أحدهم.. أحدهم ..

إبراهيم محمود

1
أحدهم يفترش طمأنينته
ملتحفاً هدوء القبور
منادِماً الموتى ممن صارت عظامهم ” رميما ً
معتزلاً الأحياء ممَّن ماتوا منذ زمان سحيق
لتأتيه الأحلام التي من نجوم وينابيع 
وظلام يحنو عليه بوجد
***
أحدهم ينزع عنه قلبَه
ويضيئه بشمسين صغيرتين أعلى وجهه
ويلوذ بحفرة عالية
في قاع واد رحب الروح
لافظاً الجرف
تقدّم الحجارة القاعية أنفاساً من براءة الأعماق
***
أحدهم يعتمر برّية ممتلئاً بضواريها المرحّبة به
الكوبرا تؤمّن على حياته في الحال
وحيد القرن يخاطبه اسلمْ في عهدتي
النهر يتهادى ممتشقاً تدفقات ابتساماته السابحة
مما يسمعه على جانبيه
لينام دون أن يرف له قلب خوفاً
***
أحدهم يشد إليه صحارى بكامل كثبانها الرملية
تمنحه رطوبتها ما استطاع إليها سبيلاً
مظلة السماء تطهّر روحه من كل وسواس دخيل عليه
عرائس الواحات يرحبن به بما ملكت مفاتنهن وجنائن صدورهن
فيرمي ذاكرته جانباً
ليتوحد في لاتناهي اللامرئي المفلتر
***
2
أحدهم تصفعه يداه
تركله رجلاه
يحاول لسانه خنْقه
تسفعه روحه
في غرفة محروسة بالسلاح المدجج
بالكاميرات المدججة
بعيون خفية عن قرب
ويضل النوم طريقه إليه
***
أحدهم
مؤمّنٌ على كل شيء فيه
راش الحجارة نفسها
راش العقارب الشديدة السمّية نفسها
راش الجدران الخرساء العابسة نفسها
ليدشن مساحة شبر لروحه
كي يحسن ملامسة الأرض دون رعدة خوف 
***
أحدهم يرى ما لا يراه أحد
ذراعاه تبلغان مسافات لا تحصى
عيناه ضاربتان في تقصي الحقائق
أنفاسه تثير ذعر الخرائب
لكن جسده لا يطيعه 
كي يشعره أنه هو وليس سواه
***
أحدهم مثير الشبهة في أنفاسه
يفحص ما تحت الأظافر
يبقي الضوء شاعلاً في وضح النهار
أكثر الأجهزة دقة في التقاط الأصوات تعينه
لا أرض تضمن له جلوساً
 لا سماء تؤمّن له صعوداً
لا وسط بينهما يمنحه سكينة
يموت مراراً مراراً وليس في جنازته الكثيرة أي أحد
أي أحد
أي أحد

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

يأتي الاسم- هكذا- ممتلئاً دافقاً بالبشرى بما يكفي ليشغل فضاءً واسعاً في ذاكرة الإبداع، والتشبث بالوطن وجباله وسهوله. دروبه. قراه. مدنه. وجوه ذويه. مزكين حسكو ليست مجرّد أديبة شاعرة وساردة تكتب قصائدها وأدبها بلغتها الأم، بل جذرٌ عميق في تربة القصيدة الكردية، فرعها الذي لا ينحني مهما تبدّلت الرياح. لم تأتِ من الهامش، بل…

عصمت شاهين الدوسكي

الاحساس المرهف يفجر المشاعر المكنونة والآمال الميتة

كلیزار أنور عندما فتحت عیناھا للحیاة وعرفت بعض أسرارھا، قاومت كل الأشواك التي تحیى حولھا ،أبت أن تكون نرجسه نائیة ، جرداء ، بلا نور ، خرجت من بین الطلاسم المظلمة لتغیر ذلك الهواء بهواء نقي وترفض التقالید الفكریة البالیة ، رسمت لنفسھا طریقا وعرا، شائكا، غائرا…

عبد الجابر حبيب

 

خطوةٌ واحدةٌ منكِ،

تكفي لتهوي الأبوابُ الثقيلةُ

التي حُشرتْ خلفها حكاياتُ الألمِ.

 

بخطوةٍ أخرى منكِ

سينهارُ الهرمُ المشيَّدُ فوقَ صدورِ الجائعين،

وتبتلعُ الأرضُ عذابَ البؤساء.

 

حتى بإيماءةٍ منكِ،

تعودُ إلى أصحابِها

مفاتيحُ المدنِ المفقودةِ،

ويجفُّ الحبرُ على النهاياتِ القديمةِ،

وتنفكُّ الأقفالُ عن السجونِ

دون أن يلمسَها أحدٌ.

 

بهمسةٍ منكِ،

واثقٌ بأن أصواتَ القتلةِ ستختفي،

ويذوبُ صليلُ البنادقِ

في فراغٍ لا حدودَ له،

وتسقطُ تماثيل اعتلَتْ عروشَ يأسِنا.

 

نعم، بمجرّدِ حضورِكِ،

يتمزّقُ…

إبراهيم سمو

شعرية الجرح والتحوّل أو ثلاثية التمرّد والرومانسية والمفارقة:

يشكّل شعر سعيد تحسين صوتا متفرّدا في مشهد الشعر العربي الحديث، يتميّز بقدرته على التوليف بين التوتّر الداخلي والاختراق الجمالي، بين الحُلم والخذلان، وبين اللغة بوصفها خلاصا، والوجود بوصفه سؤالا معلّقا.

يغترف “مهندس الأعمال الشعرية الكاملة” جوهر قصيدته من حواف الذات لا من استقرارها؛ حيث يتقاطع العاطفي…