السمكة والبلبل

 عبدالكريم مراد

على شاطئ البحر 
مع همسات الغروب 
وفي هدأة البلبل السمح من التغريد 
لمحَ بقايا صيّادٍ بليد 
حول إناءٍ 
فيه سمكةٌ 
ُمختارةٌ … 
منسيةٌ….
حزينةً… 
مهمومةً….
محتاره …..
سمعها تُخرخِرُ : 
متى العودة إلى ماء البحر ؟!
إنها يائسة 
تحاول الخروج
فترتطم بجدار سجنها المصقول 
بلاجدوى …
فتنقرُ وتَطِنُّ مستغيثةً 
اقترب البلبل يحدِّثها…
سائلاً : مابكِ؟!
أما تعبتِ من القفز والدوران ؟!
-سامحك الله أيها الغرِّيد
كالطير أرقص مذبوحاً من الألمِ 
فهل يستطيع اللعبَ من يحتضرْ؟!
سأموت وأنا بعيدةٌ عن البحر
عن أترابي
إنها مصيبةٌ حلّت بي !
يالسوء طالعي 
يالغبائي
فقد أغراني ذاك الصبي الأهبل 
بفُتاته 
وبعيداً عن البحر أودعني 
ونسيني …
ومضى ..
                       **********
آسفٌ جداً 
فقد ظننتكِ
فرحاً ترقصين 
فالحرية جميلة
لكني …
لن أستطيع الوصول إليكِ
لن أستطيع حملك وإنقاذك 
لكن …
انتظريني
قالها البلبل الغريد 
وغادر إلى سرب الحمام 
يتوسل لتحرير السمكة المسكينة 
من سجنها الضيق  
وكيف لايوافق الزاجل 
حمام السلام 
حلّق الحمام بأسرابٍ ثلاثة
سربٌ فوق الشاطئ للحماية
وآخرُ برفقة البلبل يحمل الإناء وينقله 
وثالث حطَّ على حافة الماء 
يتجهزّ للطوارئ 
تماماً كالبشر 
وتمت العملية بسلام 
ليتصدع الإناء بعد رميه
 فور اصطدامه بالمياه
وانطلقت السمكة
تقفز على وجه الماء 
بعد غطسٍ 
مسرورةً 
 تهلهل …
تشكر ….
ثم غطست تغني 
أجمل أغنيةٍِ
للحرية 
للوطن
حيث السّعادة 
تلك التي لا تُقدر بثمن
 
                          *****************
هنا …..
أقف وأتوسل وأقول :
أيُّها البلبلُ الغرِّيد
ما أجملك
ما أروع روعتك وتغريدك
أيتها السمكة العظيمة
ما أسمى قناعتك
أيُّها الحمام الزاجل
ما أروعَ مهمتك 
حيث السلام والمحبة 
أستميحكم جميعاً العذر
لألتفتَ إلى الظالمين في بلادي 
وأتساءل :
ماذا تنتظرون
أيها الظُّلام 
أيها المأجورون الهُبَّل
في الداخل والخارج؟!
لقد صدق الواشون 
بأنكم لن تتعظوا
لامن الطيور ولا من الحيوانات 
ولاحتى من البشر والتاريخ
أما قبضتم أجوركم
لتكفّوا عن اللعب بحياتنا 
أم أنكم تأملون المزيد 
من النفط
والدولار 
أين موانئ البلاد؟
أين قلاعها وأنهارها؟
أين البساتين والمدن ؟
ضيعتم التاريخ؟
فقد بِعتم الموانئ
حتى الغوطة بعتموها 
ونصف بل ثلاثة أرباع العاصمة 
والقلاع والجوامع شوّهتموها وتاريخها 
والأنهار قايضتم عليها
والبساتين رهنتموها 
لحفيد أتاتورك 
للدب الروسي
للمجوس الفارسي
ناهيكم عن الثعلب الأمريكي 
كلٌّ بحسب أجندته 
أتدرون 
فحتى الوحوش تتبرَّأ منكم 
من ظلمكم 
وقد سبقتموها 
بالظلم والقتل 
بالرعونة 
بالجشع
وبالمكر
ولا أدري 
هل علّمكم أسيادكم 
أم من الوحوش تعلمتم 
كيف تخفون آثار جرائمكم
فالوحش يخشى من اقتفاء أثره 
بعد الجريمة…
ليحمي نفسه
فيمسح بذيله مصدر رعبه
 تماماً
كما تقتلون القتيل 
وتمشون في جنازته
فآخر جرائمكم 
تفجير الكلية الحربية
بعد مغادرة الراعي
وتعلنون الحداد والسواد 
والعبرة في القطيع التابع
الذي اقتنع تماماً
رغم كل خلق ٍ مشين ٍذميم
قناعةً مطلقةً 
باثنين لا يُخطِئان 
الله وأنتم 
وتسيل الدماء
على أرض الوطن 
ويطالبوننا بآجارها 
فهل تعقلون
أما تتّعظون ؟
لنا الله 
لنا الأرض 
ولو حُرقت وباتت رماداً
سنحييها 
ستحييها أمطار الشتاء
وشمس الربيع …!
فنحقق أحلامنا 
أسوةً بغيرنا من البشر 
ألمانيا-إســـــن
في 08.10.2023

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…