترْفَع له القبعة، ولكل من له يد في إظهاره، من ألف المباشرة به، إلى ياء ظهوره وإبرازه للمعنيين به ، الشكر الواجب، وما أفصحتُ عنه في هذه العجالة عبارة عن كلمة تقدير مرفقة بالشكر الواجب ليس إلا .
دهوك- 6-10/ 2023