لابديل عن العقل مهما بلغت أخطاؤه

ابراهيم البليهي

خلال العقود الثلاثة الماضية حصل تغيُّرٌ جذري في رؤية العلماء لطبيعة العقل فقد كانت العلوم الاجتماعية تدرس الأوضاع البشرية باعتبار أن الإنسان كائن عقلاني وأنه يتصرف ويفكر بشكل سليم قائم على التفكير العقلاني لكن الدراسات المكثفة والمتواترة حول التفكير كشفت أن التصور العقلاني لم يكن قائما على أساس سليم …..
 لقد أظهرت الدراسات العلمية المتواترة أن أخطاء التفكير ليست كلها ناشئة فقط عن التحيزات العاطفية وإنما العقل البشري بطريقة تكوينه معطوب بنيويًّا ….
لقد تبيَّن أن العقل البشري ومهما نال من التعليم ومهما اتسعت معارفه فإنه يقع في الأخطاء بل إنه يقع في الخطأ حين يستخدم أسلوبًا منهجيا يوهمه بالضبط والدقة حيث كشفت دراسات كثيفة ومتآزرة أن الخبراء يقعون في نفس الأخطاء التي يقع بها الآخرون فلا أحد مستثنى من مصائد الخطأ بالإضافة إلى النقائص الأخرى والتحيزات التلقائية …..
من الكتب التي تكشف هذا التحول:
– كتاب (٥٢ خطأ في التفكير) تأليف رولف دوبلي
– وكتاب (التفكير السريع والبطئ) تأليف دانيال كانمان 
– وكتاب (التنبيه) تأليف رتشارد ثالر وكاس سنشتاين 
– وكتاب (السذاجة وعلم النفس الاجتماعي) تأليف جوزيف فورجاس وروي بوميستر 
– وكتاب (السطحيون) تأليف نيكولاس كار 
– وكتاب (وهم المعرفة) تأليف ستيفن سلومان وفيليب فيرنباخ
هذه بعض الكتب الجديدة التي تشير إلى سحب الثقة من تلقائية العقل لكن هذا لا يعني البحث عن بديل لأنه لا بديل عن العقل وإنما هذا الكشف لأخطاء العقل يدفع إلى المزيد من التدبر والاستقصاء والتحقق والمبادرة إلى الاعتراف بالخطأ حين ينكشف …..
إن تعرية أخطاء العقل تُسْهِم في تسديد التفكير وفي الاستعداد للتدارك وفي تقليل الثقة بالوثوق الأعمى ….
إنه بقدر إدراك الإنسان بأن العقل البشري يخطئ بشكل منهجي فإنه يكون أكثر مراقبةً لتفكيره وأحرص على تدارك وتصحيح أخطائه كما أنه يكون أكثر وعيًا بأسباب وقوع الآخرين بالأخطاء فلا يتقبل إلا ما يكون مصحوبا ببراهين كافية كما أنه يكون أكثر تسامحًا مع أخطاء الآخرين لأنه يدرك أن الخطأ هو الأصل وأن الصواب يتطلب تركيز الانتباه والاستقصاء في التحقق وتنحية التحيزات بقدر ما تسمح به الطبيعة البشرية ….
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…