حسين جلبي
قل أنك شاعر، قاص، روائي كاتب، صحفي، إعلامي، حقوقي، بيئي، سينمائي، فضائي، جنرال، منظم مهرجانات “وهذه جديدة” أو أي شيء آخر ، فستجد الناس ينادونك ماموستا، وسرعان ما ستجد واحدة من المنظمات الإعلامية والحقوقية والكتابية تمنحك العضوية وتدعوك إلى المهرجانات، دون أن تدقق في مستوى نتاجك أو تسأل عنه، وكيف ستفعل ذلك، والقائمين عليها أكثر جهلاً منك، وهمهم البحث عن “كمالة عدد” للظهور رعاة، وعدم تركك للمنافسين.
من جهتي، وكما ذكر أحد الأستاذة قبل أيام، كتبت بدوري الشعر فترةً، لحن أحد الأصدقاء قصيدة لي وغناها منذ زمن طويل، ولدي فلتات شعرية بين فترة وأُخرى، ألقيت مرة قصيدة في مناسبة ما ببرلين، وإذا ما جمعت ما كتبته هنا وهناك، فيمكنني اصدار ديوان به، وبقليل من الجهد، عبر تغيير شكل بوستات الفيسبوك بجعلها عمودية مثلاً، أستطيع اصدار المزيد من الدواوين، ويمكنني على أساسه الانتساب إلى واحدة من نقابات الشعراء الكثيرة والعثور على المعجبين من طينة الذين يقولون لكل شيء “هربجي ماموستا”، لا بل أستطيع ذلك حتى دون اصدارات، فقد نسّبني أحدهم إلى نقابة ما خلال السنوات الماضية، دون أن تكون لدي المؤهلات المطلوبة، وكنت نسيت الموضوع من أساسه، لولا أن ايميلات وردتني من تلك الجهة، تطلب مني ترشيح نفسي لقيادتها!
أسمع عن أحدهم يلقب نفسه بالمخرج، ويناديه الآخرون مخرجنا الجميل، رغم أنه لم يخرج في حياته شيء، اللهم سوى “الفطائر من فرن محل الحلويات الذي يعمل به” على قولة صديق، وهناك السينمائي الذي لا يفقه ألف باء السينما، ومع ذلك نافخ ريشه وكأنه أبو هوليوود، وقد حصل على “تكريم”، وذلك الذي يقرأ كل ما تقع عينيه عليه، ثم يضربه في خلاط رأسه، ويقذفه في آخر الليل قصيدة، فيحصد الهربجيات واللايكات من السهيرة، وكذلك الأمر بالنسبة للكاتب وغيره، كالجنرال الذي لم يترك هزيمة إلا وكانت من نصيبه، ومع ذلك تجد القوم يتغنون ببطولاته، وذلك الذي يعجز عن تنظيم شؤونه وشؤونه أسرته في هذه البلاد، ومع ذلك ينظم الفعاليات المختلفة ومطلوب منك تصفق لنجاحاته.
أصدرت حتى الآن خمس كتب بحثية وهناك رواية تسجيلية على الطريق، وعملت في الكتابة الصحفية عبر كتابة مقالات الرأي، أدرت موقع الكتروني وحررت أخباره، وشاركت في مؤتمرات بحثية وكتبت أبحاثاً، وظهرت على الفضائيات، ولكنني لولا سؤال الجهات التي كتبت لها أو ظهرت على وسائل إعلامها، لما اتخذت لنفسي لقباً، فأنا هاوي في نهاية المطاف، وما كتبته لا يتعدى اليوميات، ما رأيته وسمعته وشهدته.
كنت في مهمة عمل مرةً، وعندما انتهيت، وجدت فضائية اتصلت معي ثمانية عشرة مرة خلال ساعة، فبادرت إلى حظر رقمها فوراً، وأنا أسأل نفسي مع علمي بامكانياتي البسيطة، عن الجواهر التي يمكن أن أنطق بها على شاشتها، وأغير بها مصير العالم، حتى أكون الضرورة التي لا يُستغنى عنها!
أُركز دائماً على القضايا الجوهرية، واعتبر ما دونها صرف أنظار عنها. لدينا أطفال كُرد يخطفون يومياً من قبل جهة لا تخفي هويتها، تقوم بتجنيدهم قسرياً وتعلن بعد فترة عن مقتلهم وتقيم الاحتفالات لذلك، ولدينا تجويع وقمع ممنهج، بهدف دفع الناس إلى الهجرة وتغيير ديمغرافية المنطقة.
تعالوا لنقيم مهرجانات تضامنية مع الأطفال المخطوفين وذويهم، ونلقي الشعر ونكتب القصص والروايات عن المآسي اليومية التي تتعرض لها الطفولة الكُردية، نندد بحزب العمال التركي الذي يرتكب يومياً هذه الجريمة ضد الانسانية، هل هناك أحد سيتصدى لذلك، سينظم المهرجانات ويقوم بإلقاء الأشعار وكتابة الروايات، وهل سنجد جهات داعمة؟
أشك بذلك، فالجميع اختار لنفسه السهل الذي يسجل به حضوراً، دون أن يكلفه شيئاً، ودون أن يضيف شيئاً.
———–
من صفحة الكاتب: