ماري عطر الشرق و كمال جمال بك

مصر: عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة صدرت: ماري عطر الشرق ــ 

2023.
وهي المجموعة التاسعة للشاعر السوري كمال جمال بك والتي تتعدد فيها الأساليب الفنية والجمالية، وتتنوع مضامينها بين خلجات الذات و بين اهتزازات الشأن العام، في نسيج الطبيعة و عبث الوجود، لتلتقي في محور الإنسان بمحرق جوهرة الحب. وهو ما تصدرت به فاتحة القصائد: 
” لا شيء يُنقصُ أوجاعَ الحرب مثل الحُبّ”. 
في التشكيل البصري تفرش القصائد على بساط مئة وصفحتين، وبين أمكنة غائبة وحاضرة في الوجدان، وبين أمثالها الحاضرة والغائبة الملامح عن الذكريات، يستعر الشوق والحنين ويرتوي بعذوبة أنهار شمس الليل ودهشة قمر النهار. 
دنيا مؤنثة، والحياة من أخواتها، تثب وغزالتها القصيدة، وتفيء تحت شجرة رمان أو دالية، أو سفرجلة، لا تشبه زينة كان وأخواتها، بل فيها إنَّ للمتبصر حضور المرأة في مرآة ماري، ومملكتها الفراتية، وقلب أمها مريم في الترجمات، والابنة في مرجوحة الحلم التي خيبت النذور ولم تأت: 
“وجهُ ماري يتجلَّى
في فصولٍ بوصال بينها
تأخذُ ما بين حضورٍ وغيابٍ 
شكلَ كفّ وخطوطٍ مُربكهْ
إنَّها مملكةُ النَّهرِ وعرشُ الملكهْ
وهْيَ أمّي في ليالي التَّرجماتِ الحالكهْ
وابنتي في الحلمِ كمْ مرجحْتُها
في سُفنِ الشّعر، وخابتْ 
في نذورِ الأضرحهْ
هِيَ ماري
هِيَ بستانُ وجودي
الآنَ، في مستقبلي، و البارحهْ”
ماري بعطر شرقها تحرق المسافات في غرب غالبيته لا رائحة فيه لورد ولا من يهز الورد ليشم عطره!
ماري عطر الشرق خيمة نزوح أيضاً، أوتادها في الطين، وملجأ في المنفى، وبيت القصيد في الشتات. ولها وطن حر كريم على أمل باللقاء.
صدر الغلاف الأخير احتضن هذه القصيدة:
“مُورقٌ يا حبُّ في كلّ الفصول
ويباسُ النَّاسِ في مُفترقٍ بين ظِماءٍ وحَيارى
وانحسارٍ عن روابيهم وتعجيلِ الذُّبول!
مورقٌ أَنتَ، وهمْ في غبْرةٍ 
من سجْدةٍ في الذُّلّ 
أَو من لوثةٍ في الغِلّ
أَو من سَبَقٍ في مبتدا أوهامهمْ
ملهاتُهم مأساتُهم
أَيَّامُهم ضائعةٌ في منتهى حلـْمٍ بديل!
مُورقٌ يا حبُّ في كلّ شروقٍ وأَصيل
مورقٌ، والسرُّ في تكوينِكَ الطينيّ
لا في المَتْنِ، لا في الشَّرحِ، لا في الهامشِ المنسيّ
لا بين التَّفاصيلِ الَّتي تُبهجُنا
لا في الوداعاتِ الَّتي تُحزنُنا
بل دائماً عندَكَ ما يُدهشُنا كلَّ وصول
مُورقٌ يا حبُّ في كلّ الفصول”
كمال جمال بك مواليد البوكمال قضاء دير الزور الفراتي سورية 1964
شاعر وصحفي، عضو اتحاد الكتّاب السويديين. دبلوم فلسفة جامعة دمشق. 
مجموعاته بين 1992-2023 فصول لأحلام الفرات، سنابل الرماد، بعد منتصف القلب، فاتحة التكوين، مرثية الفرات العتيق، جسر الضلوع.. وهذه هويتي، ذئب المنفى وعصافير الثلج، لاجئ في المشفى، وماري عطر الشّرق. له قراءات نقدية شعرية في الصحف، وأجزاء من سرديات بعنوان وجه الخير

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إدريس سالم

 

ليستِ اللغة مجرّد أداة للتواصل، اللغة عنصر أنطولوجي، ينهض بوظيفة تأسيسية في بناء الهُوية. فالهُوية، باعتبارها نسيجاً متعدّد الخيوط، لا تكتمل إلا بخيط اللغة، الذي يمنحها وحدتها الداخلية، إذ تمكّن الذات من الظهور في العالم، وتمنح الجماعة أفقاً للتاريخ والذاكرة. بهذا المعنى، تكون اللغة شرط لإمكان وجود الهُوية، فهي المسكن الذي تسكن فيه الذات…

مازن عرفة

منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، يتسارع الزمن في حياتنا بطريقة مذهلة لا نستطيع التقاطها، ومثله تغير أنماط الحياة الاجتماعية والإنسانية، والاكتشافات المتلاحقة في العلوم والتقنيات، فيما تغدو حيواتنا أكثر فأكثر لحظات عابرة في مسيرة «الوجود»، لا ندرك فيها لا البدايات ولا النهايات، بل والوجود نفسه يبدو كل يوم أكثر إلغازاً وإبهاماً، على الرغم من…

أصدرت منشورات رامينا في لندن كتاب “كنتُ صغيرة… عندما كبرت” للكاتبة السورية الأوكرانية كاترين يحيى، وهو عمل سيريّ يتجاوز حدود الاعتراف الشخصي ليغدو شهادة إنسانية على تقاطعات الطفولة والمنفى والهوية والحروب.

تكتب المؤلفة بصدقٍ شفيف عن حياتها وهي تتنقّل بين سوريا وأوكرانيا ومصر والإمارات، مستحضرةً محطات وتجارب شكلت ملامحها النفسية والوجودية، وموثقةً لرحلة جيل عاش القلق…

غريب ملا زلال

رسم ستار علي ( 1957_2023 ) لوحة كوباني في ديار بكر /آمد عام 2015 ضمن مهرجان فني تشكيلي كردي كبير شارك فيه أكثر من مائتين فنانة و فنان ، و كان ستار علي من بينهم ، و كتبت هذه المادة حينها ، أنشرها الآن و نحن ندخل الذكرى الثانية على رحيله .

أهي حماسة…