كلام عجائز أو استعدادات الرحيل

  محمد علي علي – عامودا

– ما رأيك ؟
– أنا برأي ، يكفي،!
– وأنا من رأيك ّ!
– أيه ، لو يأتيني في هذا الأسبوع !
– لا والله كثير ، أتمنى لو يأتيني اليوم قبل غد !
– أنت مستعجل أكثر مني ، أتوقع أنه سيأتيني قبلك !
-آه …آه ! ستكون محظوظا ، ولكن عكازتك مازالت قوية !
– تبدو قوية ، ولكن السوس بدأ ينخر فيها !
– ولم لا تستبدلها ، خذها الى نجار ما ؟
– أعرف سيقول بأن لا أمل يرتجى منها ، لن أبدلها …لم تعد هناك حاجة الى واحدة جديدة !
– معك حق ،أوف…أوف ! لا طعم في حياة تعيش مع عكازة !
-نعم ، لا طعم لحياة تعيش على عكازة , و هل امنت الكفن ؟
– منذ زمن ، لقد وضعته مع  صابونة وقطن في كيس ، الحمدلله …كل شيء جاهز !
– والقبر ؟
– بجانب والدي ، انشاء الله !
– الله يرحمنا ! .. الحمد لله نحن جاهزون !  لنقرأ الفاتحة على أرواحنا …!
 بعد قراءة الفاتحة ، حان وقت صلاة العشاء فودعا بعضهما البعض :
– أتمنى لك موتا مريحا يا حجي… !
– اتمنى لك موتا سريعا ياصوفي…!
 ولم يمض شهرحتى قرأ الجيران الفاتحة على روحيهما !

 خيمة الفقراء

الله يرحمه ، ولد فقيرا ، عاش فقيرا ومات ، كما ولدته أمه !
كان ينظر حوله وهو جالس في خيمة عزاء والده فلم يكن يرى سوى الفراغ  ، انه بأمس الحاجة لشخص يحادثه ، لكنه بقي وحيدا، يؤاسيه في مصابه الأليم لفافات التبغ
 و  دموعه التي لم تذرفها عيناه ،بل قلبه …! وكذلك موزع القهوة المرةالذي لم يكن يبخل عليه بصب فناجينا من  المرارة في حلقه !
 لم يكن حزينا على موت والده فقط ، بل على موت أشياء أخرى !
المعزون معدودون جالسون ..ينظرون الى بعضهم البعض ،
كل واحد ينتظر الأخر لينهض من المجلس ، الجميع صامتون ،
وكأن الميت لم يكن له محاسن لتذكر !
 تذكر خيمة عزاء جده ، لكم هي شبيهة بخيمة والده ! فالابن سر أبيه …!  تصور خيمته التي ستكون ….!  نظر الى الخيمة الفسيحة ،
تنهد بحرقة شديدة ، فالخيمة كبيرة لن تملئها مكانة المرحوم! تمنى لو كان هناك خياما ذو مقاسات مختلفة كالبيوت والقصور ، كالبطون والكروش
 وكأرغفة الخبز المرقع والرغيف المدعوم !
 في هذه اللحظة وصل شيخ جليل ، جلس ، قرأ الفاتحة ، تأمل باستحياء الموجودين واحدا واحدا ثم بدأ موعظته :
  ” أنما المؤمنون أخوة ….ّالناس سواسية كأسنان المشط …ووو ” .

  رقعة

 بعد أن أجرى كل التحاليل اللازمة ، أجتمع نخبة من الجراحين المختصين للحديث عن العمليات الجراحية اللازمة :
– شرايين القلب يلزمه ترميم ، سنقطع جزءا من شرايين القدم لنرمم به الشرايين التالفة .
– الكولون بحاجة الى ترقيع ، سنقطع جزءا من لحم الفخذ لنرقع به المعي الغليظ !
– المرارة مليئة بالحصيات وبحاجة الى استئصال !
– ضغطك مرتفع وتحتاج الى الراحة .
– نسبة السكري في الدم مرتفع جدا وبحاجة الى ابر أنسولين .
– معك قرحة مزمنة في المعدة وتحتاج الى عمل جراحي .
 أما كبير الأطباء قال له :
– كل هذه الأمراض سببه التدخين !
– التدخين ؟ ان الدخان بريء …بريء من هذه التهم يا سادة ، فأنا لا أدخن ؟
 رجع الى البيت ، تأمل بيته وأثاثه ، زوجته وأطفاله ، تنهد بعمق وقال في نفسه :
– كل شيء في حياتنا مرقع :  البيت ، الثياب والجيب ، الرغيف … الروح مرقعة ، وها هو الجسد ايضا يرقع ! هيه … انا رقعة !
  تصور روحه رقعة كبيرة ، وجسده لباس مهترىء ، مرقع بقطع لحمية صغيرة ، معلقة على  شماعة الفقر في خزانة قديمة ” اسمها   ” الحياة الفانية “!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…