الخلل البشري الجذري

ابراهيم البليهي

لا تتكشف مغالطات البشر بشكلها الصارخ إلا أوقات الانقسامات الحادة كالحالة العالمية هذه الأيام ….
في الحربين العالميتين تابع الفيلسوف البريطاني الشهير برتراند راسل ما يجري بين الطرفين المتحاربين من قتل فظيع وتدمير بشع على الجانبين وما يقوله كل طرف عن عدالة قضيته و عدوانية الطرف المقابل فانتهى إلى أنه يوجد خلل جذري في طبيعة الإنسان وأنه حتى إبداعاته لا تأتي غالبًا إلا إذا كان مستثارًا حيث تشتد الفاعلية وتتلاحم الطاقات الذاتية…..
وقد لخص راسل رؤيته بقوله:
(( يوجد انقسامٌ عميقٌ في ذواتنا بين الجزء العاقل والجزء غير العاقل ففي الأوقات الهادئة يمكن للجزء غير العاقل أن يهدأ ولكنه في مثل وقتنا الحاضر (وقت الحرب) يغزو كل ساعات يقظتنا ويصبح كل تفكير عقلي واهنًا ومنفصلا عن الإرادة وتصير حياتنا معلقة بخيط رقيق من الفروض))
تذكرت هذا وأنا أتابع ما يقوله الإسرائيليون ومعهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي بشكل عام حيث يكون التعامي صارخًا عن أبشع الصور وحيث التحيز المطلق وحجب الحقائق والمبالغة المفْرطة في إبراز ما يريدون تأكيده والتهوين المتعمَّد لكل الحقائق التي تكون لصالح الطرف الآخر ….
    حين يشعر أي طرف بأنه الأقوى فإنه يمعن في تجاهل الحقائق التي تخص الطرف الأضغف والإمعان في تأكيد ما يعتبره دفاعًا مشروعًا عن النفس ….
في الأمم المتحدة تحدث وزير خارجية إسرائيل وكذلك مندوبها في الأمم المتحدة كلاهما تحدث بانفعال مُفْرط وصلف جنوني لأنه بسبب الدعم الأمريكي الغربي المطلق يشعر أنه في موقف المتحكم بالموقف بينما تحدث وزراء الخارجية العرب: وعلى رأسهم وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان والآخرون الذين تحدثوا بعقلانية شديدة ورزانة واضحة لقد أدركوا أن المواقف الملتهبة لإسرائيل والغرب لا يصح أن تقابل بصلف مماثل وإنما حاولوا إيقاظ العقل العالمي للحقائق …. 
هكذا البشر فالأصل هو الانسياق مع الخلل البنيوي الجذري إن البشر لا يلجأون للعقل والمنطق إلا حين يكون ذلك في صالحهم أما الأصل في التفكير البشري فهو الأنانية المطلقة والرفض الصارخ لكل الحقائق الماثلة أمام الجميع والثقة المطلقة بصوابية الذات مقابل تأكيد الخطأ المطلق للطرف المقابل ….. 
هذا الخلل الجذري في التفكير البشري يكون حاضرًا في كل الخصومات والنزاعات والمنافسات سواء بين الأفراد مثل الخلافات الزوجية أو بين الأُسر أو بين المجموعات والمذاهب والاتجاهات أو على مستوى الأمم …. 
وقد عولجتْ هذه الظواهر البشرية بواسطة عدد من العلوم ولكن علم الأعصاب هو الأكثر دقة في هذا المجال الملتبس غاية الالتباس ……
ومن بين العلماء الذين حاولوا تنبيه البشر إلى الخلل البنيوي في الطبيعة البشرية: عالم الأعصاب الفرنسي سباستيان بولر وقد كرس لهذا الموضوع المعقد عددًا من الكتب منها:
– كتابه (الخلل البشري)
– وكتابه (كيمياء عواطفنا)
– وكتابه (الإنسان يكره الخير)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…